تستضيف المستشارة أنجيلا ميركل في قصر ميسيبرغ القريب من برلين اليوم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قمة ينتظر أن يهيمن عليها ملف الهجرات الكثيفة المتدفقة على الشواطئ الأوروبية انطلاقا من الضفة الجنوبية للبحر المتوسط. ورغم أن القمة كانت مخصصة أصلا للبحث في خطط إصلاح الاتحاد الأوروبي وتحقيق مزيد من الاندماج في منطقة اليورو، إلا أن التطورات التي يعرفها ملف الهجرات، إن كان على الصعيد الأوروبي الداخلي أو الأزمات التي تتسبب بها الحكومة الإيطالية، جعلت هذا الملف المتفجر على رأس أولويات المسؤولين الأوروبيين. وبما أن فرنسا وألمانيا تشكلان تاريخيا ما يسمى «محرك» الاتحاد الأوروبي، فإن المقترحات والقرارات التي سيتوصل إليها ماكرون وميركل اليوم سيكون لها بالغ التأثير على القمة الأوروبية التي ستنعقد في بروكسل يومي 28 و29 الجاري.
وقد استبق الرئيس الفرنسي لقاءه المستشارة ميركل اليوم باتصال هاتفي مطول معها أمس للتحضير للقمة. كذلك قام بسلسلة اتصالات هاتفية نهاية الأسبوع أعقبت لقاءه رئيس الحكومة الإيطالية جيوزيبي كونتي في قصر الإليزيه يوم الجمعة الماضي. ومن الذين تواصل معهم ماكرون رئيس حكومة الوفاق الليبية فائز السراج ورئيسا النيجر ومالي وقادة أفارقة آخرون.
وتعي باريس «حراجة» موقف ميركل التي سعى ماكرون لمؤازرتها لها يوم الجمعة الماضي في خلافها مع وزير داخليتها والجناح المتشدد في تحالفها الحكومي. وتجمع بين الطرفين وحدة الموقف لجهة التأكيد على أن الرد الوحيد والممكن والفاعل لأزمة اللجوء والهجرات «لا يمكن أن يكون إلا جماعيا وأوروبيا» وهو ما شددت عليه مصادر الإليزيه أمس في معرض تقديمها للقمة. وتضيف المصادر الفرنسية أن الملف المشار إليه سيطرح على القمة الأوروبية القادمة وأن المساعي التي تبذلها فرنسا وألمانيا تهدف إلى «طرح أجندة إصلاحات أوروبية متكاملة» ينتظر أن تقدم معالجة على المدى القصير ولكن أيضا على المديين المتوسط وطويل الأجل.
تدفع باريس باتجاه التوافق نحو معالجة قصيرة الأجل تكون رباعية المحاور ويحكمها السعي لأن تكون فعالة وتحافظ على التضامن بين الأطراف الأوروبية. ويتمثل الضلع الأول فيها في تعزيز الحماية والرقابة على حدود الاتحاد الأوروبي الخارجية ما يعني عمليا تعزيز جهاز الشرطة المسماة «Frontex» إنسانيا، من خلال زيادة أعداده، ماديا ولوجيستيا.
يضم هذا الجهاز حاليا نحو 1500 رجل وهو بحاجة إلى مزيد من العنصر البشري. لكنه أيضا يحتاج لانتداب أوسع يمكنه مثلا من الدخول إلى المياه الإقليمية للدول لمنع انطلاق المهاجرين من مرافئها أو لإعادتهم إليها. وحتى اليوم، لا تتعدى صلاحيات الجهاز المياه الدولية والمياه الإقليمية للدول الأوروبية وهو ما لا يكفي لوقف تدفق تيار الهجرات. أما الضلع الثاني فقوامه إيجاد «مراكز استقبال» في بلدان المنشأ وفي بلدان الممر من أجل «فرز» اللاجئين الذين يحق لهم التوجه إلى أوروبا وبالتالي فإن طلبات اللجوء يمكن أن تكون مقبولة وبين من يسمون «المهاجرين الاقتصاديين» الباحثين عن حياة أفضل.
وفي الإطار نفسه، سيعمد الطرفان إلى التوافق على إبرام اتفاقيات مع بلدان المصدر والممر تقبل بموجبها المهاجرين الذين يتم إبعادهم من البلدان الأوروبية بحيث تقبل هذه الدول تسلمهم الأمر الذي يحتاج إلى التوصل لاتفاقيات. ويريد الطرفان، في المقام الثالث أن يعمل الاتحاد الأوروبي على توحيد معايير اللجوء المختلفة بين بلد وآخر الأمر الذي سيسهل، في حال التوصل إليه، معالجة الملفات المتكاثرة والبت بها سريعا.
تريد باريس وبرلين إعادة التأكيد على مبدأ تقاسم الأعباء لمن يقبل على التراب الأوروبي بحيث يتم توزيع اللاجئين المقبولين على كافة البلدان الأوروبية الأمر الذي يلاقي صعوبات جمة من بلدان مثل المجر وبولندا وتشيكيا وسلوفاكيا التي ترفضه. وفي أي حال، فإن «بلدان الأطراف» أي تلك المعرضة أولا لوصول المهاجرين واللاجئين إليها مثل اليونان وإيطاليا وقبرص ومالطا تتمسك بإعادة النظر فيما يسمى «اتفاقية دبلن» التي تلقي كامل العبء عليها وهو ما ترفضه بقوة. وأول الرافضين اليوم هي إيطاليا التي تديرها حكومة شعبوية ـ يمينية متطرفة. وقالت المصادر الرئاسية الفرنسية إنه من المهم التوصل إلى اتفاق لإعادة النظر بهذه الاتفاقية ومن أجل المحافظة على حرية التنقل التي تكفلها «معاهدة شنغن» وللابتعاد عن التدابير والإجراءات الفردية التي من شأنها إضعاف أوروبا.
واضح أن برلين وباريس يمكنهما الاتفاق على هذه المبادئ والتدابير. إلا أن الوصول إلى إجماع أوروبي حولها سيكون بالغ الصعوبة في القمة المرتقبة نهاية هذا الشهر وفق اعتراف مصادر فرنسية رسمية. ولا شك أن تشكل «محور» إيطالي - نمساوي - ألماني (وزير الداخلية) رافض أصلا للهجرات غير المشروعة والضغوط التي يمارسها اليمين المتطرف على الحكومات القائمة وتحفظ الرأي العام سيجعل ملف الهجرات خلافيا لفترات طويلة.
ما تريده الأطراف الأوروبية على اختلاف مشاربها وتوجهاتها هي أن يبقى المهاجرون حيث هم أي في بلادهم أو في البلدان التي وصلوا إليها. والاتحاد الأوروبي مستعد لزيادة مساعداته لها الاقتصادية والمالية.
لكن الكثير من الاقتصاديين يرون أن ارتفاع مستوى المعيشة في هذه البلدان لن يخفف من ضغط تيار الهجرة بل على العكس من ذلك سيزيده. وفي أي حال، فإن التوقعات تشير إلى أن مئات الآلاف من اللاجئين الهاربين من الفقر والجوع والجفاف والحروب سيستمرون في طرق أبواب أوروبا التي تبدو عاجزة حتى الآن عن اقتراح الحلول الناجعة.
ترمب: الألمان انقلبوا على قيادتهم
> غرد الرئيس الأميركي دونالد ترمب حول الحوار الدائر في ألمانيا حول الهجرة التي باتت تهدد بسقوط الائتلاف الحاكم، قائلا أمس على موقع «تويتر»: «شعب ألمانيا انقلب على قيادته». وكتب الرئيس، الذي يتبنى موقفا متشددا بشأن الهجرة، على حسابه: «شعب ألمانيا ينقلب على قيادته في وقت تثير فيه الهجرة الاضطرابات في تحالف برلين الهش بالفعل». وأضاف: «الجريمة في ألمانيا في تصاعد. تم ارتكاب خطأ كبير في أنحاء أوروبا بالسماح بدخول ملايين الأشخاص الذي قاموا بتغيير ثقافتهم بصورة قوية وعنيفة». وكتب: «لا نريد ما يحدث الآن مع الهجرة في أوروبا أن يحدث معنا!».