لبنانيون قريبون من دمشق يسهّلون عودة سوريين

ضمانات بعدم اعتقال المعارضين أو توقيفهم لا تشمل الإعفاء من الخدمة العسكرية

TT

لبنانيون قريبون من دمشق يسهّلون عودة سوريين

كشفت الاستعدادات التي تجري لإعادة 450 نازحاً سورياً إلى بلداتهم في ريف دمشق الغربي، الأسبوع المقبل، عن جهود يبذلها مقربون من النظام السوري في لبنان لإيجاد تسويات للمطلوبين والمعارضين السوريين مع النظام، تشمل عودة هؤلاء إلى بلادهم بضمانات سورية وروسية لعدم اعتقالهم أو توقيفهم، لكنها لا تشمل الإعفاءات من الخدمة العسكرية.
وتسلك جهود إعادة النازحين السوريين في لبنان إلى سوريا ثلاثة محاور منفصلة، الأول يتولاه سوريون على علاقة باللاجئين الموجودين في المخيمات، ويشجعون اللاجئين على العودة، ونجحوا بتنظيم ثلاث قوافل انطلقت بدءاً من يونيو (حزيران) 2017 باتجاه قرى القلمون الغربي. أما المحور الثاني فيتولاه «حزب الله» اللبناني الذي أعلن عن خطة لتسهيل عودة النازحين، عبر التواصل مع النظام السوري، والثالث يتولاه لبنانيون وتستهدف تسهيل إعادة المعارضين للنظام السوري والمنشقين عن قواته العسكرية منذ بداية الأزمة، ودخلوا إلى لبنان عبر مسالك تهريب بين 2011 و2013.
وأظهرت جهود إعادة الفئة الأخيرة أن النظام السوري وسّع جهود «المصالحة» لتشمل المعارضين الموجودين في لبنان، ويقدر عددهم بالمئات، ويقطن هؤلاء في مناطق البقاع الأوسط والغربي في شرق لبنان. ويتولى اللبناني ظافر النخلاوي، ولبنانيون آخرون مقربون من النظام السوري، مهام تسوية أوضاع هؤلاء بالتنسيق مع مكتب اللواء ماهر الأسد، شقيق الرئيس السوري بشار الأسد، ويحصل العائدون على ضمانات من دمشق وأخرى روسية عبر شخصية تتولى مهام لجنة المصالحة في مكتب ماهر الأسد.
وقال النخلاوي لـ«الشرق الأوسط» إن تسوية أوضاع المعارضين المطلوبين للنظام «سيشجع الآخرين ممن لا ملفات أمنية تحول دون عودتهم، على العودة إلى بلادهم»، مشيراً إلى أنه قدم قوائم بأسماء المئات المتحدرين من معضمية الشام والزبداني وبلودان وغيرها من بلدات ريف دمشق المعارضين للنظام والمقيمين في لبنان، وبدأت تصل الموافقات على الأسماء على دفعات.
ويعود هؤلاء بعد الحصول على أوراق رسمية من الفرقة الرابعة التي يتولى ماهر الأسد قيادتها، وتتسلم مهام الأمن في ريف دمشق في هذا الوقت. ويشير النخلاوي إلى أن الموافقين على العودة «يحصلون على إعفاءات من مكتب اللواء الأسد» الذي عيّن ضابطاً برتبة لواء أيضاً في مكتبه رئيساً للجنة المصالحة.
والنخلاوي لبناني يتحدر من منطقة البقاع، ويقول إنه لا ينتمي سياسياً لأية جهة، لكنه «يملك علاقات» مع شخصيات سورية أهَّلته لتولي هذه المهمة التي يصفها بأنها تهدف إلى «مساعدة الدولتين اللبنانية والسورية لتنسيق إعادة النازحين». ويقول: «إنها مبادرة فردية، تحظى برضا الدولتين اللبنانية والسورية». وإذ يؤكد أن هناك «ضمانات روسية لإعادة النازحين تضمن عدم اعتقالهم»، يشير إلى أن مبادرته التي نجحت بإعادة الدفعة الأولى من المطلوبين المعارضين في الأسبوع الماضي «دفعت شخصيات سورية تتحدر من معضمية الشام وتقيم في ألمانيا ومصر للاتصال بي لتسوية أوضاعهم وعودتهم مرة أخرى إلى مدينتهم».
وتشمل قائمة المطلوبين النازحين إلى لبنان، منشقين عن الجيش، ومنتمين لـ«الجيش السوري الحر»، وداعمين للمعارضة. وعادت الدفعة الأولى من هؤلاء في الأسبوع الماضي، حيث شملت رجال أعمال سوريين يتحدرون من معضمية الشام، ولم يبادر هؤلاء، إثر نزوحهم إلى لبنان، لتسجيل أسمائهم في قوائم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
ويقول النخلاوي إن الموافقات تتضمن ضمانات «تشمل كل شيء، باستثناء الفارين من الجيش الذين تلزمهم التسوية بالعودة إلى الخدمة العسكرية، كما لا تشمل المطلوبين للخدمة الإلزامية»، مشيراً إلى أن «المطلوبين للاحتياط لا يلتحقون بالخدمة الآن طالما أنه لا حاجة لهم، لكنهم يبقون على جهوزية دائمة للالتحاق في حال طلبوا للخدمة مجدداً». ويضيف: «عدا ذلك، ينظف سجل العائدين تماماً، ويحصلون على مساعدات لترميم منازلهم من هيئة الإنشاءات العسكرية السورية، وتؤمن الحكومة السورية تسهيلات لإقامة من لا يمتلكون بيوتاً».
ومعضمية الشام تعد من أولى البلدات في ريف دمشق التي أشهرت معارضتها للنظام السوري في بدايات الأزمة، وتبعد 7 كيلومترات عن العاصمة السورية، وكان يقطنها نحو 350 ألف نسمة، فيما يقطنها الآن نحو 70 ألف نسمة، بعد استعادة النظام السوري السيطرة عليها قبل أشهر.
ويشير النخلاوي إلى أن دفعة جديدة من السوريين المعارضين تسعى للعودة في الأسبوع المقبل، تضم 450 شخصاً سيعودون إلى بلدتي الزبداني وبلودان في ريف دمشق الغربي، لافتاً إلى أن معظم هؤلاء «يعودون بسياراتهم» إلى بلداتهم.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.