معارك معقدة تنتظر النظام بعد درعا

TT

معارك معقدة تنتظر النظام بعد درعا

في محافظة درعا في جنوب سوريا، مهد الاحتجاجات ضد النظام في 2011. حققت دمشق انتصاراً سهلاً وسريعاً على حساب فصائل معارضة سيطرت على المنطقة لسنوات. لكن معركتها المقبلة تبدو أصعب، وفق محللين، في محافظة القنيطرة المجاورة لقربها من إسرائيل، ذلك بحسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية من بيروت.
وبات وجود الفصائل المعارضة والإسلامية في سوريا ينحصر تقريبا في أجزاء من منطقتين أساسيتين: محافظة القنيطرة، ومحافظة إدلب في شمال غربي البلاد وصولاً إلى جرابلس في ريف حلب الشمالي حيث يطغى النفوذ التركي.
ورفعت قوات النظام العلم الرسمي الخميس فوق أحياء سيطرت عليها الفصائل المعارضة لسنوات في مدينة درعا، مركز المحافظة.
ويقول الباحث في المعهد الأميركي للأمن نيك هاريس: «بسقوط مدينة درعا، يبعث (الرئيس السوري) بشار الأسد برسالة مفادها أن أي منطقة انتفضت ضده لن تبقى خارج متناوله».
ومع رفع العلم، يرى هاريس أن «الأسد قرر أن درعا ستتحول من رمز قوي لمقاومة حكمه إلى نصب تذكاري للاستسلام وحقيقة أن النظام باق لفترة طويلة بعد الثورة».
في العام 2011، شهدت مدينة درعا أول الاحتجاجات ضد النظام بعدما كتب أطفال على جدرانها عبارات مناهضة للأسد ومطالبة بإسقاط النظام. وسرعان ما تحولت الاحتجاجات السلمية إلى نزاع مسلح، وبدأت الفصائل المعارضة بالسيطرة تدريجياً على أحياء من مدينة درعا ثم أجزاء واسعة من المحافظة.
وكانت قوات النظام بدأت في 19 يونيو (حزيران) بدعم روسي عملية عسكرية في محافظة درعا، وحققت تقدماً سريعاً على الأرض في مواجهة فصائل معارضة يعمل معظمها تحت مظلة النفوذ الأردني الأميركي.
وعلى وقع الضغط العسكري، أبرمت روسيا وفصائل معارضة في المحافظة في السادس من يوليو (تموز) اتفاقاً لوقف إطلاق النار ينص على إجلاء المقاتلين الرافضين للتسوية إلى الشمال السوري، على أن تدخل مؤسسات الدولة إلى مناطق سيطرة الفصائل تدريجياً. ولا تزال بعض الفصائل تتواجد بشكل أساسي في الريف الغربي للمحافظة.
ويقول الباحث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية كريم بيطار: «لم تكن معركة درعا الأصعب في النزاع السوري، لكنها كانت إحدى أهم المعارك رمزياً».
ويبقى أمام قوات النظام في جنوب غربي درعا جيب صغير يسيطر عليه فصيل مبايع لتنظيم داعش، وقد بدأت الطائرات الحربية السورية والروسية استهدافه منذ يوم الأربعاء.
ويرجح محللون أن تكون محافظة القنيطرة المجاورة حيث تقع هضبة الجولان المحتلة، الوجهة المقبلة لقوات النظام.
وتعمل في محافظة القنيطرة الصغيرة، وفق تقرير لمجموعة الأزمات الدولية، فصائل معارضة قدمت لها «إسرائيل دعماً (...) فيما بدا محاولة لتكريس شركاء محليين وضمان أمن منطقة عازلة على حدودها». وخلال السنوات الماضية، تلقى المئات من جرحى الفصائل العلاج في مستشفيات في إسرائيل.
ويقول الباحث في مجموعة الأزمات الدولية سام هيلر إن القنيطرة «منطقة حساسة بشكل خاص وستشكل تحدياً عسكرياً وسياسيا خاصاً». ويوضح «أنه أمر معقد إذ على الحكومة السورية أن تجد طريقة للتقدم من دون إثارة الإسرائيليين والتسبب بتحرك إسرائيلي عسكري مدمر».
واندلعت اشتباكات قبل يومين بين قوات النظام وفصائل معارضة في محافظة القنيطرة التي يتقاسم الطرفان السيطرة عليها، سرعان ما توقفت بعد ضربات صاروخية إسرائيلية استهدفت مواقع للجيش السوري، وفق ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان.
ومنذ بدء النزاع في سوريا عام 2011، قصفت إسرائيل مراراً أهدافاً عسكرية للجيش السوري أو أخرى لحزب الله في سوريا. واستهدف القصف الإسرائيلي مؤخراً أهدفاً إيرانية.
وحذر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الشهر الماضي دمشق، قائلاً «على سوريا أن تفهم أن إسرائيل لن تسمح بتمركز عسكري إيراني في سوريا ضد إسرائيل. ولن تقتصر تبعات ذلك على القوات الإيرانية بل على نظام الأسد أيضا».
ويقول الخبير في الشؤون السورية فابريس بالانش: «سيكون من الصعب التعامل مع محافظة القنيطرة وخصوصاً المنطقة العازلة في الجولان، لأن الأمر بحاجة إلى اتفاق مع الإسرائيليين». ويضيف «سيكون على (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين ونتنياهو التوصل إلى اتفاق يقوم إما على انتشار قوات روسية أو إجلاء المقاتلين إلى إدلب. إنها قضية معقدة قد تحتاج بعض الوقت».
ومنذ اندلاع النزاع في العام 2011، ازداد المشهد السوري تعقيداً يوماً بعد يوم، وتعددت أطرافه مع تورط مجموعات مسلحة غير سورية وتنظيمات جهادية وقوى إقليمية ودولية.
ويقول بيطار: «تتضمن الحرب في سوريا عدداً كبيراً من اللاعبين الدوليين الذين يعتبرون أنهم لم يقولوا حتى الآن كلمتهم الأخيرة، وبالتالي قد نشهد خلال الأشهر المقبلة على موجات جديدة من العنف».
ويرى بعض المحللين أن الوجهة المقبلة لدمشق قد تكون إدلب المحاذية لتركيا، والتي تسيطر على الجزء الأكبر منها هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً).
ويقول هيلر: «بعد الانتهاء من جنوب غربي سوريا، ستبغي الحكومة السورية التوجه إلى إدلب (...) لكن أكثر من كونها تشكل تحدياً عسكرياً، تتشابك في محافظة إدلب عمليات سياسية عدة»، مشيرا إلى أن «تركيا تعتبر إدلب خطا أحمر».
وتخشى تركيا عملية عسكرية في إدلب تفتح مجدداً أبواب اللجوء إليها، وهي التي تستضيف اليوم نحو ثلاثة ملايين لاجئ.
ويرى بالانش أنه «يجب التوصل إلى اتفاق مع تركيا»، مضيفاً أن النظام يسعى للسيطرة على جزء صغير من إدلب وصولا إلى جسر الشغور، وهو جزء محاذ للطريق السريع من حلب وصولا إلى دمشق، لكن «أعتقد أن الأتراك سينشئون محمية في الجزء الأكبر منها».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».