أطباء يتذكرون قصص الحصار في غوطة دمشق

«الشرق الأوسط» تتحدث إلى بعضهم بعد التهجير

أطباء يتذكرون قصص الحصار في غوطة دمشق
TT

أطباء يتذكرون قصص الحصار في غوطة دمشق

أطباء يتذكرون قصص الحصار في غوطة دمشق

عندما أكملت الدكتورة أماني بلور (29 سنة) دراسة الطب البشري، وتخرجت في جامعة دمشق صيف 2012، كانت خططها المستقبلية واضحة تماماً. آنذاك قررت دراسة طب الأطفال لتصبح مستقبلاً طبيبة أطفال ناجحة، لكن بعد اندلاع الانتفاضة ربيع 2011، تغير مسار حياتها، وأخبرت عائلتها بأنها تريد أن تعمل «طبيبة ميدانية».
تروي أماني لـ«الشرق الأوسط»، تلك التفاصيل «كأنها حدثت قبل قليل»، بحسب قولها. وسيبقى يوم 12 ديسمبر (كانون الأول) سنة 2012 تتذكره طوال حياتها؛ نظراً لأنه «كان أول يوم عمل كطبيبة ميدانية. وقتها داومت بمشفى السل في بلدة كفر بطنا»؛ حيث عملت طبيبة ومساعدة جراح طوال سنوات الحصار المفروض على مسقط رأسها، وبعد مرور 4 سنوات أصبحت مديرة المشفى ذاته، وتضيف «نظراً لخبرتي وقدرتي على تحمل أعباء المسؤولية. كانت لدي تدابير لمواجهة التحديات كافة التي كنا نشكو منها يومياً».
تتحدر الدكتورة أماني من بلدة كفر بطنا، إحدى بلدات الغوطة الشرقية بريف العاصمة السورية دمشق. وقد فقدت القوات النظامية الموالية للأسد سيطرتها على تلك البلدات نهاية 2012، لكنها فرضت عليها في العام التالي حصاراً محكماً خلّف كارثة إنسانية.

- اللجوء إلى عمليات بتر الأطراف
بسبب نقص الأدوية والمستلزمات الطبية ومشافٍ تخصصية جراء الحصار المفروض على المنطقة، أجبرت الكادر الطبي والجراحين على اللجوء إلى بتر أحد الأطراف لإنقاذ حياة مصاب، وتضيف أماني «بات أمراً شبه طبيعي مشاهدة كثير من الأشخاص في الغوطة، بيد واحدة، أو رجل مقطوعة».
ومنذ بداية العام الحالي اشتدت الحملة العسكرية على منطقة الغوطة واستهدفت من قبل الطائرات الروسية والقوات النظامية، في محاولة اقتحامها من جبهات عدة، ونقلت أماني أن القصف كان يطال النقاط الطبية والمشافي الميدانية؛ الأمر الذي شكل تحدياً للأطباء العاملين، وتزيد أماني «كان هناك طبيب جراحة عامة واحد فقط، وجراح عظمية واحد فقط، كنا نتعامل مع أكثر من 100 حالة بين مصاب وجريح يومياً ونعمل 24 ساعة متواصلة».
وفي 16 مارس (آذار) الماضي ارتكبت قوات النظام السوري مجزرة في بلدة كفر بطنا، راح ضحيتها 70 قتيلاً ومئات المصابين، إثر غارة جوية استهدفت تجمعاً للأهالي أثناء محاولتهم الهرب باتجاه معبر بلدة حمورية المجاورة.
وتروي الدكتورة أماني «كانت هناك صعوبة كبيرة في نقل الجرحى إلى المشافي الميدانية جراء استمرار القصف العنيف. أحرقت المنازل وتفحمت الجثث التي كانت بداخلها، كان يصعب علينا التعرف عليها»، يومذاك نقل نحو 200 جريح ومصاب بحالة حرجة إلى المشفى التي تعمل فيها الدكتورة أماني، ولفتت قائلة «اكتظت الغرف ومداخل المشفى بالمصابين. كنا عاجزين عن تصنيف الأولوية بحسب درجة كل حالة، توفي الكثير من الأشخاص أمام أعيننا، لا أستطيع نسيان صورهم».

- عمليات جراحية نوعية في المناطق المحاصرة
فرضت القوات النظامية الحصار على بلدات غوطة دمشق الشرقية بشكلٍ جزئي، في أكتوبر (تشرين الأول) 2012، ثم أطبق الحصار وشدد نهاية 2013. وفي نهاية مارس العام الحالي، تم التوصل إلى اتفاق تهجير سكان الغوطة الذين رفضوا حكم الأسد، وترحيلهم إلى الشمال السوري.
الطبيب حمزة حسن، المتخصص في أمراض الأذن والحنجرة، كان يدير المشفى الميداني في بلدة عربين حتى خروجه وتهجيره نهاية مارس إلى الشمال، قال إن الشهر الأخير قبل تهجير سكان الغوطة، كان القصف عنيفاً وممنهجاً، واضاف «كنا نُقصف بكل أنواع الأسلحة المحرمة دولياً؛ من براميل متفجرة وصواريخ وقاذفات».
ولدى لقائه مع صحيفة «الشرق الأوسط»، ذكر الدكتور حمزة، أنه في أحد الأيام وثق 150 قتيلاً بمفرده، وعن أكثر الحالات المرضية التي كان يعجز عن علاجها الكادر الطبي في عربين فهي «الإصابات التي تخرج بسببها المادة الدماغية من رأس المصاب؛ فساعات عمرها محدودة؛ إذ يبقى على قيد الحياة وجميع أجهزة الجسم تعمل؛ هكذا حالات كانت في حاجة إلى مشفى متخصص».
وقام الطبيب حمزة والكادر الطبي في مشفى عربين بعمليات جراحية نوعية، «قمنا بعمليات تجرى للمرة الأولى في سوريا. كثير من المرضى الذين كنا نتوقع وفاتهم بقوا على قيد الحياة، وآخرون كنا نقدم كل شيء لهم؛ لكنهم ماتوا في آخر لحظة. نعم هذه كانت حالة المشافي في المناطق المحاصرة».
وبحسب إحصاءات المكتب الطبي الموحد في الغوطة الشرقية، وهي جهة طبية مستقلة كانت تقوم على إحصاء الوفيات، وصل العدد إلى 30 ألفاً قتلوا بين عامي 2012 و2018، ويشير الدكتور حمزة إلى أن «عربين وحدها بلغ عدد ضحاياها 3 آلاف شخص، أستطيع القول إن 90 في المائة من هؤلاء حاولت إنقاذ حياتهم».

- معاناة المهجرين
وبعد سنوات من الحصار، وأسابيع متواصلة من القصف المتواصل، أجبر سكان الغوطة الشرقية على مغادرة مدنهم وبلداتهم؛ ما أسفر عن واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية طوال سنوات الحرب في سوريا.
وفي 24 مارس الماضي، خرجت أول دفعة من المدنيين والمقاتلين من مناطق سيطرة المعارضة جنوب الغوطة الشرقية، متجهة إلى إدلب شمال البلاد، كانت الدكتورة أماني بينها. تروي كيف ركبت الحافلة الخضراء التي أقلتها من نقطة لا تبعد سوى أمتار من المكان الذي ولدت فيه. تعبّر عن مشاعرها بعلامات الغضب والقهر على وجهها «سأتذكر هذا اليوم ما حييت. لم تكن لدي خيارات، إما القبول بحكم النظام والعيش تحت وطأة (البوط العسكري)، وإما الخروج للشمال السوري والعيش بكرامة».
إلى ذلك، خرج الدكتور حمزة في الدفعة الثانية، في 30 من الشهر نفسه. وصف تلك اللحظات «كانت لحظات مؤثرة للغاية، أن تترك مدينتك وبلدتك والناس الذين خدمتهم طوال السنوات الماضية».
لا يزال يتذكر صور الأهالي وهم يحبسون دموعهم عندما صعدوا إلى الحافلات التي شقت طريقها وسط شوارع امتلأت بالركام وعلى جانبيها أبنية مهدمة، وأخرى تصدّعت واجهاتها أو طبقاتها العلوية من جراء كثافة القصف. يضيف «الوجوه كانت تشبه بعضها بعضاً. حزينة وهزيلة وشاحبة. حمل أصحابها قصصاً لا تصدق عن الجوع والحرمان على مدار خمس سنوات من العيش تحت الحصار».
لا تعلم الدكتورة أماني متى ستعود إلى مسقط رأسها؛ لكنها تسعى إلى تحقيق حلم مؤجل بسبب عملها طبيبة ميدانية. واختتمت حديثها لتقول «وضعت هدفاً واحداً، وهو إكمال دراستي للتخصص في طب الأطفال، حلمي المؤجل بسبب الحرب». أما الطبيب حمزة فلديه ثقة كبيرة بالعودة إلى موطنه، وقال مبتسماً «لولا الأمل لبطل العمل».



الحوثيون يتبنّون هجمات بالمسيّرات ضد أهداف إسرائيلية

صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)
صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)
TT

الحوثيون يتبنّون هجمات بالمسيّرات ضد أهداف إسرائيلية

صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)
صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)

تبنت الجماعة الحوثية المدعومة من إيران هجمات جديدة بالطائرات المسيّرة ضد أهداف إسرائيلية، الجمعة، إلى جانب تبنّى هجمات بالاشتراك مع فصائل عراقية موالية لطهران، دون أن يعلق الجيش الإسرائيلي على الفور بخصوص آثار هذه العمليات.

وتشن الجماعة المدعومة من إيران منذ أكثر من عام هجمات ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، فضلاً عن إطلاق الصواريخ والمسيّرات باتجاه إسرائيل تحت مزاعم نصرة الفلسطينيين في غزة.

صاروخ أطلقه الحوثيون باتجاه إسرائيل من نوع «فلسطين 2» (إعلام حوثي)

وخلال حشد حوثي في ميدان السبعين بصنعاء، الجمعة، ادعى المتحدث العسكري باسم الجماعة يحيى سريع أن قوات جماعته نفذت عمليتين عسكريتين استهدفت الأولى هدفاً عسكرياً في عسقلان، فيما استهدفت الثانية هدفاً في تل أبيب.

وزعم المتحدث الحوثي أن العمليتين تم تنفيذهما بطائرتين مسيّرتين تمكنتا من تجاوز المنظومات الاعتراضية والوصول إلى هدفيهما.

إلى ذلك، قال سريع إن قوات جماعته نفذت بالاشتراك مع ما وصفها بـ«المقاومة الإسلامية في العراق» عمليةً عسكريةً ضد أهداف حيوية جنوب إسرائيل، وذلك بعدد من الطائرات المسيّرة، زاعماً أن العملية حققت أهدافها بنجاح.

وتوعد المتحدث الحوثي بالاستمرار في تنفيذ الهجمات ضد إسرائيل حتى توقف الحرب على غزة ورفع الحصار عنها.

19 صاروخاً ومسيّرة

في أحدث خطبة لزعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، الخميس، قال إن جماعته أطلقت باتجاه إسرائيل خلال أسبوع 19 صاروخاً باليستياً ومجنحاً وطائرة مسيّرة، زاعماً أنها استهدفت تل أبيب وأسدود وعسقلان.

كما ادعى الحوثي استهداف خمس سفن أميركية في خليج عدن، منها: بارجتان حربيتان، وهدد بالاستمرار في الهجمات، وقال إن جماعته نجحت في تدريب وتعبئة أكثر من 600 ألف شخص للقتال خلال أكثر من عام.

من آثار مسيّرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في جنوب تل أبيب الاثنين الماضي (أ.ف.ب)

وتبنّى الحوثيون على امتداد أكثر من عام إطلاق مئات الصواريخ والطائرات المسيّرة باتجاه إسرائيل، لكن لم يكن لها أي تأثير هجومي، باستثناء مسيّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.

واستدعت هذه الهجمات من إسرائيل الرد في 20 يوليو الماضي، مستهدفة مستودعات للوقود في ميناء الحديدة، وهو ما أدى إلى مقتل 6 أشخاص، وإصابة نحو 80 آخرين.

وتكرّرت الضربات الإسرائيلية في 29 سبتمبر (أيلول) الماضي، ضد مستودعات للوقود في كل من الحديدة ورأس عيسى. كما استهدفت محطتي توليد كهرباء في الحديدة، بالإضافة إلى مطار المدينة الخارج عن الخدمة منذ سنوات. وأسفرت هذه الغارات عن مقتل 4 أشخاص، وإصابة نحو 30 شخصاً، وفق ما أقر به الحوثيون.

أحدث الهجمات

أعلن الجيش الإسرائيلي، الاثنين الماضي، أن طائرة مسيّرة، يعتقد أنها انطلقت من اليمن، أصابت مبنى في جنوب تل أبيب، وفق ما نقلته وسائل إعلام غربية.

وقالت القناة «13» الإسرائيلية: «ضربت طائرة مسيّرة الطابق الـ15 من مبنى سكني في يفنه، ولحق دمار كبير بشقتين»، مشيرة إلى وصول قوات كبيرة إلى المكان.

وأفاد الجيش الإسرائيلي بورود «تقارير عن سقوط هدف جوي مشبوه في منطقة مدينة يفنه. ولم يتم تفعيل أي تحذير». وقالت نجمة داود الحمراء إنه لم تقع إصابات.

وأشارت قوات الإطفاء والإنقاذ، التي وصلت إلى مكان الحادث، إلى وقوع أضرار جسيمة في شقتين. كما نقل موقع «0404» الإسرائيلي اليوم عن متحدث باسم الجيش الإسرائيلي قوله: «يبدو أن الطائرة المسيّرة التي أصابت مبنى في يفنه قد انطلقت من اليمن»، مشيراً إلى أنه يجري التحقيق في الحادث.

مدمرة أميركية في البحر الأحمر تطلق صاروخاً ضد أهداف حوثية (رويترز)

وعلى صعيد الهجمات البحرية، كانت القيادة المركزية الأميركية أعلنت في بيان، الثلاثاء، الماضي، أنّ سفينتين عسكريّتين أميركيّتين صدّتا هجوماً شنّه الحوثيون بواسطة طائرات من دون طيّار وصاروخ كروز، وذلك في أثناء حراستهما ثلاث سفن تجارية في خليج عدن.

وقال البيان إن «المدمّرتين أحبطتا هجمات شُنّت بطائرات من دون طيار وبصاروخ كروز مضاد للسفن، لتضمنا بذلك سلامتهما وأفرادهما، وكذلك سلامة السفن المدنية وأطقمها».

وأوضح البيان أنّ «المدمرتين كانتا ترافقان ثلاث سفن تجارية تابعة للولايات المتحدة»، مشيراً إلى عدم وقوع إصابات أو إلحاق أضرار بأيّ سفن.

يشار إلى أن الهجمات الحوثية في البحر الأحمر أدت منذ 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 إلى غرق سفينتين وقرصنة ثالثة، كما أدت إلى مقتل 3 بحارة وإصابة آخرين في هجوم ضد سفينة ليبيرية.

وفي حين تبنى زعيم الحوثيين مهاجمة أكثر من 211 سفينة منذ بدء التصعيد، كانت الولايات المتحدة ومعها بريطانيا في أربع مرات على الأقل، نفذت منذ 12 يناير (كانون الثاني) الماضي أكثر من 800 غارة على أهداف للجماعة أملاً في الحد من قدرتها على تنفيذ الهجمات البحرية.