أثارت مناقشة مجلس الشعب (البرلمان) ملف الأطفال «مجهولي النسب» انقساما بين السوريين بين مؤيد كون الملف «يتمثل ببعد إنساني ووطني»، ومعارض له، في وقت تنظر المعارضة إلى الملف بوصفه «ملفاً سياسيا يريد النظام عبره استدراج أوروبا لمخاطبته».
وناقش المجلس مشروع القانون الذي تقدمت به وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، شاركت في إعداده إلى جانبها وزارتا الأوقاف والعدل ويتعلق برعاية مجهولي النسب، وقد أحيل إلى لجنتي الشؤون الاجتماعية والشؤون الدستورية والتشريعية لمناقشته وإقراره في مجلس الشعب. وشهد جدالاً وانقساماً بين النواب.
و«مجهولو النسب»، هم الأطفال المولودون من أم سورية وأب أجنبي أو سوري مجهول. وكانت القوانين السورية قبل الثورة تتيح للأم السورية منح الجنسية لأولادها عبر آليات قانونية وأحكام خاصة. وتتضارب المعلومات حول عددهم، ففي حين تحدثت وسائل إعلام النظام عن أن عدد هؤلاء يصل إلى 300 طفل، تقول مصادر المعارضة بأن عددهم أكبر من ذلك بكثير، وربما يصل إلى أكثر من ألف، ولا يُعرف حتى الآن ما إذا كانوا سيتم إيواؤهم في دور الأيتام أو يبقون بحضانة الأم.
ويختلف وضع هؤلاء قانوناً عن «مكتومي القيد» المعروف آباؤهم وأمهاتهم، كما يختلف وضعهم عن الأطفال من آباء وأمهات غير سوريين وولدوا على الأراضي السورية، مثل أطفال المقاتلين في التنظيمات المتشددة، ولا يحصل هؤلاء على الجنسية إلا وفق استثناءات تمنح من أعلى السلطة.
وتنظر المعارضة إلى النقاشات الآن على أنها «سياسية» بما يتخطى الجانب القانوني أو الإنساني. ويقول عضو اللجنة القانونية في الائتلاف الوطني السوري المعارض هشام مروة بأن آلية طرح القوانين في المجلس تتم عبر تحضير مشروع قانون جاهز في اللجان التشريعية في القصر الجمهوري، وتتم مناقشته شكلياً في مجلس الشعب، لأن آلية تقديم مشاريع قوانين مشابهة في سوريا «لا تأتي من التكتلات البرلمانية»، فضلاً عن أن الوزارات في سوريا «لها وزارات ظل في داخل السلطة العميقة، وعادة ما يعبر القانون بشكل جاهز إلى مجلس الشعب لمناقشته وإقراره».
وقال مروة لـ«الشرق الأوسط»: «إذا طرح في مجلس الشعب، يعني أن هناك قراراً اتخذ بتسوية أوضاعهم، وغالباً ما يكون الاتجاه لإقرار القانون»، لكنه أكد أن هذا الملف «له بعد سياسي متصل باستدراج موقف دعم دولي لرئيس النظام السوري بشار الأسد، حيث سيستفيد منه دولياً بالنظر إلى أن الملف متصل بالإرهاب».
وأوضح مروة أن قضية أطفال المقاتلين الأجانب في صفوف التنظيمات المتطرفة «هي محل سجال في الدول العربية، وانقسام بين الأوروبيين بين فريق لا يمانع منحهم الجنسية، وبين معارض له، وهي مسألة حساسة»، لافتاً إلى أن «قضايا كثيرة موجودة أمام القضاء الفرنسي من هذا النوع يتم النظر فيها، وهي محل انقسام». وقال: «القضية بهذا العدد الضئيل لا تتصل برعاية الأيتام الآن، كونها تحتل المرتبة الثالثة من الأولويات في سوريا التي يتصدرها ملف المعتقلين والتسرب المدرسي والنازحين»، ورأى أنها قضية لاستدراج نقاش مع الدول الأوروبية حولهم كون الدول الأوروبية متضررة من هذا الملف، فيما «يعتبر مجلس الشعب منصة تشريعية لتمرير مشاريع يريدها الأسد أو للبحث فيها لأهداف سياسية غير تشريعية».
ويُنظر إلى هذا الملف على أنه واحد من تداعيات الحرب السورية، وهي جزء من مشكلة الأطفال غير المسجلين، وأطفال آخرين ولدوا نتيجة زيجات بين مقاتلين أجانب ونساء سوريا، إضافة إلى أطفال ولدوا في منطقة الرقة نتيجة زيجات مختلفة بين عناصر تنظيم داعش ونساء سوريا أو أجنبيات.
وقال الناشط في منصة «الرقة تذبح بصمت» أبو محمد الرقاوي لـ«الشرق الأوسط» بأن التقديرات تقول بأن الأطفال الذين ولدوا نتيجة زيجات بين المقاتلين الأجانب والنساء السوريات أو الأجنبيات «يتراوح عددهم بين 150 و300 طفل مجهول النسب من آباء لا تعرف أسماؤهم الحقيقية». وقال بأن هؤلاء «يتوزعون بين مخيمات على أطراف الرقة، وآخرين في تركيا، فضلاً عن أن هناك أمهات وعائلات رفضت التصريح عن الأطفال عندهم، وهناك عائلات لديها أكثر من طفل مجهول الهوية وربما اثنان أو ثلاثة».
وأكد الرقاوي أن «النظام لا يراعي أي شيء بخصوص هذا الملف»، لافتاً إلى أن «الرقة تذبح بصمت» أرسلت كتاباً في وقت سابق إلى الأمم المتحدة: «ولم نتلق رداً يتضمن أي حل». وقال بأن «أغلبية الأطفال لم تصل أعمارهم إلى 6 سنوات بعد، ما يعني أن هؤلاء سيعانون من مشكلة الالتحاق بالمدارس»، لكنه لفت إلى احتمال «أن يُسجل بعض الأطفال على أسماء آباء آخرين». وجزم بأنه «حتى الآن لا حلول واضحة من قبل الأمم المتحدة ولا من قبل النظام».
وثارت خلافات بين عدد من أعضاء المجلس على خلفية مسودة قانون مطروح يدور حول حقوق مجهولي النسب، ورعايتهم من قبل الدولة. ووصف نواب سوريون نسبة من مجهولي النسب بأنهم «أطفال جهاد النكاح»، في إشارة إلى أبناء عناصر تنظيم داعش، الذين فقدوا آباءهم.
ووافق أعضاء المجلس على عدد من المواد منها المادة 14 التي تشير إلى أن «مجهول النسب» يبقى في دار الرعاية حتى يتم الـ18 من العمر، ويصبح قادرا على الاعتماد على نفسه وكسب عيشه، ويجوز لإدارة الدار بعد موافقة المديرية التابعة لها تمديد استضافته بعد إتمامه الثامنة عشرة من عمره لمدة سنة قابلة للتجديد على ألا تتجاوز مدة التمديد سبع سنوات.
وازدادت أعداد الأطفال مجهولي النسب في المناطق التي شهدت صراعات في سوريا. وكانت آخر إحصائية لوزارة الشؤون الاجتماعية بداية عام 2018 عن تجاوز عدد الأطفال مجهولي النسب المسجلين 300 طفل، لكن هذه الأرقام «ليست دقيقة»، بحسب المعارضة، في ظل عمليات النزوح الجماعي بسبب الأعمال العسكرية، وما تسببه من تشتت للعائلات في مناطق تحكمها قوى متصارعة. وذكرت شبكة «عنب بلدي» أنه في حلب مثلاً، أحصت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) 324 طفلاً غير مصحوبين أو منفصلين عن ذويهم. وأحيل الأطفال إلى بيوت مؤقتة آمنة، بينما تسعى «يونيسيف» مع شركائها من المنظمات المحلية غير الحكومية لاقتفاء أثر الأبوين، أو أقرب الأقارب الباقين على قيد الحياة، أو أفراد الأسرة الممتدة، بحسب تقرير نشرته المنظمة عام 2017. على خلفية المعارك في أحياء حلب الشرقية، التي انتهت بسيطرة النظام السوري عليها في أواخر العام 2016.
قلق بين السوريين من مناقشة قانون «مجهولي النسب»
المعارضة تقول إن دمشق تريد «التفاوض بملف حساس» مع أوروبا
قلق بين السوريين من مناقشة قانون «مجهولي النسب»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة