أهالي منبج بانتظار خريطة الطريق التركية ـ الأميركية

المدينة السورية أصبحت متعددة السيطرة منذ سنتين

مارة في مركز مدينة منبج شمال سوريا الأسبوع الماضي (أ.ف.ب)
مارة في مركز مدينة منبج شمال سوريا الأسبوع الماضي (أ.ف.ب)
TT

أهالي منبج بانتظار خريطة الطريق التركية ـ الأميركية

مارة في مركز مدينة منبج شمال سوريا الأسبوع الماضي (أ.ف.ب)
مارة في مركز مدينة منبج شمال سوريا الأسبوع الماضي (أ.ف.ب)

في سوق مدينة منبج الواقعة على بعد 80 كيلومتراً شمال شرقي حلب، تبدو الحياة شبه طبيعية. تعالي أصوات الباعة وحركة تجارة اعتيادية مترافقة مع توفر السلع والمواد الغذائية وبأسعار منافسة، سكان المدينة يتبضعون حاجاتهم قبل أيام من عيد الفطر، غير أن الانتظار القلق يخيم على نشاطهم اليومي، بعد أن أعلنت الولايات المتحدة الأميركية وتركيا بداية الشهر الحالي، التوصل إلى خريطة طريق مشتركة تتعلق بمصير منبج، المنقسمة بريفها ومركزها، بين 3 سلطات مختلفة.
لم يخفِ وليد (48 سنة) وهو صاحب محل صاغة ذهب وصرافة العملات، تواتر حركة البيع والشراء منذ بداية الشهر الحالي، بعد التفاهمات الأميركية - التركية بانتظار خريطة الطريق، وقال: «حالة الترقب والحذر تسود بين سكان المدينة، فالناس تخشى من حرب ثانية، وهذا تفكير منطقي، لأن تركيا تهدد وقوات النظام لا تبعد سوى بضعة كيلومترات، الجميع ينتظر ما تفرزه الأيام المقبلة».
وأعلنت الولايات المتحدة الأميركية وتركيا بداية الشهر الحالي، التوصل إلى خريطة طريق مشتركة تتعلق بمصير منبج، بعد لقاء جمع وزيري الخارجية مولود جاويش أوغلو ومايك بومبيو في واشنطن، ونص الاتفاق بين الجانبين على مغادرة مقاتلي (وحدات حماية الشعب) الكردية مدينة منبج خلال 30 يوماً، وتسيير دورات مشتركة بين البلدين لمراقبة المدينة لمدة 45 يوماً، وإنشاء حكومة محلية خلال شهرين بدءاً من تاريخ الاتفاق.
ضمن هذه الأجواء، يتابع المزارع عدنان الحمود (47 سنة) الأخبار المتسارعة حول مصير مدينته منبج، فهو معني بها، منذ أغسطس (آب) 2016 بعد أن توزعت أرضه في قرية محسلني وتبعد نحو 17 كيلومتراً شمال غربي منبج، بين قوات «مجلس منبج العسكري» المدعومة من التحالف الدولي بقيادة واشنطن، وفصائل «درع الفرات» المدعومة من تركيا.
وكما بات نهر الساجور نقطة تماس فاصلة بين مناطق سيطرة كل جهة عسكرية قبل عامين، فقد قسم أرض المزارع عدنان التي تبلغ مساحتها 100 دونم وتتوزع بين ضفتي النهر، يخضع كل جزء منها لجهة عسكرية على عداء مع الجهة المقابلة. وعلى الرغم من تنقله بين أرضه عبر طريق فرعية ترابية تخضع للرقابة والتفتيش بشكل يومي، يضيف عدنان: «اعتدنا على الوضع الجديد الذي أفرزته الحرب، كل ما أخشاه أن يبقى الحال كما هو عليه لسنوات، أتمنى عودة الحياة لشكلها الطبيعي وأتجول بين أرضي وقريتي دون قيود». وتحوّلت مدينة منبج وريفها إلى مسرح للقاء الأطراف الخارجية والداخلية الفاعلة بالحرب الدائرة في سوريا منذ 7 سنوات. ويتولى الجيش الأميركي وجنود من الجيش الفرنسي مهمة الفصل بين قوات «مجلس منبج» و«سوريا الديمقراطية» المتحالفة معها من طرف، و«فصائل درع الفرات» المدعومة من تركيا من طرف ثانٍ، والقوات النظامية الموالية للأسد والجيش الروسي من طرف ثالث.
وعلى طول الضفة الشرقية لنهر الساجور، تتجول دوريات مشتركة من الجنود الأميركيين والفرنسيين بشكل يومي لمراقبة خطوط التماس، ويصف عدنان الحياة في قريته بقوله: «حياتنا أشبه بمعسكر مغلق. من الغرب تشاهد قاعدة عسكرية وعلماً تركياً يرفرف فوقها. فيما شرقاً تجد قاعدة أميركية وجنوداً فرنسيين». يبتسم الرجل ويقول مازحاً: «سابقاً كّنا نعرف بعض كلمات من اللغة التركية بمساعدة جيراننا التركمان، بعدها صرت أفكر كيف أتعلم الإنجليزية، لكن اليوم يبدو أننا بحاجة لأن نتعلم جميع اللغات، للتفاهم من كل هؤلاء الجنود المنتشرين على ضفتي النهر».
ويخضع مركز مدينة منبج ومعظم ريفها، منذ سنتين، لنفوذ «مجلس منبج العسكري»، والأخير ينضوي تحت راية «قوات سوريا الديمقراطية»، في حين تخضع بلدتا الخفسة ومسكنة (35 كيلومتراً جنوب) لسيطرة القوات النظامية الموالية للأسد، فيما تخضع الضفة الغربية لنهر الساجور والقرى المحاذية لها لسيطرة فصائل «درع الفرات». بيد أنّ «مجلس منبج العسكري» رفض انتشار الجيش التركي، وقال في بيان نشر في السادس من الشهر الحالي: «ننتظر تفسيرات وتوضيحات من التحالف الدولي بشأن تفاصيل الاتفاق الذي توصلت إليه أنقرة وواشنطن»، وبحسب البيان، فإن المدينة «في حالة استقرار تام في ظل وجود المؤسسات المدنية والقوات العسكرية المكونة من أهالي المنطقة من العرب والأكراد إلى جانب قوات التحالف الدولي».
ويقول دحام (32 سنة) المتحدر من منبج، إن مجلسها العسكري مشكل من أبناء المدينة، ويزيد: «منذ سنتين ننعم بالأمان والاستقرار. المزاج العام مع بقاء المدينة تحت سلطة إدارة مدنية من أبنائها، لا نريد دخول فصائل (درع الفرات) ولا قوات النظام».
أما هبة (23 سنة) التي اضطرت إلى توقيف دراستها الجامعية وكانت طالبة في السنة الثانية بكلية التربية جامعة حمص، بسبب تموضع كل جهة عسكرية وسيطرتها على الطرق المؤدية إلى جامعتها، فقالت: «قبل سنتين، كانت منبج محاصرة وممنوع خروج النساء إلا مع محرم بسبب قوانين (داعش)، أما اليوم فحواجز النظام تدقق وتفيش كل اسم ينوي السفر إلى حلب، وأخي مطلوب للجيش وأخشى استجوابي ومضايقتي»، وعبرت هبة عن موقفها حول مصير مسقط رأسها بالقول: «مثلنا مثل باقي السوريين، ننتظر حلاً شاملاً ينهي هذه التقسيمات العسكرية». وبحسب السلطات المحلية في منبج، يعيش في المدينة ومحيطها نحو 600 ألف شخص، يشكل العرب السنة أغلبية سكان منبج، إلى جانب الأكراد والتركمان والشركس والأرمن، حيث أصبحت ملاذاً آمناً لاستقبالها النازحين من باقي المناطق التي تعرضت للدمار والخراب جراء الحرب المستعرة في سوريا.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».