قال مراقبون إن تنحية مسؤول أمني كبير في الجزائر، تدل على وجود «صراع حاد في أعلى هرم النظام»، يتعلق بضلوع مسؤولين نافذين فيما أضحى يعرف بـ«قناطير الكوكايين»، التي حجزها خفر السواحل نهاية الشهر الماضي. وهناك من ربط القضية بـ«صراع محموم» على رئاسية 2019.
وأصدر رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة مساء أول من أمس مرسوما يقضي بإنهاء مهام مدير عام الشرطة، اللواء عبد الغني هامل (63 سنة)، ومرسوما ثانيا يتضمن تعيين مصطفى الهبيري (80 سنة) بدلا عنه، وهو مدير جهاز الدفاع المدني منذ 2001. ولم تذكر الرئاسة أسباب تنحية من كان يوصف بـ«الرجل المقرب من جماعة الرئيس في النظام»؛ لكن توجد قناعة لدى الصحافة والطبقة السياسية، وكل المهتمين بالموضوع، بأن السبب الرئيسي يعود إلى تصريحات خطيرة أطلقها هامل في صباح اليوم نفسه.
فعلى هامش اجتماع دولي حول محاربة المخدرات عقد بالجزائر العاصمة، سئل هامل من طرف صحافي عن سبب ذكر اسم سائقه الشخصي في التحقيقات حول مصادرة سبعة قناطير من المخدرات الصلبة. فقال المسؤول الأمني بنبرة حازمة: «أقولها صراحة: لقد وقعت في التحقيقات الابتدائية تجاوزات وخرق للقانون. ولحسن الحظ فإن القضاة لم يتركوا القضية تتميّع». في إشارة إلى جهاز الدرك الوطني التابع للجيش الذي أمسك بالقضية، وأجرى فيها تحرياته، واعتقل عشرات المشتبه بهم، قبل أن يحيل الملف على النيابة.
وورد أثناء التحقيق اسم السائق الشخصي لهامل، الذي كان على صلة مع كمال شيخي، المتهم بتهريب الكوكايين، وحملها على ظهر سفينة قادمة من البرازيل، كانت تحمل رسميا شحنة كبيرة من اللحوم الحمراء. ويوصف شيخي بـ«البوشي» (الجزار)، كناية على نشاطه الأصلي وهو تجارة اللحوم.
ومما جاء في تصريحات هامل للصحافة، مستهدفا مسؤولا كبيرا لم يذكره بالاسم: «إذا أردت أن تحارب الفساد، فعليك أن تكون نظيفا»، وكررها مرتين على مسامع الصحافيين، وكان يقصد بذلك، حسب بعض المراقبين، الجنرال غالي بلقصير رئيس أركان الدرك الوطني، الذي أشرف بنفسه على التحقيقات في قضية المخدرات. وفهم من كلام هامل أن بلقصير استهدفه شخصيا، وأنه يبحث عن إدخاله السجن.
وشغل هامل منصب ضابط بالدرك قبل أن يصبح مديرا للشرطة عام 2010، إثر مقتل مديرها العقيد علي تونسي على يدي أحد مساعديه. ولا يخفى على كثير من ضباط الأمن العداوة الشخصية التي كانت بين بلقصير وهامل، عندما كانا عضوين بارزين في الدرك.
وينسب لهامل رغبة مفترضة في الوصول إلى الرئاسة، وهو ما اعتبره البعض سبب تنحيته، فيما قال آخرون إن الرئاسة «حطمت طموحه في السلطة»؛ لكن لم يثبت عن الرجل أنه خاض في هذه القضية أبدا.
ونفى هامل الأسبوع الماضي تورط سائقه الشخصي في الفضيحة المدوية التي هزت أركان السلطة، وقال إن الأمر يتعلق بـ«سائق بسيط في مديرية الأمن»؛ لكن تبريره لم يقنع أحدا؛ لأن السائق محل شبهة، وكان يوفر دخولا وخروجا آمنا لتجار المخدرات بالمطارات والموانئ، وهي حظوة كان يتمتع بها لأنه مقرب من هامل، ولأنه ضابط دركي هو أيضا. يشار إلى أن 12 شخصا يوجدون بالسجن في هذه القضية، بينهم قاضيان.
وكتب هابت حناشي، مدير فضائية «الحياة»، بصفحته على «فيسبوك»: «قضية كمال البوشي قريبة من أن تصبح قضية (الخليفة 2)»، في إشارة إلى فضيحة مالية كبيرة وقعت في 2003. وقال حناشي: «رجل أعمال شاب يتمتع بالذكاء، فهم أن كثيرا من المسؤولين يمكن شراؤهم بالمال، فلجأ إلى المال، وبدأ يشتريهم به، ولأنه ذكي ولا يثق في أحد منهم، ومعه حق في ذلك، فقد قام بتصويرهم بالصوت والصورة وهم يستلمون المال من يده الكريمة، حتى يبتزهم بها في الوقت المناسب. وبدأت الآن أقاويل كثيرة عن قوته وسطوته، وعن تحكمه في بعض رجال القضاء والعمران والسكن والإدارة، بفضل ماله الوفير».
وأضاف حناشي موضحا: «عبد المؤمن خليفة (المتورط الأساسي في قضية الخليفة، وقد أدانه القضاء بـ20 سنة سجنا)، كان أكثر كرما منه؛ حيث كان يوفر المال والشراب المملح والمسكر والبطاقات البنكية، أما كمال شيخي، وهو رجل تقي وورع وحاج ومعتمر وعلى جبهته زبيبة، فقد اكتفى بالأموال الكاش... في الحقائب والأكياس. هذه مصيبة ما بعدها مصيبة، مصيبة أن يشتري رجل أعمال قاضيا، أو مراقب بناء، أو مدير تعمير، فيصبح كل هؤلاء تحت رحمته وسطوته».
الجزائر: إطاحة مسؤول أمني «تفجر» معارك طاحنة على هرم السلطة
أبطالها مسؤولون نافذون متورطون في فضيحة «قناطير الكوكايين»
الجزائر: إطاحة مسؤول أمني «تفجر» معارك طاحنة على هرم السلطة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة