مخاوف من العودة إلى ملاحقة الصحافيين وأصحاب الرأي في لبنان

الحكم على صحافي بالسجن 4 أشهر في دعوى أقامها ضده جبران باسيل

TT

مخاوف من العودة إلى ملاحقة الصحافيين وأصحاب الرأي في لبنان

قضت محكمة لبنانية بسجن الصحافي فداء عيتاني مدة 4 أشهر، في الدعوى المقامة ضدّه من رئيس «التيار الوطني الحرّ» وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل بجرم القدح والذم، بسبب تدوينة نشرها على صفحته على موقع «فيسبوك». وقد أحيا هذا الحكم المخاوف من عودة الأحكام بحق الصحافيين، والتضييق على الحريات الإعلامية، فيما سارعت مراجع قضائية وحقوقية إلى تبديد هذه المخاوف، ما دام أن الحكم صدر بصورة غيابية، وأشارت إلى وجود طرق قانونية تتيح الاعتراض عليه، وإعادة المحاكمة من جديد. وتزامن الحكم على عيتاني مع حكم آخر قضى بسجن الناشط جيري ماهر مدّة سنة، في الدعوى التي رفعها ضدّه أحد المحامين بجرم تحقير «حزب الله».
وقد أصدرت أمس القاضية المنفردة الجزائية في جبل لبنان نادين نجم، حكماً قضى بحبس الصحافي فداء عيتاني مدّة 4 أشهر وإلزامه بدفع مبلغ 10 ملايين ليرة عطلاً وضرراً، في الدعوى التي تقدّم بها الوزير جبران باسيل، بواسطة وكيله المحامي ماجد بويز، بجرم القدح والذم والتحقير عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وكان المرسوم 104 الذي صدر في عام 1994، وضع حداً للتوقيف الاحتياطي للصحافيين، وحصر ملاحقتهم بمحكمة المطبوعات دون سواها من المراجع القضائية، واستبدل بعقوبة الحبس «الغرامة المالية»، لكنّ هذا الحكم أثار المخاوف من الذهاب نحو التشدد والعودة مجدداً إلى سجن الإعلاميين وأصحاب الرأي في لبنان.
وأشار مصدر قضائي إلى أن «هذا الحكم لا يتعارض مع قانون المطبوعات ولا يعني تخطياً للقانون». وأوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن «الحكم صدر بحق فداء عيتاني بالصورة الغيابية، بسبب تخلّفه عن حضور جلسات المحاكمة، والأحكام الغيابية تكون مشددة وتقضي بالعقوبة القصوى»، مؤكداً أن «ثمة إجراءات ومراجعات قضائية يمكن أن يلجأ إليها المتضرر». وقال المصدر القضائي: «عندما يقرر المحكوم عليه حضور جلسة المحاكمة، يتقدم بواسطة وكيله القانوني باعتراض على الحكم، ويبدي استعداده للمثول أمام المحكمة، عندها تقبل المحكمة الاعتراض تلقائياً، وتعاود محاكمته بالصورة الوجاهية، ومن ثم يَصدر حكم يلغي عقوبة السجن ويقضي بغرامة مالية فقط».
وكان جبران باسيل سارع إلى تقديم دعوى قضائية ضدّ الصحافي فداء عيتاني على خلفية تدوينة للأخير على صفحته على موقع «فيسبوك» إثر المداهمات التي نفذها الجيش اللبناني في مخيمات اللاجئين السوريين في عرسال العام الماضي، وأدت إلى مقتل 4 لاجئين، وجاء في التدوينة: «دهس طفلة، مداهمات، تنكيل باللاجئين، قتل عشوائي، اعتقالات بالمئات، إجبار الناس على العودة إلى سوريا بالقوة، قوات مسلحة تلتحق بفاشية حزب الله وأحقاد بقايا المارونية السياسية، ادعاءات بوجود إرهابيين لا يمكن لطرف محايد التأكد من صحتها، كل ذلك بنكهة سعد (الحريري) - المشنوق (نهاد المشنوق) - صفا (رئيس وحدة الأمن والارتباط في حزب الله وفيق صفا)». وختم عيتاني تدوينته بعبارة مسيئة إلى باسيل.
من جهته، ذكّر المحامي أنطوان حويس المتخصص في القضايا الجزائية، الذي يتولّى الدفاع عن عشرات الإعلاميين أمام محكمة المطبوعات، بأن «المرسوم 104، جعل كلّ الجرائم الناتجة عن عمل الإعلاميين في مهنتهم من اختصاص محكمة المطبوعات، إلا في حالات محددة جداً، وإذا كان ثمة جرم يتخطّى قضية الرأي يذهب إلى محكمة جزائية». وأكد حويس لـ«الشرق الأوسط»، أن «الجرم الذي يلاحق به فداء عيتاني يفترض أن يكون من اختصاص محكمة المطبوعات، وليس من اختصاص القاضي المنفرد الجزائي»، مشيراً إلى أن «حكماً كهذا غير مبرم وقابل للمراجعة والإبطال، ويمكن تصحيح الاختصاص بما يتعلّق بالمرجع للمحاكمة». ورأى حويس أن «لا خوف من الجنوح نحو التضييق على الحريات الإعلامية، وما دام أن هذا الحكم صدر غيابياً فيمكن إعادة النظر به».
وفي قضية أخرى، أصدر القاضي المنفرد الجزائي في بيروت باسم تقي الدين، حكماً غيابياً ضد المدعى عليه دانيال أحمد الغوش (جيري ماهر) قضى بسجنه مدة سنة ونصف السنة وتغريمه ومنعه من ممارسة حقوقه المدنية. ويأتي الحكم على خلفية الشكوى التي تقدم بها المحامي حسن بزي ضد غوش بجرم إثارة النعرات المذهبية و«تحقير شهداء المقاومة».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».