سوق عكاظ يصل حاضر السعوديين بماضي أسلافهم

منبر للثقافة ومسرح للفن وساحة للشعر

لوحات وعروض تفاعلية وأنشطة حرفية من جميع أنحاء السعودية (واس)
لوحات وعروض تفاعلية وأنشطة حرفية من جميع أنحاء السعودية (واس)
TT

سوق عكاظ يصل حاضر السعوديين بماضي أسلافهم

لوحات وعروض تفاعلية وأنشطة حرفية من جميع أنحاء السعودية (واس)
لوحات وعروض تفاعلية وأنشطة حرفية من جميع أنحاء السعودية (واس)

من أراد أن يعيش في أجواء تحاكي لقاءات جرير والفرزدق، ويعرف كيف كانت حياة العرب ليتذوق الفن العربي بشعره ونثره، ويعرف أساس التجارة العربية فليتوجه إلى سوق عكاظ بالطائف. هكذا وصف الإماراتي عبد الله رفيع المنصوري عضو مجلس الإدارة في رواد كشافة الإمارات أجواء الفعاليات في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أثناء جولتها أمس في سوق عكاظ في دورته الثانية عشرة الذي انطلق برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان الأربعاء الماضي في مدينة الطائف غرب السعودية.
وتنظم السعودية فعاليات «سوق عكاظ» سنوياً في مدينة الطائف غرب البلاد كإحياء لهذا السوق والتجمع التاريخي العريق، وأقل ما توصف به الفعالية بأنها تحكي بصورة موجزة حال العرب في القرون الماضية منها فترة ما قبل الإسلام، بما فيها من أجواء ثقافية واجتماعية وأدبية. وسيسعد الحضور في دورة «سوق عكاظ» لهذا العام بعروض لقصص من حياة شعراء سوق عكاظ، (عمرو بن كلثوم وعنترة بن شداد وزهير بن أبي سلمى وامرؤ القيس وطرفة بن العبد والأعشى وقيس بن ساعدة)، وعروض للأسواق التاريخية ومزادات العرب، وعروض قوافل التجارة (الشام، اليمن)، ومسرحية «زاد» لعروض البيع والشراء.
وبحسب المؤرخين والمختصين فإن «عكاظ» أحد أشهر أسواق العرب منذ عهد الجاهلية حيث كان بمثابة منتدى للمبارزات والسجالات الشعرية والثقافية بالإضافة إلى اهتمامه بالجانب التجاري من بيع وشراء. ويفد إليه الناس من كل حدب وصوب، أما الشعراء وفي مقدمتهم مؤلفو المعلقات فكانوا يجدون في ساحات سوق عكاظ منصة لإطلاق إبداعاتهم الشعرية.
ويقول الدكتور محمد مرغلاني أحد المهتمين بتاريخ العرب إن بداية «عكاظ» بدأ كسوق محلي للبيع والشراء في القرن الأول للميلاد، غير أن هذا السوق، ولولع العرب بالمنافسات والسجالات في المجالات عامة وفي الأدب والفنون خاصة، كان يشهد منافسات الشعر بين الشعراء.
من يتجول في فعاليات سوق عكاظ يساوره الحنين للماضي كما يصف الكويتي حسن راضي السبتي عضو لجنة تنمية الموارد المالية بالاتحاد العربي لرواد الكشافة والمرشدات الذي يتواجد في فعاليات «سوق عكاظ» للمرة الرابعة على التوالي تعبيراً عن تأثره بالأجواء العربية الأصيلة التي يقدمها السوق. ويضيف «من دون مبالغة ما يقدم من فعاليات في سوق عكاظ أقل ما توصف به هو أنها عمل جبار، وفي دورة السوق لهذه السنة لمست نقلة نوعية على كافة المستويات التنظيم والفعاليات والمشاركين، إضافة إلى الزحف الجماهيري الكبير الذي نراه لعيش أجواء الماضي العربي العريق».
الجميل في سوق عكاظ كثرة المواهب التي يلحظها المتجول في أرجاء السوق التي تحتاج على الأقل قرابة الساعة الكاملة حتى تتعرف بصورة جيدة على محتويات وعروض كل قسم، فإن أردت الشعر وجدت مواهبه في الأمسيات الشعرية، وإن أردت الفن وجدت مبدعي الرسم والخط والنحت، وإن أردت الاستماع إلى الأصوات العذبة والتمثيل الدرامي فما عليك سوى التوجه إلى المسرح الفني. ولأهمية السوق وتاريخه ليس للسعوديين فحسب بل لكل العرب فإن المتجول يلحظ وجود الأجواء العربية الأصيلة بكافة تفاصيلها وبحضور جنسيات عربية متنوعة لتكون الحصيلة تبادل في الذكريات التاريخية والمعلومات الثقافية بين كافة الحضور.
وبحسب مدير «سوق عكاظ» عبد الله السواط فإن كافة الترتيبات لفعاليات السوق أعد لها بعناية منذ فترة، مبيناً أن «من بين أنشطة «سوق عكاظ» فعاليات جادة عكاظ للتراث في دورة هذا العام تشهد أكثر من (150) فعالية ويتضمن (10) ندوات ثقافية، و(8) ورش عمل، و(3) أمسيات شعرية، ومسابقة للعروض المسرحية، ومسابقة للفنون الشعبية إضافة إلى فعاليات الحرف والصناعات اليدوية».
كما تتضمن فعاليات لقوافل الإبل والخيل العربية، ومدرسة الفروسية للأطفال «فارس عكاظ»، وعروض تسارع الإبل، وعروض الشعراء على الإبل، و«فعاليات فتيان عكاظ» وتشمل استوديو عكاظ للأطفال والعروض التفاعلية للأطفال، إضافة إلى فعاليات المعلقات الشعرية، وعروض اللوحات العربية، وعروض التصوير التاريخي، وفعاليات الحرفيين من جميع أنحاء السعودية، وعروض الصوت، والشاشات التفاعلية، وخيمة عكاظ، وخيمة الخط العربي، ومعرض ألوان عكاظ، والخيمة الثقافية، ومدرسة تعليم الفروسية، والمتحف الافتراضي لمعرض روائع القطع الأثرية التي تم اكتشافها في السعودية. وفيما يتعلق بالهيئة العامة للثقافة فستكون مشاركتها من خلال عدد من الأنشطة منها: الخيمة الثقافية، معرض القطع الفائزة بجوائز ومسابقات سوق عكاظ، معرض الخط العربي، معرض الفنون التشكيلية، عروض مسابقات سوق عكاظ المسرحية، معرض ألوان عكاظ والتصوير الضوئي، واحة الفنون بجدارية طولها 400 متر طولي، ومهارات النحت.
ولكون عكاظ سوقاً لكل العرب فقد حلت «مصر» هذا العام ضيفة شرف في سوق عكاظ وسيقدم جناحها الكثير من الفعاليات ومن ضمنها إحياء ليالي «عكاظ» بالأوبرا والتخت المصري وزيرة الثقافة المصرية الدكتورة إيناس عبد الدائم قالت عن مشاركة جمهورية مصر العربية في سوق عكاظ التاريخي في دورته الثانية عشرة وكأول ضيف شرف: «هنالك توطين للعلاقة الثقافية بين مصر والسعودية، وإن المشاركات الفنية بدأناها من مدينة الرياض والآن نستكملها في سوق عكاظ، وبعده في مدينة جدة ومدينة أبها جنوب السعودية».
وكي يتمسك سوق عكاظ برسالته وأهدافه فإن القائمين عليه يحرصون على إحياء روح التنافس التي كانت حاصلة في العصور الماضية بين الشعراء ومرتادي السوق كل في فنه، فإن هناك عددا من المسابقات بمكافآت مالية مجزية في الشعر والنثر والخط والابتكار وغيرها من الفنون.
وفيما يتعلق بالسوق نفسه فكان الاهتمام أكبر من الحكومة السعودية التي حولت السوق إلى مدينة متكاملة باستثمارات إجمالية تتجاوز 8 مليارات ريال في المرحلة الأولى للمشروع فيما كلفت البنية التحتية للمشروع 500 مليون ريال داخل الموقع كمرحلة أولى، ووضع أمس الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين، أمير منطقة مكة المكرمة، بحضور الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني رئيس اللجنة الإشرافية لسوق عكاظ، حجر الأساس لمشاريع مدينة سوق عكاظ ضمن المشاريع التي تنفذها الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني تحت مظلة برنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري في السعودية.
وتعد مدينة سوق عكاظ أحد أهم المشاريع السياحية في الطائف، وأول وجهة سياحية تراثية متكاملة في السعودية إذ تسعى الحكومة السعودية من خلال هذا المشروع إلى تطوير وجهة سياحية تراثية متكاملة تشكل مصدراً رئيسياً لجذب السياح من داخل السعودية وخارجها، حيث ستقدم مدينة عكاظ مجموعة من المرافق والمزايا والمراكز التراثية، والمتاحف، والمناطق الترفيهية، ومركزا للمؤتمرات.



بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)
مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)
TT

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)
مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى، فإن المصرية مريم شريف تفوقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بالدورة الرابعة لـ«مهرجان البحر الأحمر السينمائي» التي تَنافس على جوائزها 16 فيلماً، وترأس لجنة تحكيمها المخرج العالمي سبايك لي، لتحوز جائزة «اليسر» لأفضل ممثلة عن أدائها لشخصية «إيمان»، الشابة التي تواجه التّنمر بسبب قِصرِ قامتها في فيلم «سنو وايت»، وذلك خلال حفل ختام المهرجان الذي أقيم الخميس في مدينة جدة السعودية.

وعبّرت مريم عن سعادتها بهذا الفوز قائلة لـ«الشرق الأوسط»: «الحمد لله، هذه فرحة كبيرة تكلّل جهودنا طوال فترتي التحضير والتصوير، لكنني أحتاج وقتاً لأستوعب ذلك، وأشكر أستاذة تغريد التي أخضعتني لورشِ تمثيلٍ عدة؛ فكُنا نجلس معاً لساعات طوال لتُذاكر معي الدّور وتوضح لي أبعاد الشخصية، لذا أشكرها كثيراً، وأشكر المنتج محمد عجمي، فكلاهما دعماني ومنحاني القوة والثقة لأكون بطلة الفيلم، كما أشكر مهرجان (البحر الأحمر السينمائي) على هذا التقدير».

المخرجة تغريد أبو الحسن بين منتج الفيلم محمد عجمي والمنتج محمد حفظي (إدارة المهرجان)

سعادة مريم تضاعفت بما قاله لها المخرج سبايك لي: «لقد أذهلني وأبهجني برأيه حين قال لي، إن الفيلم أَثّر فيه كثيراً بجانب أعضاء لجنة التحكيم، وإنني جعلته يضحك في مشاهد ويبكي في أُخرى، وقلت له إنه شرفٌ عظيم لي أن الفيلم حاز إعجابك وجعلني أعيش هذه اللحظة الاستثنائية مع أهم حدث في حياتي».

وأضافت مريم شريف في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أنها لم تُفكّر في التمثيل قبل ذلك لأن السينما اعتادت السخرية من قِصار القامة، وهو ما ترفضه، معبّرة عن سعادتها لتحقيق العمل ردود أفعال إيجابية للغاية، وهو ما كانت تتطلّع إليه، ومخرجته، لتغيير أسلوب تعامل الناس مع قِصار القامة لرؤية الجمال في الاختلاف، وفق قولها: «نحن جميعاً نستحق المساواة والاحترام، بعيداً عن التّهكم والسخرية».

وكان قد شهد عرض الفيلم في المهرجان حضوراً لافتاً من نجوم مصريين وعرب جاءوا لدعم بطلته من بينهم، كريم فهمي الذي يشارك بصفة ضيف شرف في الفيلم، وبشرى التي أشادت بالعمل، وكذلك أمير المصري ونور النبوي والمنتج محمد حفظي.

قُبلة على يد بطلة الفيلم مريم شريف من الفنان كريم فهمي (إدارة المهرجان)

واختارت المخرجة أن تطرح عبر فيلمها الطويل الأول، أزمة ذوي القامة القصيرة الذين يواجهون مشاكل كبيرة، أقلّها تعرضهم للتنمر والسخرية، وهو ما تصدّت له وبطلتها عبر أحداث الفيلم الذي يروي قصة «إيمان» قصيرة القامة التي تعمل موظفة في أرشيف إحدى المصالح الحكومية، وتحلم مثل كل البنات بلقاءِ فارس أحلامها وتتعلق بأغنية المطربة وردة الجزائرية «في يوم وليلة» وترقص عليها.

وجمع الفيلم بين بطلته مريم شريف وبعض الفنانين، ومن بينهم، كريم فهمي، ومحمد ممدوح، ومحمد جمعة، وخالد سرحان، وصفوة، وكان الفيلم قد فاز بوصفه مشروعاً سينمائياً بجائزة الأمم المتحدة للسكان، وجائزة الجمعية الدولية للمواهب الصاعدة في «مهرجان القاهرة السينمائي».

وعلى الرغم من أن مريم لم تواجه الكاميرا من قبل، بيد أنها بدت طبيعية للغاية في أدائها وكشفت عن موهبتها وتقول المخرجة: «كنت مهتمة أن تكون البطلة غير ممثلة ومن ذوات القامة القصيرة لأحقق المصداقية التي أردتها، وحين التقيت مريم كانت هي من أبحث عنها، وكان ينقصنا أن نقوم بعمل ورش تمثيل لها، خصوصاً أن شخصية مريم مختلفة تماماً عن البطلة، فأجرينا تدريبات مطوّلة قبل التصوير على الأداء ولغة الجسد والحوار، ووجدت أن مريم تتمتع بذكاء لافت وفاجأتني بموهبتها».

لم يكن التمثيل يراود مريم التي درست الصيدلة في الجامعة الألمانية، وتعمل في مجال تسويق الأدوية وفق تأكيدها: «لم يكن التمثيل من بين أحلامي لأن قِصار القامة يتعرضون للسخرية في الأفلام، لكن حين قابلت المخرجة ووجدت أن الفيلم لا يتضمّن أي سخرية وأنه سيُسهم في تغيير نظرة كثيرين لنا تحمست، فهذه تجربة مختلفة ومبهرة». وفق تعبيرها.

ترفض مريم لقب «أقزام»، وترى أن كونهم من قصار القامة لا يحدّ من قدرتهم ومواهبهم، قائلة إن «أي إنسان لديه مشاعر لا بد أن يتقبلنا بدلاً من أن ننزوي على أنفسنا ونبقى محبوسين بين جدران بيوتنا خوفاً من التنمر والسخرية».

تغريد أبو الحسن، مخرجة ومؤلفة الفيلم، درست السينما في الجامعة الأميركية بمصر، وسافرت إلى الولايات المتحدة للدراسة في «نيويورك أكاديمي» قبل أن تُخرج فيلمين قصيرين، وتعمل بصفتها مساعدة للمخرج مروان حامد لسنوات عدّة.

المخرجة تغريد أبو الحسن وبطلة الفيلم مريم شريف (إدارة المهرجان)

وكشفت تغريد عن أن فكرة الفيلم تراودها منذ 10 سنوات: «كانت مربية صديقتي من قِصار القامة، اقتربتُ منها كثيراً وهي من ألهمتني الفكرة، ولم أتخيّل أن يظهر هذا الفيلم للنور لأن القصة لم يتحمس لها كثير من المنتجين، حتى شاركنا الحلم المنتج محمد عجمي وتحمس له».

العلاقة التي جمعت بين المخرجة وبطلتها كانت أحد أسباب تميّز الفيلم، فقد تحولتا إلى صديقتين، وتكشف تغريد: «اقتربنا من بعضنا بشكل كبير، وحرِصتُ على أن تحضر مريم معي ومع مدير التصوير أحمد زيتون خلال معاينات مواقع التصوير حتى تتعايش مع الحالة، وأخبرتها قبل التصوير بأن أي مشهد لا ترغب به سأحذفه من الفيلم حتى لو صوّرناه».

مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

وتلفت تغريد إلى مشروعٍ سينمائيّ يجمعهما مرة أخرى، في حين تُبدي مريم سعادتها بهذا الالتفاف والترحيب من نجوم الفن الذين شاركوها الفيلم، ومن بينهم: كريم فهمي الذي عاملها برفق ومحبة، ومحمد ممدوح الذي حمل باقة ورد لها عند التصوير، كما كان كل فريق العمل يعاملها بمودة ولطف.