بعد أن عاش المنتخب الإنجليزي لحظات قاسية واجه فيها شبح الخروج من دور الستة عشر ببطولة كأس العالم 2018 لكرة القدم المقامة حالياً بروسيا، تحول الوضع بشكل هائل بعدها بقليل، حيث عاش الفريق فرحة عارمة بعد أن حقق أول انتصار له بضربات الجزاء الترجيحية في سجل مشاركاته بالمونديال.
وكادت مباراة المنتخبين الإنجليزي والكولومبي مساء أول من أمس على ملعب «أتكريت أرينا» بالعاصمة موسكو أن تنتهي بفوز الأول 1 – صفر، لكن المنتخب الكولومبي خطف هدف التعادل 1 - 1 في اللحظات الأخيرة لتستمر المواجهة لوقت إضافي لم يشهد أي أهداف ثم تحسم المواجهة بفوز إنجلترا 4 - 3 بضربات الجزاء الترجيحية ليتأهل إلى دور الثمانية.
وأكد غاريث ساوثغيت، المدير الفني للمنتخب الإنجليزي، أن فوز بلاده بركلات الترجيح هو بمثابة «إطلاق سراح» للكرة الإنجليزية، بعد سنوات من العناد والخروج من البطولات بسببها.
وبينما ابتعد القائد هاري كين عن احتفال مشجعي إنجلترا بعد فوز فريقه على كولومبيا، إلا أنه بدا مرتاحاً جداً لدرجة أنه كان بإمكانه التجول في متجر بحثاً عن زجاجة من الحليب.
لقد أغلق كين عينيه في ارتياح تام ونظر إلى السماء شاكراً انتهاء مسيرة فريقه البائسة من الهزائم في ركلات الترجيح بالبطولات الكبرى.
وحافظ القائد وزملاؤه على تماسكهم عندما تطلب الأمر لمدة 120 دقيقة في مباراة متوترة أقيمت في استاد سبارتاك، وكأنه كان في العاصمة الكولومبية بوجوتا، مانحاً السيطرة للجماهير المتحمسة من الدولة الواقعة في أميركا الجنوبية.
وحافظ المنتخب الإنجليزي، وبالأخص كين الذي وضعه في المقدمة من نقطة الجزاء في الدقيقة الـ57، على أعصابه في نقاط التحول الحاسمة في المباراة، وأظهر نضجاً غير متوقع من أصغر فريق متبقي في البطولة.
وتجنب لاعبو إنجلترا فقدان هدوئهم خلال لحظات من الاستفزاز من جانب لاعبي كولومبيا وأثناء فترات فقد فيها الحكم الأميركي سيطرته على المباراة. والأهم أنه نجح في الصمود والقتال عندما تلقى لطمة قوية بهدف التعادل الذي سجله ييري مينا في الوقت المحتسب بدل الضائع.
وبعد ذلك في مواجهة اختبار ركلات الترجيح، الذي فشلت فيه المنتخبات الإنجليزية لمدة طويلة جداً، حافظ الفريق على تماسكه وأزال التاريخ من ذهنه وركز على المهمة التي تنتظره. وكان عبء التاريخ ثقيلاً جداً، فالمنتخب الإنجليزي يملك أسوأ سجل في ركلات الترجيح في عالم كرة القدم؛ إذ خسر بركلات الترجيح في كأس العالم 1990 و1998 و2006، وفي بطولة أوروبا 1996 و2004 و2012، وكان ينبغي محو كل ذلك من أذهان اللاعبين.
وكُلف كين بمهمة تنفيذ الركلة الأولى ونجح في الاختبار بكل هدوء.
كما نفذ ماركوس راشفورد بنجاح محاولته وبعد إنقاذ تسديدة جوردان هندرسون، تقدم ثنائي توتنهام، كيران تريبيير وإيريك داير ليهزا شباك الحارس ديفيد أوسبينا، بينما أخفقت كولومبيا في آخر محاولتين. وبعد تحقيق الفوز، اختفى الهدوء على الفور.
وكاد ساوثغيت، الذي ترك هدوؤه الواثق وسكونه أثرهما على فريقه، أن ينهار وانثنت ركبتاه في اللحظة التي سدد فيها داير الكرة لتمر من فوق أوسبينا إلى الشباك. ونجح مساعدو ساوثغيت في الإمساك به قبل السقوط وكان يمكن رؤية كل شيء على وجهه.
ويستحق ساوثغيت (47 عاماً)، قدراً كبيراً من الإشادة على كسر هذا النحس، حيث أعد فريقه جيداً لهذه اللحظة.
وكان ساوثغيت ذكياً بما يكفي لإدراك أن في الوقت الذي ربما يعتبر فيه النقاد ركلات الترجيح مقامرة، فإنها في الحقيقة الاختبار الأصعب للأعصاب والمهارة.
وأدرك مدرب إنجلترا أن المران وحده سيساعد في ذلك، وأن إعداد لاعبيه فنياً ونفسياً لهذه اللحظة هو استثمار للوقت والموارد قد يجني ثماره. وكان الأمر كذلك بالفعل.
واعترف ساوثغيت بأنه شعر بصدمة هائلة إثر تعادل كولومبيا في الوقت القاتل، لكن الحال اختلف مع تحقيق فريقه أول انتصار في تاريخ إنجلترا بضربات الجزاء الترجيحية في المونديال. وقال ساوثغيت: «في الحياة، لا تحصل دائماً على ما تستحقه، لكننا فعلنا ذلك في هذه المباراة».
وكانت العارضة قد أنابت عن حارس المرمى الإنجليزي جوردان بيكفورد في التصدي لركلة الترجيح التي سددها ماتيوس أوريبي ثم نجح الحارس في التصدي لضربة كارلوس باكا قبل أن ينجح إريك داير في تنفيذ ضربة الجزاء التي حسمت فوز المنتخب الإنجليزي.
وعقب المباراة، ظل المشجعون الإنجليزي الحاضرين للمباراة، في الاستاد إلى ما بعد منتصف الليل احتفالاً بالفوز الذي حققه الفريق الذي يضم الكثير من العناصر الشابة والذي تفوق على ما حققته أجيال سابقة عدة.
وكان المنتخب الإنجليزي قد خاض ضربات الجزاء الترجيحية ثلاث مرات سابقة في سجل مشاركاته بالمونديال، وخسر في المرات الثلاث أمام ألمانيا والأرجنتين والبرتغال، لكنه نجح في فك العقدة على حساب كولومبيا.
وكان ساوثغيت قد عاش لحظات عصيبة في ظروف مشابهة خلال مسيرته لاعباً، حيث تلقى صدمة هائلة عندما أهدر ضربة الجزاء الترجيحية التي تسببت في هزيمة المنتخب الإنجليزي أمام نظيره الألماني في الدور قبل النهائي بكأس الأمم الأوروبية عام 1996 على ملعب ويمبلي. وكانت تلك الضربة قد أضاعت على المنتخب الإنجليزي أفضل فرصة أتيحت أمامه حتى الآن للفوز بلقب بطولة كبيرة للمرة الثانية، بعد مونديال 1966.
وعلى رغم تأكيد ساوثغيت، أنه لم يتخلص أبداً من تلك الذكرى السيئة، فإنه يرى الفوز بركلات الترجيح على كولومبيا لحظة هائلة لهذا الفريق الذي سيمنح أجيالاً عدة، الثقة فيما يمكن تحقيقه».
وأضاف المدرب الإنجليزي: «هذا شيء سيظل معي دائماً ولن يفارقني أبداً، لكن الآن نعيش لحظة مهمة للغاية بالنسبة لنا، الناس رأت أنه بالإمكان فعل شيء».
وتابع: «ليس فقط فيما يخص ركلات الترجيح، لكن أيضاً فيما يخص معاناتنا في المباراة وتأخرنا في النتيجة خلال ركلات الترجيح في ظل وجود حشد جماهيري كبير لكولومبيا في الملعب بواقع خمسة مشجعين كولومبيين مقابل كل مشجع إنجليزي». وواصل: «لدينا جماهير مدهشة، دعمت المنتخب لعشرات الأعوام رغم خيبات الأمل. إنه شيء من نوع خاص تتمتع به بلادنا». وقال نجم الكرة الإنجليزية السابق جاري لينيكر في وصف شعوره بالسعادة: «إنني أبكي. نعم، نعم، نعم».
وكان المنتخب الإنجليزي قد أظهر تماسكاً كبيراً عندما سجل ياري مينا هدف التعادل لكولومبيا في الثواني الأخيرة من الوقت المحتسب بدل الضائع للمباراة، بعد أن كانت إنجلترا متقدمة بهدف سجله هاري كين في الدقيقة الـ57 من ركلة جزاء. وحافظ الفريق الإنجليزي على تركيزه وهدوئه في الوقت الإضافي أمام المنتخب الكولومبي، الذي حصد ستة من لاعبيه بطاقات صفراء خلال المباراة وتكرر اعتراضاته على قرارات الحكم الأميركي مارك غيغز.
وقال ساوثغيت: «فخور للغاية بالطريقة التي لعب بها فريقي، أعتقد أننا تحكمنا في اللقاء طوال 90 دقيقة، تحلينا بالانضباط، وكنا أذكياء في الاستحواذ على الكرة، ما قامت به هذه المجموعة من اللاعبين اليافعين أمر رائع حقاً».
كذلك، أبدى هاري كين مهاجم توتنهام، سعادة هائلة، بعد أن عادل الرقم المسجل باسم لينيكر في مونديال 1986 بتسجيل ستة أهداف خلال نسخة واحدة من البطولة، كما بات هاري كين أول لاعب إنجليزي منذ عام 1939 يسجل في ست مباريات متتالية للمنتخب، وقال: «إنني فخور للغاية، الكثير من العواطف بداخلي. لقد أظهرت المباراة شخصيتنا. هي ليلة رائعة لإنجلترا».
وأشار كين أيضاً إلى أن الانتصار، وهو الأول لإنجلترا في أدوار خروج المهزوم منذ عام 2006، سيعزز ثقة الفريق بشكل كبير عندما يواجه نظيره السويدي يوم السبت المقبل في دور الثمانية. وأضاف: «هذا يمنحنا ثقة هائلة، الفوز في دور حاسم وتحقيق لانتصار الأول بضربات الجزاء الترجيحية، يمنحانا ثقة غير مسبوقة».
وأكد كين، أن «منتخب إنجلترا الشاب أزال عبء التاريخ بإنهاء عقدة البلاد مع ركلات الترجيح».
أحزان كولومبية
على الجانب الآخر عاشت كولومبيا، لاعبين وجماهير، ليلة حزينة جراء الخروج من المونديال، وكانت هناك ردود أفعال غاضبة من حكم اللقاء واتهامه بالانحياز للإنجليز.
وشكك قائد منتخب كولومبيا راداميل فالكاو في «حيادية» الحكم مارك غيغر وقال «إن يعينوا حكماً أميركياً، فهذا يبدو لي أمراً خاصاً. فما بالك إذا كان موقوفاً؟!».
وتابع: «هذا يترك لدي الكثير من الشكوك؛ لأنه لا يتكلم إلا الإنجليزية. لا أعرف... ما إذا كان انحيازه أكيداً». وأوقف مارك غيغر ستة أشهر من قبل اتحاد الكونكاكاف (أميركا الشمالية والوسطى والكاريبي) في 2015 بسبب قرارات مثيرة للجدل في نصف نهائي مسابقة الكأس الذهبية بين بنما والمكسيك.
وفي المباراة التي فازت فيها البرتغال على المغرب 1 - صفر في الدور الأول، اتهم لاعب مغربي الحكم الأميركي بأنه طلب قميص النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو بين الشوطين، لكن الاتحاد الدولي (فيفا) نفى على الفور هذه الاتهامات.
وأضاف فالكاو: «من الواضح أنه عندما كان يوجد أي شك، يحسم الأمر لصالح إنجلترا (في إشارة إلى ركلة الجزاء). هذا عار أن يكون قد وصل غيغر إلى ثمن النهائي». وختم فالكاو نجم موناكو الفرنسي والحزين مثل كل اللاعبين: «نخرج مرفوعي الرأس. قاتلنا طوال المباراة، وعادلنا في اللحظات الأخيرة. في بعض الأوقات، كنا أفضل من إنجلترا، وفي ركلات الترجيح قد يكون الفوز لنا أو لهم. لم يحالفنا الحظ، وهذا جزء من كرة القدم».
وانضم نجم الكرة الأرجنتينية السابق دييغو مإرادونا، لفالكاو، وأشار إلى أن كولومبيا سقطت ضحية لما أسماه «سرقة ضخمة» ومتهماً الحكم الأميركي بالانحياز للفريق الإنجليزي عندما احتسب له ركلة الجزاء التي جاء منها الهدف الأول.
لكن رغم أن الخروج جاء بركلات الترجيح، فإن الواقع يقول إن كولومبيا التي في مونديال 2018 ليست هي التي كانت في نسخة 2014.
ومنذ أربع سنوات في البرازيل وصلت كولومبيا إلى دور الثمانية لأول مرة بعد أربعة انتصارات متتالية، وقدمت أداءً هجومياً ممتعاً، وأظهرت للعالم الموهوب خاميس رودريغيز.
لكن التباين كان سيد الموقف في 2018، وتضررت كولومبيا من بطاقة حمراء مبكرة في الجولة الافتتاحية لتخسر أمام اليابان، لكنها لعبت بأداء سريع وطموح ومبدع في الجولة الثانية لتتفوق على بولندا. وفازت بصعوبة على السنغال وتصدرت مجموعتها. وبعد ذلك كافحت كثيرا لتخرج بالتعادل 1 - 1 مع إنجلترا في موسكو قبل أن يفشل ماتيوس أوريبي وكارلوس باكا في ركلتي ترجيح.
ومع غياب صانع اللعب الماهر رودريغيز، هداف نسخة 2014، بسبب الإصابة عانت كولومبيا لصناعة الفرص أمام إنجلترا وارتكبت الكثير من الأخطاء واعترضت على قرارات الحكم وافتقرت للدقة في أغلب الأحيان.