لبنان: تشكيل الحكومة أمام تعقيدات حصة الرئيس والتمثيل المسيحي

مصادر تربط تعثّرها بمعركة رئاسة الجمهورية المقبلة

رئيس الحكومة سعد الحريري التقى رئيس حزب {القوّات اللبنانيّة} سمير جعجع مساء أول من أمس بحضور وزير الإعلام ملحم الرياشي ووزير الثقافة غطاس خوري (دالاتي ونهرا)
رئيس الحكومة سعد الحريري التقى رئيس حزب {القوّات اللبنانيّة} سمير جعجع مساء أول من أمس بحضور وزير الإعلام ملحم الرياشي ووزير الثقافة غطاس خوري (دالاتي ونهرا)
TT

لبنان: تشكيل الحكومة أمام تعقيدات حصة الرئيس والتمثيل المسيحي

رئيس الحكومة سعد الحريري التقى رئيس حزب {القوّات اللبنانيّة} سمير جعجع مساء أول من أمس بحضور وزير الإعلام ملحم الرياشي ووزير الثقافة غطاس خوري (دالاتي ونهرا)
رئيس الحكومة سعد الحريري التقى رئيس حزب {القوّات اللبنانيّة} سمير جعجع مساء أول من أمس بحضور وزير الإعلام ملحم الرياشي ووزير الثقافة غطاس خوري (دالاتي ونهرا)

عاد ملف تشكيل الحكومة اللبنانية إلى نقطة البداية، مع بروز عقد جديدة أمام الرئيس المكلّف سعد الحريري، تتمثّل بمحاولة تضخيم حصّة رئيس الجمهورية ميشال عون الوزارية، وعودة التيار الوطني الحر ورئيسه جبران باسيل إلى الاعتراض على منح «القوات اللبنانية» حصّة تفوق الثلاث حقائب، وهو ما لاقى اعتراضا قوياً من الحريري، الذي تضع أوساطه، الشروط القديمة الجديدة، في خانة الضغط عليه لتقديم تنازلات من طرف واحد، فيما تتحدث مصادر عن أن ظاهر التعقيدات يرتبط بالحكومة، أما باطنها فمرتبط بمعركة رئاسة الجمهورية المقبلة.
ورغم التسليم بصعوبة ولادة الحكومة في الأيام وربما الأسابيع المقبلة، إلى حين التزام الأطراف بالسقوف المعقولة للمطالب، وبانتظار عودة رئيس مجلس النواب نبيه بري من إجازته الخارجية التي تستمر في إيطاليا لأسبوعين، أطلق الحريري مروحة مشاورات جديدة مع الحلفاء، بدأها باستقبال رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع في دارته في بيت الوسط مساء الاثنين، اتفقا خلاله على إبقاء المشاورات الحكومية تحت سقف التهدئة السياسية والإعلامية، في مقابل تمسّك الحريري بالأفكار التي طرحها مؤخراً على رئيس الجمهورية، والتي تراعي أحجام الكتل وتضمن تمثيل كل القوى السياسية. وأوضحت مصادر مقربة من الحريري لـ«الشرق الأوسط»، أن «صيغ الحلّ ما زالت كما هي، وفي النهاية لن تسير إلا الصيغة التي وضعها رئيس الحكومة». وكشفت أن «العقدة لا تزال عند تمثيل (القوات اللبنانية)، حيث يصرّ جبران باسيل على رفض أكثر الحلول التي تقدّم في هذا المجال».
وتتضارب المعلومات حول فحوى اللقاء الذي جمع عون والحريري في القصر الجمهوري يوم الجمعة الماضي، وما تردد عن صيغة حكومية قدّمها الرئيس المكلّف لم تلق قبولاً من رئيس الجمهورية، أكدت المصادر المقربة من الحريري أن الأخير «لم يقدم تشكيلة وزارية للرئيس عون، بل قدم تصوراً للحل لا يزال قيد النقاش ولم يعط فريق رئيس الجمهورية رأيه فيه، ولم يطرح بديلاً عنه حتى الآن». وقالت: «لو كان الحريري قدم تشكيلة وزارية متكاملة ورفضت، لكان بادر إلى الاعتذار عن تشكيل الحكومة».
وغداة فتح قنوات التواصل بين «تيار المستقبل» و«القوات اللبنانية» على أعلى المستويات، مع إبقاء مضمون المشاورات سرّية، أكد مصادر «القوات» لـ«الشرق الأوسط»، أن «لا عودة إلى المربّع الأول في تشكيل الحكومة»، مشيرة إلى أن «العقد المتصلة بتمثيل (القوات اللبنانية) أو الحزب التقدمي الاشتراكي، هي عقد موضعية ومحلية وليست خارجية». واعترفت بوجود «تباين واضح وقراءات مختلفة لدى القوى السياسية، لكن الرئيس المكلّف هو من يحسم هذه المسألة، والتواصل بين معراب وبيت الوسط يحصل تحت هذا العنوان». وشددت مصادر القوات على أن «الحديث عن تدوير زوايا، أو تنازلات لا يكون من طرف واحد، بل من كل القوى السياسية، ومن لديه مصلحة بتسريع تشكيل الحكومة، عليه أن يحترم نتائج الانتخابات والتوازنات الجديدة والوضعية السياسية في البلد». وقالت مصادر القوات: «التسويات لا تعني أن طرفاً يتنازل والآخر يتصلّب».
من جهته، قال مصدر نيابي في التيار الوطني الحر لـ«الشرق الأوسط»، إن اتهام التيار بمحاولة إقصاء القوات اللبنانية أو الحزب الاشتراكي «ليست إلا محاولة لرمي كرة المسؤولية عند الطرف الآخر». وشدد على أن «رئيس الجمهورية العماد ميشال عون كما رئيس التيار الوزير جبران باسيل هما الأكثر حرصاً على تمثيل الجميع في الحكومة، لكن الكلّ وفق حجمه، وليس بإعطاء هدايا مجانية».
وتشير المعلومات المستقاة من نتائج حركة الاتصالات بين الأطراف، إلى أن ظاهر التعقيدات حكومي أما باطنها فمرتبط بمعركة رئاسة الجمهورية المقبلة، وكشفت مصادر مطلعة على أجواء اتصالات التأليف، أن «العقد التي تبرز حالياً متصلة بمعركة رئاسة الجمهورية المبكرة، ومحاولة جبران باسيل إضعاف كل القوى المسيحية الأخرى لا سيما القوات اللبنانية، وإثبات أنه الأقوى مسيحياً، وبالتالي الرئاسة تكون حكماً للأقوى في طائفته». وتوقفت عند معركة رفع حصة رئيس الجمهورية بالقول: «حصّة الرئيس بدعة، وعون أول من وصفها بالبدعة المسيئة لمقام رئاسة الجمهورية، عندما أرسى معادلة أن الرئيس القوي يفترض أن يأتي من ضمن كتلة نيابية كبيرة، وليس منحه هدايا وزارية». معتبرة أن «الكتلة الوزارية أعطيت للرئيس عون في الحكومة المستقيلة، كدعم له في بداية العهد، أما المطالبة بحصة منتفخة، فليست أكثر من بازار إعلامي سياسي وتحصيل حصص إضافية لتقوية الفريق الوزاري التابع لجبران باسيل».
وأثارت تغريدة النائب جميل السيد القريب جداً من «حزب الله» استهجان الأوساط السياسية، التي رأت فيها تلويحاً بالتصعيد من قبل الحزب ومحاولة ضغط سياسي على الحريري، حيث طالب السيد في تغريدته، بعريضة موقعة من 65 نائباً عبر المجلس النيابي إلى رئيس الجمهورية: «ليسقط تكليف الحريري كأنه لم يكن والبدلاء كثيرون». وسارع الحريري إلى الردّ على السيد قائلا: «يروح يبلّط البحر».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».