رئيسة وزراء تايلاند تواجه إشكاليات القيادة القديمة والحديثة

رئيسة وزراء تايلاند دخلت عالم السياسة كمبتدئة في عام 2011 لكنها خاضت قتالا شديدا من أجل البقاء في الساحة السياسية (نيويورك تايمز)
رئيسة وزراء تايلاند دخلت عالم السياسة كمبتدئة في عام 2011 لكنها خاضت قتالا شديدا من أجل البقاء في الساحة السياسية (نيويورك تايمز)
TT

رئيسة وزراء تايلاند تواجه إشكاليات القيادة القديمة والحديثة

رئيسة وزراء تايلاند دخلت عالم السياسة كمبتدئة في عام 2011 لكنها خاضت قتالا شديدا من أجل البقاء في الساحة السياسية (نيويورك تايمز)
رئيسة وزراء تايلاند دخلت عالم السياسة كمبتدئة في عام 2011 لكنها خاضت قتالا شديدا من أجل البقاء في الساحة السياسية (نيويورك تايمز)

عندما علم المعلمون الذين كانوا يدرسون لرئيسة الوزراء ينغلوك شيناواترا خلال المرحلة الثانوية أنها أصبحت أول سيدة تتولى منصب رئاسة الوزراء في تايلاند، انتابهم القلق.
تقول برابايبورن تانغسانتورنكان، الذي كان يدرس مادة الرياضيات لينغلوك، إنها كان طالبة محبوبة ومؤدبة للغاية. غير أن ينغلوك، التي دخلت عالم السياسة كمبتدئة في عام 2011، بدت مرشحة غير محتملة لاحتلال عرين الأسد في الساحة السياسية التايلاندية، ذلك الذي كان دائما محجوزا للرجال والذي لم يخل يوما من المكائد وألاعيب العسكر وكذلك الطعنات التي تأتي من الظهر.
وتصف برابايبورن رئيسة الوزراء ينغلوك بأنها «كانت طالبة شديدة الإنصات ومثابرة، لكنها لم تبد أي أمارات على تحليها بصفات القيادة. المعروف أن المشتغلين بالسياسة دائما ما يحلو لهم الدخول في مناقشات، أما ينغلوك فلم ترفع يدها مرة واحدة خلال شرح الدروس لتعلق على مسألة معينة، كما لم تناقش المدرسين أبدا في أي أمر». بعد مرور عامين ونصف العام على توليها منصب رئاسة الوزراء، تجد ينغلوك، البالغة من العمر 46 عاما، نفسها مطالبة بمصارعة العديد من المفاهيم والمدارك، التي أشارت إليها برابايبورن، بينما تخوض قتالا شديدا من أجل البقاء في الساحة السياسية. وقد نالت ينغلوك قسطا من السخرية من قبل المعارضة في البرلمان حيث جرى وصفها بأنها «غير ذكية»، وأنها تعمل بالوكالة عن شقيقها الملياردير رجل الأعمال ورئيس الوزراء السابق تاكسين شيناواترا، كما جرى التهكم عليها في الأغاني التي رددها عشرات الآلاف من المحتجين، الذين احتشدوا في شوارع بانكوك طوال الأسابيع القليلة الماضية لمطالبتها بالهروب من البلاد.
وخلال لقائها مع مجموعة من الصحافيين الأجانب يوم الثلاثاء، بدت ينغلوك هادئة، لكنها اتخذت موقفا دفاعيا. وخلال اللقاء، قالت ينغلوك إنها لم تقرر بعد ما إذا كانت سوف ترشح نفسها عن حزبها لمنصب رئيس الوزراء خلال الانتخابات التي قررت تنظيمها في شهر فبراير (شباط) المقبل لتهدئة الأوضاع في البلاد، أم لا.
ووصفت ينغلوك المطالب التي اقترحها المحتجون، الذين حاصرو مكتبها وطالبوا بأن يتولى «مجلس للشعب» غير منتخب إدارة البلاد، بأنها غير قابلة للتطبيق على «أرض الواقع» (وقد أيد كثير من الباحثين في تايلاند وجهة نظر ينغلوك). وأضافت ينغلوك أنها على ثقة من أن الجيش لن يقدم على القيام بانقلاب عسكري كما فعل مع شقيقها في عام 2006، وهو ما أدى إلى معاناة تايلاند من حالة من الاضطرابات السياسية على فترات متقطعة طوال سبعة أعوام.
تقول ينغلوك عن الانقلاب العسكري «لا أعتقد أن الجيش سيقوم بذلك مجددا». غير أن المكان الذي جرى فيه اللقاء مع الصحافيين، وهو قاعدة للقوات الجوية على أطراف بانكوك، يشير بوضوح إلى موقف ينغلوك المزعزع. وقد هدد المحتجون، الذين احتلوا مبنى وزارة المالية منذ أسبوعين ونظموا اعتصاما أمام أبواب مكتبها الأسبوع الماضي، «بالقبض عليها»، وهو ما يظهر بوضوح الحصانة التي يتمتع بها هؤلاء، وكذلك عدم رغبة أو عدم قدرة ينغلوك على القبض عليهم.
وقد جرى إلغاء لقاء مع الصحافيين الأسبوع الماضي حيث قال مساعدو ينغلوك إن المكان غير آمن بالمرة. وقد قضت ينغلوك الأسبوع الماضي في التنقل بين الأماكن المختلفة بشكل يومي. ويعلق تيرات راتانسفي، المتحدث الرسمي باسم الحكومة، على عملية التنقل تلك بقوله «يجب علينا أن نذهب إلى أماكن تحتوي على الكثير من المخارج».
ويبقى أمرا غير واضح ما لو كانت طريقة تعاملها المتساهلة مع المحتجين ستنجح أم أنها ستقوض سلطة الدولة. وقد رحبت قوات الأمن بدخول المتظاهرين إلى مقر المؤسسات الحكومية في محاولة منها للتهدئة من غضبهم. وفي يوم الثلاثاء، انهارت رئيسة الوزراء على الهواء مباشرة في لقاء تلفزيوني عندما واصل المحتجون الضغط لخلعها من منصبها رغم عرضها إجراء انتخابات مبكرة.
ومع تمتعها بجاذبية التصوير وبهاء الطلة في بلد يحتفل بالجمال ويقدره، جرى الثناء على ينغلوك وقيل إنها سوف يكون لها تأثير كبير على البلاد عندما تولت مقاليد السلطة في أغسطس (آب) من عام 2011. ولطالما صرحت ينغلوك هي وأعضاء حكومتها بأن تايلاند تحتاج إلى غريزة التعاطف والتسامح التي تتمتع بها المرأة، خاصة بعد الأحداث المأساوية التي شهدتها البلاد عندما قُتل أكثر من 90 شخصا خلال مداهمة قوات الجيش للاحتجاجات في شوارع بانكوك عام 2010. يقول نيدهي إيسونغ، المؤرخ البارز وأحد أهم المعلقين السياسيين في تايلاند، إن «شغل امرأة لمنصب رئاسة الوزراء في تايلاند ينطوي على الكثير من المميزات والكثير من العيوب أيضا.» ويضيف نيدهي أنه جرى انتقاد ينغلوك من حيث أنها غير مؤهلة لذلك المنصب، بيد أنه وفي بلد دائما ما تتعاطف فيه مع الطرف المستضعف، فقد ارتدت الكثير من تلك الانتقادات على أصحابها. ويشير نيدهي إلى أن «ينغلوك تستخدم طبيعتها الأنثوية في كسب الدعم من العامة عندما تتعرض لانتقادات شديدة ووقحة». ويضيف نيدهي أنه معجب برفض ينغلوك لأن يجري اصطيادها من قبل المتظاهرين من خلال خططهم العدائية.
* خدمة «نيويورك تايمز»



أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
TT

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

مرة أخرى، وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال غرب باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام»، على حد قوله.

متظاهرون يتجمعون بالقرب من أشياء أضرمت فيها النيران في أحد الشوارع في جارانوالا بباكستان 16 أغسطس 2023 (رويترز)

منذ يوليو (تموز)، تفيد مصادر عدة بأن 212 شخصاً قُتلوا في إقليم كورام بسبب نزاعات قديمة على الأراضي كان يفترض بسلسلة من الاتفاقات برعاية وجهاء قبليين وسياسيين وعسكريين، أن تبت بها.

إلا أنه تم انتهاك هذه الاتفاقات على مر العقود مع عجز السلطات الفيدرالية وفي مقاطعة خيبر بختونخوا عن القضاء على العنف.

فقدت القوات الأمنية الباكستانية مئات من أفرادها خلال الأشهر الماضية في الموجة الإرهابية الجديدة (أ.ف.ب)

والأسوأ من ذلك أن الهجوم الذي أجج أعمال العنف في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) استهدف السلطات أيضاً، إذ إن نحو 10 مهاجمين أمطروا موكبي سيارات تنقل عائلات شيعية كانت بحماية الشرطة.

وكان ابن شقيق علي غلام في هذا الموكب. وكان هذا الرجل البالغ 42 عاماً ينتظر منذ أيام فتح الطرق في كورام عند الحدود مع أفغانستان.

أطلقت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق الطلاب أثناء مسيراتهم خلال مظاهرة للتنديد باغتصاب طالبة مزعوم في لاهور بباكستان 17 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

«لا ثقة مطلقاً بالدولة»

وكانت الطرق الرئيسية قد قُطعت بسبب تجدد القتال بالأسلحة الثقيلة والقذائف بين السنة والشيعة.

وفي غضون أربعين عاماً، خسر علي غلام شقيقه وابن شقيقه فيما جُرح ثلاثة من أشقائه أيضاً.

ويؤكد الرجل الشيعي البالغ 72 عاماً: «لم أعرف السلام يوماً وليس لدي أمل كبير لأولادي وأحفادي لأن لا ثقة لي مطلقاً بالدولة».

ويقول أكبر خان من لجنة حقوق الإنسان في باكستان إنه في السابق «كانت الدولة تساند مجالس الجيرغا وكانت هذه المجالس القبلية تنجح في تحقيق نتائج».

ويضيف: «لكن اليوم لم تعد الدولة تغطي تكلفة استدعائهم»، لأن المسؤولين السياسيين في إسلام آباد منغمسون في الاضطرابات السياسية «ولا يتعاملون بجدية مع أعمال العنف هذه».

قتل 8 أشخاص بينهم 5 عناصر أمن جراء اشتباكات مسلحة مع «إرهابيين» في 3 مناطق بإقليم خيبر بختونخوا شمال غربي باكستان الأسبوع الماضي (متداولة)

لكن في إقليم كورما الشاسع اعتمدت السلطات والقوى الأمنية موقفاً متأنياً. فالإقليم على غرار 6 أقاليم أخرى مجاورة، لم يُضم رسمياً إلى مقاطعة باكستانية إلا في عام 2018.

وكان قبل ذلك ضمن ما يسمى «مناطق قبلية تحت الإدارة الفيدرالية» وكان يحظى تالياً بوضع خاص وكانت المؤسسات الرسمية تترك مجالس الجيرغا تتصرف.

وفي حين كانت حركة «طالبان» الأفغانية تقوم بدور الوسيط في خضم العنف الطائفي في نهاية العقد الأول من الألفية، يؤكد سكان راهناً أن بعض القضاة يفضلون أن توافق مجالس جيرغا على أحكامهم لكي تحترم.

بن لادن - «طالبان»

يقول مالك عطاء الله خان، وهو من الوجهاء القبليين الذين وقعوا اتفاقاً في 2007 كان من شأنه إحلال السلام في كورام، إن «السلطات لا تتولى مسؤولياتها».

ويشير خصوصاً إلى مفارقة بأن كورام هو الإقليم الوحيد بين الأقاليم التي ضمت حديثاً، حيث «السجل العقاري مكتمل». لكنه يضيف: «رغم ذلك تستمر النزاعات على أراضٍ وغابات في 7 أو 8 مناطق».

ويرى أن في بلد يشكل السنة غالبية سكانه في حين يشكل الشيعة من 10 إلى 15 في المائة، «تحول جماعات دينية هذه الخلافات المحلية إلى نزاعات دينية».

فلا يكفي أن كورام تقع في منطقة نائية عند حدود باكستان وأفغانستان. فيجد هذا الإقليم نفسه أيضاً في قلب تشرذمات العالم الإسلامي بين ميليشيات شيعية مدعومة من طهران وجماعات سنية تلقى دعماً مالياً.

في عام 1979، أحدث الشيعة ثورتهم في إيران فيما دخل المجاهدون السنة في كابل في حرب مع الجيش السوفياتي الذي غزا البلاد، في حين اختار الديكتاتور الباكستاني ضياء الحق معسكر المتشددين السنة.

وقد تحول الكثير من هؤلاء إلى حركة «طالبان» في وقت لاحق لمواجهة إيران وإقامة «دولة إسلامية» وتوفير عناصر للتمرد المناهض للهند في كشمير.

«سننتقم له»

تقع كورام بمحاذاة كهوف أفغانية كان يختبئ فيها زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، وكانت حتى الآن معروفة، خصوصاً بأزهارها التي تتغنى بها قصائد الباشتون. ويقول خان: «إلا أنها استحالت الآن منصة لإرسال أسلحة إلى أفغانستان. كل عائلة كانت تملك ترسانة في منزلها».

لم يسلم أحد هذه الأسلحة إلى السلطات. في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) عندما أضرم شيعة النار في منازل ومتاجر في سوق سنية في باغان رداً على الهجوم على الموكب قبل يومين، سمع إطلاق النار من الطرفين.

وقد حاصرت النيران ابن عم سيد غني شاه في متجره.

ويروي شاه لوكالة الصحافة الفرنسية: «منعنا والديه من رؤية جثته لأنه كان يستحيل التعرف عليها. كيف عسانا نقيم السلام بعد ذلك؟ ما إن تسنح الفرصة سننتقم له».

أما فاطمة أحمد فقد فقدت كل أمل في 21 نوفمبر. فقد كان زوجها في طريقه لتسجيلها في كلية الطب في إسلام آباد بعدما ناضلت من أجل إقناع عائلتها بالسماح لها بمتابعة دروسها.

إلا أنه لم يعد. وتقول أرملته البالغة 21 عاماً إنها لا تريد «العيش بعد الآن من دونه». وتؤكد: «لم يقتلوا زوجي فحسب بل قتلوا كل أحلامي معه».