بولا يعقوبيان لـ«الشرق الأوسط»: لبنان محكوم بعقلية نهب الدولة

تفضل ممارسة دور المعارضة من خارج سرب التكتلات

بولا يعقوبيان في جلسة البرلمان اللبناني لانتخاب رئيس الشهر الماضي (أ.ف.ب)
بولا يعقوبيان في جلسة البرلمان اللبناني لانتخاب رئيس الشهر الماضي (أ.ف.ب)
TT

بولا يعقوبيان لـ«الشرق الأوسط»: لبنان محكوم بعقلية نهب الدولة

بولا يعقوبيان في جلسة البرلمان اللبناني لانتخاب رئيس الشهر الماضي (أ.ف.ب)
بولا يعقوبيان في جلسة البرلمان اللبناني لانتخاب رئيس الشهر الماضي (أ.ف.ب)

شنّت النائب بولا يعقوبيان هجوماً عنيفاً على الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان، متهمة إياها بأنها «صاحبة العقل القائم على فكرة نهب الدولة، على حساب الناس وصحتهم وبيئتهم». ورأت أن بعض المسؤولين بمن فيهم وزير الخارجية جبران باسيل «يصنّف المواطنين بين فئة جيدة وأخرى دنيا، ويتعاطى معهم على أساس الطائفة لا المواطنة»، رافضة الاتهامات التي تساق ضدّها بـ«الخيانة ونكران الجميل». وذكّرت بأنها دافعت لسنوات طويلة عن الحريري، كونه شخصية محببة ومؤمنا بفكرة لبنان الواحد، انطلاقاً من إيمانها بقدرته على إنجاز التغيير.
ولا تزال يعقوبيان تغرّد خارج سرب الكتل النيابية الكبرى سواء الحزبية أو المستقبلّة، وتفضّل العمل بمفردها، وأكدت في مقابلة أجرتها معها «الشرق الأوسط»، أن صوتها «لن يكون مجرّد صرخة في وادٍ»، وأعلنت أنها بدأت توجيه أسئلة لوزراء في الحكومة حول أدائهم في وزاراتهم، وكشفت عن توجيهها سؤالاً بواسطة رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى وزير البيئة طارق الخطيب، يتعلّق بمكبّ برج حمود للنفايات، لكون وزارته هي المخولة مراقبة هذا الملف، مشيرة إلى أنها منكبّة على «إعداد اقتراحات قوانين تحتاج إلى نائب واحد، يمكن أن يكون صوتها مؤثرا أكثر ممن يقفون بالصفّ».
وطالما أن أربعة أو خمسة شخصيات يقررون كلّ شيء في لبنان والباقون يبصمون على قراراتهم بحسب تعبير النائب الآتية من عالم الصحافة والإعلام، فلا داعي للالتحاق بهذا الفريق أو ذلك. وعبرت عن أسفها لأن «الأحزاب السياسية تخوض معاركها وفق مصالحها، وهي لا تختلف مع بعضها إلا على المسائل المتعلقة بالحصص والمكاسب الذاتية». وقالت: «سأمارس دوري النيابي كاملاً في الدفاع عن حق المواطن بالصحة والبيئة والحياة الكريمة، ومنع استمرار التلوث، وأعتقد أنه لا يهم إن كان من يقوم بذلك نائب واحد أو أكثر، المهم نوعية العمل ونتائجه».
ولم تجد بولا يعقوبيان أي خلاف بين القوى والكتل الكبرى على مقاربة الخيارات السياسية والاستراتيجية، وهي تعتقد أن «الصراع القائم بينها الآن هو صراع على المغانم والصفقات، وهم لا ينكرون ذلك، وكلّ منهم يتحدث عن حجمه». وأردفت «لدينا وزير خارجية (جبران باسيل) يشبّه بعض الطوائف بـ«حبّة الكرز فوق قطعة كاتو»، أو مجرّد رشّة بهارات في الطعام، وهذا أمر معيب أن يتعاطى المسؤول مع اللبنانيين حسب طوائفهم وأعدادهم». وشددت على أن «المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات، وليس هناك مواطن درجة ممتازة ومواطن درجة أولى وآخر درجة ثانية أو ثالثة وما دون، هذه الأفكار تسيء للوطن قبل أن تسيء للمواطن».
وخلال المعركة الانتخابية والمشاورات النيابية التي أجراها رئيس الجمهورية ميشال عون، واجهت النائب المنتخبة عن المقعد الأرمني في دائرة بيروت الأولى (الأشرفية)، انتقادات لاذعة من جمهور تيّار «المستقبل» على خلفية رفضها تسمية الرئيس سعد الحريري لتشكيل الحكومة الجديدة، وذهب البعض حدّ اتهامها بـ«الخيانة ونكران الجميل»، لكونها عملت لأكثر من عشر سنوات في تلفزيون «المستقبل» وكانت تربطها علاقة جيدة بالحريري شخصياً، لكنّ يعقوبيان سارت إلى دحض كل هذه الاتهامات، أكدت أنها كانت «وفيّة إلى أقصى الحدود للرئيس الحريري طوال فترة العمل كإعلامية في تلفزيون المستقبل». وقالت: «طيلة هذه السنوات قمت بواجباتي على أكمل وجه، وكنت إلى جانب الرئيس الحريري، خاصة أني كنت أؤمن بأن هذا التيار (المستقبل) يمكن أن يكون تيار الوطن الواحد والشعب الواحد، وعلى هذه الأسس كنت أثق بأن الحريري هو الشخص الملائم في التركيبة السياسية الموجودة، وكنت مؤمنة أؤمن بقدرته على إنجاز تغيير ما».
وفيما لم تصوّب يعقوبيان على الحريري شخصياً، لم توفر بعض المحيطين به من هجومها اللاذع، بقولها «كان لدي توجس من بعض الفريق المحيط بالرئيس الحريري، لا سميا بعض رجال الأعمال الذين لا يهمهم سوى جني الأموال حتى لو أتت هذه الأموال من سرقات ونهب وفساد». وأشارت إلى أن هناك «الكثير من المسائل التي لم أوافق عليها لكن في الخطوط العريضة إن شخصية الرئيس الحريري المحببة وطيبته، إضافة إلى كونه مع المواطن ومع فكرة لبنان الواحد، جعلني أقف إلى جانبه في بعض المسائل السياسية»، رافضة ما يلصق بها من تهمة الخيانة، وتتابع: «كنت صحافية في تلفزيون «المستقبل» وعملت فيه لسنوات من دون أجر، لأنه كان يمرّ بأزمة مالية، وحينها تلقيت الكثير من العروض المغرية من محطات لبنانية وعربية، لكني لم أترك «المستقبل» في محنته». وأردفت «لقد تركت هذا الفريق في أوج قوته، بعد أن انتهت أزمة استقالة الرئيس الحريري وعاد إلى لبنان، في هذه اللحظة وجدت أنني أستطيع أن أغادر وأترجم قناعاتي».
ولم يكن عزوفها عن تسمية الحريري نابع من قرارها الشخصي، إنما ترجمة لتوجهات المجتمع المدني الذي تمثّله، والذي خاضت الانتخابات باسمه، وبرأي بولا يعقوبيان إن «ما تريده الطبقة السياسية برمتها غرف ما تبقى من خيرات لبنان، في حين أنها لا تقدّم شيئا للمواطن». وتعطي مثالاً صارخاً على ذلك، وتشدد على أن هذا المرسوم الجديد «يمثّل فضيحة كبرى لأنه انتقى مجموعة من المتمولين ومنحهم الجنسية من دون معرفة المعايير التي ارتكز إليها». وسألت «كيف لا يحق للأم اللبنانية أن تعطي الجنسية لأولادها الذين يعيشون مأساة حقيقية، فيما نهديها لنافذين من دون أي مبرر».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.