استقرار في سيناء يُعيد «الفارين من الإرهاب» إلى بيوتهم... مؤقتاً

قوات الجيش والشرطة تنفّذ عملية واسعة منذ أربعة أشهر

رجال أمن ومسعفون أمام موقع هجوم إرهابي في مدينة العريش عام 2015 (غيتي)
رجال أمن ومسعفون أمام موقع هجوم إرهابي في مدينة العريش عام 2015 (غيتي)
TT

استقرار في سيناء يُعيد «الفارين من الإرهاب» إلى بيوتهم... مؤقتاً

رجال أمن ومسعفون أمام موقع هجوم إرهابي في مدينة العريش عام 2015 (غيتي)
رجال أمن ومسعفون أمام موقع هجوم إرهابي في مدينة العريش عام 2015 (غيتي)

مُتلهفاً للقاء من ودعهم ومشاهدة أرض غاب عنها تحمل ذكريات طفولته وحطام بيت كان يؤويه، استقل سالم علي سيارة «نصف نقل»، متخذاً مع آخرين مقعده في صندوقها الخلفي، وعينه على امتداد طريق طويل من مدينة الشيخ زويد في اتجاه الجنوب، نحو قريته «الجورة» التي عاشت في السنوات الأخيرة، مع غيرها من مدن سيناء، فصولاً من المواجهات بين قوات الأمن المصرية وعناصر التنظيمات الإرهابية المسلحة، وعلى رأسها «داعش».
ويقول سالم، وهو مزارع في العقد الخمسين من عمره من أبناء قبيلة السواركة التي تسكن أجزاء واسعة من شمال سيناء، لـ«الشرق الأوسط»، إنه عائد إلى قريته بشكل مؤقت، بغرض زيارة أقارب له هناك، والمرور على ما تبقى من أراضٍ زراعية هي كل ما يملك. ويضيف علي أنه اضطر قبل عامين إلى مغادرة محل إقامته، بعد تعرضه لسقوط قذيفة صاروخية حولته إلى حطام، وتسببت في إصابة أحد أطفاله بشظايا وكسور، فيما نجا بقية أفراد الأسرة وعددهم 6 لوجودهم خارج المنزل. ويشير إلى أنه ترك المكان وحمل متاعه واستقر «في منطقة آمنة» بمنطقة بئر العبد غرب سيناء.
ويتابع الرجل أنه مع الغالبية من السكان الذين رحلوا عن قراهم، شعروا بانفراجة نسبية بعد استقرار الأوضاع الأمنية أخيراً، وهو ما دفعه إلى أن يعود وحيداً لتفقد المكان الذي تركه، بعد أن تم فتح الطريق الوحيد الذي يصل مدينة الشيخ زويد بقراها الجنوبية، وهي أبو العراج والجورة والظهير، بعد عامين متواصلين من الإغلاق لمسافة تقدر بنحو 15 كيلومتراً.
وقبل أربعة أشهر، في فبراير (شباط) الماضي، أطلقت قوات الجيش والشرطة عملية واسعة لتطهير شمال ووسط سيناء من «العناصر الإرهابية»، وذلك بعد تكليف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي الجيش والشرطة بـ«استخدام كل القوة» لاقتلاع الإرهاب من جذوره.
ويقول علي بتأثر واضح: «نشتاق إلى قرانا وأرضنا ومنازلنا، وننتظر لحظة العودة الدائمة لها بفارغ الصبر، بعد اكتمال تطهيرها من الإرهاب». ويستطرد: «عدت بدافع الحنين بعد تأكدي أنه لا يوجد خطر على سلامتي، طالما كنت لا أحمل شبهة انتماء إلى مجموعات إرهابية، وتعرضت خلال الطريق لكثير من الأكمنة الأمنية للاستعلام».
وانعكس الاستقرار النسبي في الحالة الأمنية على أهالي مدينة الشيخ زويد، التي تقع في وسط مناطق العمليات الأمنية، إذ عادت الحياة إليها بشكل طبيعي، كما قال أحد سكانها ويدعى محمد عبد الرحمن، وهو موظف في القطاع الحكومي ويقيم في حي الكوثر، أحد أهم الأحياء السكنية في المدينة. وتحدث عبد الرحمن لـ«الشرق الأوسط» عن شعوره بـ«الأمان بعد تلاشي الخوف من وقوع عمليات إرهابية». وأضاف أن «قوات الشرطة تنتشر في المدينة (الشيخ زويد) بكثافة وتفرض حراسة مشددة على كل جوانبها»، موضحاً أنهم أصبحوا الآن يجدون في الأسواق كل احتياجاتهم، فضلاً عن تسيير حافلات نقل حكومية تصل بهم من الشيخ زويد إلى مدينة العريش بواقع 3 أيام أسبوعياً.
وكان المهندس إبراهيم محلب، مساعد الرئيس المصري للمشروعات القومية، قد زار مدينة الشيخ زويد الأسبوع الماضي، وفي مشهد نادر ترجل في شوارعها يرافقه اللواء أحمد جمال الدين، مستشار رئيس الجمهورية للأمن، ومحافظ شمال سيناء عبد الفتاح حرحور، ووزير التنمية المحلية السابق أبو بكر الجندي.
وأعلن محلب في لقاء مع الأهالي أن الدولة المصرية رصدت 250 مليار جنيه لتنمية سيناء، لافتاً إلى أن «بداية الانفراجة حانت والأوضاع تتحسن».
بدوره اعتبر عبد الرحمن حسين، وهو شاب عشريني من مدينة العريش، أن ما تشهده مدن شمال سيناء من «استقرار أمني أفضل بكثير من السابق، بعد اختفاء مظاهر العمليات المسلحة داخل مدينة العريش، وتوقف الرصاص العشوائي وكذلك دوي الانفجارات».
وقال مصدر أمني في شمال سيناء لـ«الشرق الأوسط»، إن «خلف هذه النجاحات والاستقرار الأمني عمليات تطهير موسعة تتواصل في ظهير مدينة العريش ومناطقها الغربية ومناطق وسط سيناء والشيخ زويد ورفح، وتتضمن كذلك عمليات تفتيش أمني دقيق للأحياء تنفذها قوات الشرطة المدنية، وتتضمن الحصول على معلومات دقيقة عن كل سكان المدينة»، مشيراً إلى استمرار فرض حظر التجوال ليلاً (من الأولى فجراً ولمدة 5 ساعات).



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».