العلاج بالصدمات سلاح ترمب المفضل

نايومي كلاين قضت عقدين تدرس تأثيره المدمر على المجتمعات

الرفض ليس كافياً المؤلف: نايومي كلاين. ترجمة: رامي طوقان الناشر: الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت تاريخ النشر: الطبعة العربية الأولى / فبراير 2018.
الرفض ليس كافياً المؤلف: نايومي كلاين. ترجمة: رامي طوقان الناشر: الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت تاريخ النشر: الطبعة العربية الأولى / فبراير 2018.
TT

العلاج بالصدمات سلاح ترمب المفضل

الرفض ليس كافياً المؤلف: نايومي كلاين. ترجمة: رامي طوقان الناشر: الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت تاريخ النشر: الطبعة العربية الأولى / فبراير 2018.
الرفض ليس كافياً المؤلف: نايومي كلاين. ترجمة: رامي طوقان الناشر: الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت تاريخ النشر: الطبعة العربية الأولى / فبراير 2018.

«الرفض ليس كافياً» وبعنوان فرعي آخر «سياسة الصدمة التي يتبعها ترمب والظفر بالعالم الذي نريد»، هو عنوان كتاب لنايومي كلاين، (بيروت: الدار العربية للعلوم ناشرون، فبراير (شباط)، 2018، 283 صفحة، ترجمة رامي طوقان)، والكاتبة ناعومي كلاين هي صحافية سياسية تتميز بكتابتها المناهضة للسياسات النيوليبرالية، والتحليلية لسياسات الشركات متعددة الجنسيات والعولمة الاقتصادية، وتكتب عمودا بصورة غير منتظمة بجريدة الغارديان، ومطبوعات أخرى.
الصَدمة
تبدأ الكاتبة الصحافية كلاين بالاستشهاد بقول لجون تراديل الناشط من شعب السانتي داكوتا، والفنان والشاعر: «لستُ أسعى إلى الإطاحة بالحكومة الأميركية، فدولة الشركات التجارية قد فعلت ذلك». وقد برزت هذه الكلمة «الصدمة» مرة تلو أخرى منذ أن انتخب دونالد ترمب في نوفمبر (تشرين الثاني) 2016، واستخدمت كثيراً في وصف نتائج الانتخابات التي اعتبر الكثيرون أنها تتنافى مع أي منطق سياسي أو انتخابي، وقد كانت بنتائجها غير المتوقعة بمثابة صدمة للنظام الأميركي برمته.
لقد أمضت نايومي كلاين ما يقارب العقدين من الزمن وهي تدرس الصدمات الكبيرة النطاق على المجتمعات. تقول: «أثناء مشاهدتي لصعود نجم ترمب، انتابني شعور غريب لا ينبع من مجرد تطبيقه لسياسة الصدمة على أقوى دول العالم وأكثرها تسلحاً، بل تجاوز ذلك. ووثقت المؤلفة لعدد كبير من الاتجاهات: نشأة العلاقات التجارية العظمى، وتوسع الثروة الخاصة على النظام السياسي، وفرض النيولبرالية عالمياً والذي غالباً ما تمّ باستخدام العنصرية والخوف من «الآخر» كأداة ناجعة في هذا المجال. ولم يكتف ترمب بممارسة «الصَدمة» ضمن نطاق العلاقات الدولية إنما يطبقها اليوم على الصعيد الإنساني، حيث أظهرت شرائط الفيديو والصور المؤثّرة لأطفال المهاجرين إلى أميركا الذين فصلوا عن عائلاتهم ووضعوا في معتقلات على شكل أقفاص حديدية كبيرة مثل الحيوانات، نتيجة قرار إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب المثير للجدل والذي تلخّصه تغريداته المحقّرة للمهاجرين، رغم أنه هو نفسه حفيد مهاجر من ألمانيا.
سنوات الكلاب
يُذكر أن مصلح «الصدمة الاقتصادية» كان أول من ابتكره ميلتون فريدمان في الخمسينات، فبدأ تطبيق برامجه من خلال خلق أسواق حرة خالية من القيود، وبعد ذلك تحولت الصين إلى اقتصاد السوق وانهار الاتحاد السوفياتي فلم يعد يقف شيء في وجه العقيدة الفريدمانية. حيث طبقت الولايات الأميركية (عقيدة الصدمة) لأربعة عقود بدءاً كما توضح الكاتبة من تشيلي عقب انقلاب الجنرال أوغستو بينوشيه الذي كان عرّابه وزير الخارجية الأميركية الأسبق هنري كيسنجر في إدارة ريتشارد نيكسون، مروراً بتفكيك الاتحاد السوفياتي على يد الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان، وقد وصفت هالينا بورتنوسكا داعية حقوق الإنسان البولندية تحرر بلادها من نير الشيوعية «بالانتقال من سنوات الكلاب إلى سنوات البشر»، وصولاً إلى هجوم «الصدمة والرعب» على بغداد 2003، حيث أضاف الجمهوري (جورج بوش الابن) كلمة «الترويع»، وصولاً إلى نيوأورليانز بعد إعصار كاترينا. وتصف الكاتبة «عقيدة الصدمة» بأنها تكتيك قاس يقوم على الاستخدام المبطن لتشويش عامة الناس بعد صدمة جماعية، قد تتخذ شكل حرب، انقلاب، انهيار سوق، كوارث، وهنا يبدأ «العلاج بالصدمات». ومع أن ترمب لا يتبع نمط «العلاج بالصدمات» هذا بحذافيره، إلا أن تكتيكات الصدمة التي يستخدمها تتبع سيناريو محدد أَلفِناه من خلال مجريات الأحداث في بلدان أخرى فرضت عليها تغيرات سريعة تحت غطاء الأزمات (ص 11).
العلامة التجارية العليا
وبغض النظر هل فاز ترمب أم كان هناك تزوير حسب تصورات فريق هيلاري كلينتون حيث أكدوا بِأَنَّ هيلاري تفوقت على ترمب ب (2.5) مليون صوت، وهو واقع لا يزال يعذب الرئيس الحالي (ص 24)، فقد اختار ترمب لمجلس وزرائه رجالاً يساوي مجموع ثرواتهم 14.5 مليار دولار، وهذا لا يشمل (مستشاره الخاص) كارل آيكان الذي تساوي ثروتهُ وحدهُ أكثر من 15 مليار دولار (ص 27)، إضافة إلى افتقاد ترمب الكامل للخبرة في الحكم، حيث قدم نفسه للناخبين على أساس جديد ذي شعبتين: الأول: أنا غني لدرجة أنه لا يمكن شرائي، والثاني: يمكنكم أن تولوني الثقة بأني سأصلح النظام الفاسد لأني أعرفه من الداخل (ص 29). ولكن ليس من المفاجئ أنّ شيئاً آخر حدث، وهو أنّ ترمب ومجلس وزرائه المؤلف من مدراء تنفيذيين سابقين يعيدون رسم ملامح الحكومة، وبوتيرة محيّرة، لتخدم أعمالهم التجارية (الحالية والسابقة) ومصالحهم الضريبية. فخلال ساعات من تولي ترمب منصبه، دعا إلى خفض كبير للضرائب، حيث تدفع الشركات 15 في المائة فقط (بدلاً من 35 في المائة كما كانت تفعل). إذن ترمب رجل اندمج بالكلية مع علامته التجارية، بحيث أصبح من الواضح أنه هو نفسه لا يعي أي فرق بينه وبينها (ص 30).
ومن منظورها المميز، ترى نايومي كلاين أن ترمب ليس مجرد حالة شاذة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية الغربية، إنما هو امتداد منطقي لأسوأ وأخطر توجهات تلك الحياة خلال نصف القرن الأخير، ونتاج الظروف نفسها التي أطلقت موجة عالمية لا تفتأ عن التنامي من النزعة القومية البيضاء. فكلمة (الرفض) على عنوان الكتاب هي رفض لمنظومة بأكملها ارتقت بهم إلى هذه الرؤى (ص 20).

* كاتب سوري


مقالات ذات صلة

انطلاق «معرض جدة للكتاب» بمشاركة 1000 دار نشر

يوميات الشرق «معرض جدة للكتاب 2024» يستقبل زواره حتى 21 ديسمبر الجاري (هيئة الأدب)

انطلاق «معرض جدة للكتاب» بمشاركة 1000 دار نشر

انطلقت، الخميس، فعاليات «معرض جدة للكتاب 2024»، الذي يستمر حتى 21 ديسمبر الجاري في مركز «سوبر دوم» بمشاركة نحو 1000 دار نشر ووكالة محلية وعالمية من 22 دولة.

«الشرق الأوسط» (جدة)
كتب الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب «عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

«الشرق الأوسط» (الدمام)
كتب «البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة

محمد خضير سلطان
خاص الكاتب الغزي محمود عساف الذي اضطر إلى بيع مكتبته لأحد الأفران (حسابه على «فيسبوك»)

خاص غزة تحرق الكتب للخبز والدفء

يعاني سكان قطاع غزة، خصوصاً في شماله، من انعدام تام لغاز الطهي، الذي يُسمح لكميات محدودة منه فقط بدخول مناطق جنوب القطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
TT

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة من خلال حديث مطول أدلى به لمحرر المذكرات ومؤلف الكتاب الصحافي سيد محمود سلام. ورغم أن حديث الذكريات هنا يشمل محطات مختلفة، فإن الكتاب يركز بشكل خاص على مرحلة النشأة والطفولة وما اكتنفها من اكتشاف الفنان في سنوات التكوين الأولى لعالم الأدب وخصوصية مدينته بورسعيد، مسقط رأسه.

ويشير محمود ياسين إلى أن الطفولة مفتاح كل بوابات العمر، وقد عاش طفولته في أسرة محافظة مثقفة محبة للفن ولتراب الوطن حيث أثرت كثرة الحروب التي خاضتها المدينة على تعميق الحس الوطني لأبنائها. ويرى أنه كان طفلاً محظوظاً لأنه نشأ في أسرة تعد الثقافة جزءاً مهماً من تكوين أبنائها، وكان ترتيبه السادس بين أشقائه العشرة، وقد تأثر في طفولته بشقيقه الأكبر فاروق: «إذ فتح عيني على شيء اسمه الكتاب بمعناه الواسع. كان يتسلم الكتب ويذهب إلى المدرسة، لكن فاروق كانت له في البيت مكتبة خاصة عبارة عن خزانة كبيرة في الحائط صُممت على الطراز الفرنسي تضع فيها الوالدة الفخار وقطع الخزف الصيني وكؤوس الزجاج وأشياءها الخاصة، فصنع منها مكتبة بعرض الحائط بعد أن أقنعها بذلك حيث كانوا يقطنون في فيلا من دورين تابعة لشركة قناة السويس التي كان يعمل بها والده، وعاشوا فيها ما يزيد على 25 عاماً».

ظل فاروق يشتري الكتب باستمرار مثل سلسلة «اقرأ» التي كانت تصدر ملخصات لعيون الأدب العربي والعالمي والسير الذاتية مثل السيرة الذاتية لطه حسين ودوستويفسكي ومكسيم غوركي وأنطون تشيخوف، فضلاً عن عيون الأدب الفرنسي مثل مؤلفات غي دي موباسان. كانت السلسلة تصدر كتيبات لكل كتّاب ومفكّري العالم، فالتراث الإنساني كله أنتجته سلسلة «اقرأ»، وقد جمعه فاروق في مكتبته وأيضاً سلسلة أخرى بعنوان «كتابي» جمعها أيضاً في المكتبة.

قرأ محمود ياسين في صغره معظم دواوين الشعراء العرب وعبقريات العقاد في مكتبة شقيقه، فضلاً عن كتب سلسلة «الكتاب الذهبي» التي تعرّف فيها على محمد عبد الحليم عبد الله ونجيب محفوظ ويوسف إدريس ويوسف السباعي. كما كان الشقيق الأكبر فاروق شغوفاً باقتناء الكتب والمطبوعات الثقافية مثل مجلة «الهلال» حتى إنه يشتري الكتب بمصروفه الشخصي المحدود. ولم يكن الطفل محمود يشغل نفسه بشراء الكتب، لكن يده بدأت تمتد إلى مكتبة شقيقه، فغضب بشدة من استعارته كتبه؛ وذلك خوفاً من ألا تلقى الاحترام ذاته الذي تلقاه عنده تلك المكتبة التي كوّنها واشتراها من مصروفه. لكن عندما اطمأن لشقيقه، بدأ يشجعه مع بعض النصائح خوفاً على هذه الكتب. وبدأ الشقيق الأصغر في متابعة المسرحيات المترجمة بشكل خاص، لا سيما أعمال وليام شكسبير وهو ما أثار دهشة وإعجاب فاروق حين رأى شقيقه لا يفوّت نصاً للكاتب العالمي، سواء في سلسلة «كتابي» أو نظيرتها «اقرأ».

ويشير محمود ياسين إلى أن أبناء بورسعيد يتشابهون في ملامحهم وتكوينهم؛ لأن هذه المدينة تترك بصماتها على أبنائها، فهي بلد مفتوح على الدنيا ويُطل على أوروبا، فهناك شاطئ بحر وفي الأفق عالم آخر يجب أن تحلم به. إنها مدينة وسط جزر من المياه، فتأثر بهذه الخصوصية الجغرافية وما أكسبته لسكانها من حس حضاري لافت.

يقول محمود ياسين في مذكراته إن الطفولة مفتاح كل بوابات العمر وقد عاش طفولته في أسرة محافظة مثقفة محبة للفن ولتراب الوطن حيث أثرت كثرة الحروب التي خاضتها المدينة على تعميق الحس الوطني لأبنائها.

امتزجت شخصية محمود ياسين بالبحر المتوسط الذي تطل عليه مدينته، فهو مثله تراه شديد الهدوء تارة، شديد الصخب تارة أخرى. يقول: «إن أخلاقي كأخلاق البحر وطبيعتي تشبهه، فأنا في شهري سبتمبر وأكتوبر أكون هادئاً هدوءاً غريباً وعندما تنظر إليّ تشاهد ما في أعماقي، وإذا تحدثت إليّ يمكنك أن تكتشف كل شيء. أما الشخص الصاخب العصبي فهو أيضاً أنا ولكن في شهر يناير، وكذلك البحر بـ(نواته) وأمواجه المتلاطمة. لا أحب شهر يناير، قد يكون لأنه بداية عام لا أعلم ما يخبئه، وحين راقبت نفسي وجدت أنني في مواسم أكون هادئاً وأخرى أكون صاخباً وهذا هو حال البحر».

كانت حياة الصبي محمود ياسين قبل التمثيل غير مستقرة، كأنه يبحث عن شيء يسعده. كان يراقب شقيقه فاروق، الممثل العظيم بقصور الثقافة، وتعلم منه كيف يحب الريحاني. يشاهده فيشعر بأنه يمتلك عالم التمثيل بين عينيه، نظراته، تأمله، صوته حتى وهو يغني بصوتٍ أجش تستسيغ غناءه من هذه الحالة التي لاحظها وتأثر بها. أحبَّ التمثيل وشعر بأنه الشيء الذي يبحث عنه، إنه عالمه المفقود، به ستكتمل حياته.

اللافت أن التمثيل منذ البدايات الأولى بالنسبة لمحمود ياسين «حالة»، إنه بمثابة «عفريت» يتجسد في الشخص المحب له، فكان يسعد بالمشاهد التي يمثلها في نادٍ يسمى «نادي المريخ» ببورسعيد وهو طفل. وكوّن هو وزملاؤه فرقة مسرحية، مع عباس أحمد الذي عُرف بأشهر مخرجي الثقافة الجماهيرية، وله باع طويل وأثر في حياته كصديق ورفيق رحلة كفاح، هو والسيد طليب، وكانا أقرب صديقين له، سواء على مستوى هواية التمثيل أو الحياة.

ويروي كيف كان يقدم مسرحية على خشبة مسرح صنعوه بأنفسهم من مناضد وكراسي متراصة، وفي قاعة تسع 100 شخص، فلمح والده، وكانت المرة الأولى التي يمثل فيها ويشاهده أبوه، وإذا به يبتسم له ابتسامة هادئة، اعتبرها أول تصريح رسمي منه بموافقته على دخوله هذا المجال. ويذكر أيضاً أن من بين العمال الذين تأثر بهم محمود عزمي، مهندس الديكور العبقري، الذي لم يحصل على أي شهادات دراسية ولم يلتحق بالتعليم، لكنه كان يهوى الرسم ويصمّم ديكورات أي نصوص سواء عربية أو عالمية ببراعة مدهشة.