ملامح التفاف سنّي حول الحريري يتخطى صراع الانتخابات

رئيس الوزراء سعد الحريري... داخل مبنى البرلمان في بيروت (رويترز)
رئيس الوزراء سعد الحريري... داخل مبنى البرلمان في بيروت (رويترز)
TT

ملامح التفاف سنّي حول الحريري يتخطى صراع الانتخابات

رئيس الوزراء سعد الحريري... داخل مبنى البرلمان في بيروت (رويترز)
رئيس الوزراء سعد الحريري... داخل مبنى البرلمان في بيروت (رويترز)

التطورات المتسارعة التي يشهدها لبنان، بدءاً من مخاض تأليف الحكومة العتيدة، وانتهاء بالملف الاقتصادي الضاغط، والتهديدات الأمنية الداخلية والخارجية، يبدو وكأنها حملت القوى السياسية على طي صفحة الانتخابات النيابية بكل خلافاتها، وتسهيل مهمّة الرئيس سعد الحريري في تشكيل الحكومة الجديدة. ومما لاحظه مراقبون التفاف قوى وشخصيات سنّية مستقلة أو منخرطة في معسكر «8 آذار» حول الحريري، وإعلان دعمها الصريح له في مهمّة تشكيل الحكومة.
وفي حين لفت البعض دعم سنّيي «8 آذار»، الذي تجلّى في تسميته رئيساً للحكومة الجديدة، وإعلان الرغبة بالتعاون معه في المرحلة المقبلة، عبّرت مصادر مقربة من الرئيس سعد الحريري، عن ارتياحها للإيجابية التي تبديها الشخصيات السنّية الموجودة خارج اصطفاف تيّار «المستقبل» وقوى «14 آذار»، معتبرة في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن «هذه الشخصيات بدأت تتعاطى مع الواقع الذي أفرزته الانتخابات النيابية، وكرّست الحريري زعيماً مطلقاً للطائفة السنيّة».
ووصفت مصادر الحريري هذا الموقف بأنه «جيد، ويدلّ على وعي سياسي وعدم مكابرة، ويعبّر عن رغبة بتقوية موقع رئاسة مجلس الوزراء».
ورأت أن ذلك «قد يؤدي إلى فتح صفحة جديدة في العمل السياسي؛ لكنّ الأهم ألا تكون العملية محاولة إحراج لرئيس الحكومة، ومجرّد دعم لفظي يقابله إحراج سياسي».
جدير بالذكر، أن قيادات وشخصيات سنيّة كانت قد خاضت معارك انتخابية شرسة ضدّ الحريري وتيار «المستقبل» خلال الاستحقاق الانتخابي الذي شهده لبنان في السادس من مايو (أيار) الماضي، إلا أنها عادت وسمّت الأخير رئيساً للحكومة، أبرزها رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي والنائب فؤاد مخزومي، وشخصيات سنيّة تتموضع في معسكر «8 آذار»، منها الوزيران السابقان عبد الرحيم مراد، وفيصل كرامي، والنائب عدنان طرابلسي، المنتمي إلى «جمعية المشروعات الإسلامية»، التي تعرف باسم بـ«الأحباش».
في المقابل، على الرغم من الإيجابية التي تطبع هذه المواقف، فإن الحريري وفريقه يرفضان أي دعم مشروط أو خاضع للمساومة والابتزاز السياسي. وحسب رأي المصادر المقربة من الحريري: «إذا كان الدعم عن قناعة سياسية فهذا شيء إيجابي، أما إذا كان للمبارزة والإحراج ووضع شروط مسبقة في مسألة تأليف الحكومة، وربطه بتوزير أشخاص، فإن ذلك يوصل إلى نتيجة سلبية». ومن ثم، أملت المصادر في «أن يكون الدعم عن قناعة من أجل تعزيز الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي».
ورأت أن «هذا النهج من التعاون الصادق وغير الخاضع للمساومات يعزز مدّ الجسور مع الجميع، خصوصاً أن الرئيس الحريري أثبت أنه رجل التسوية والحوار والتواصل بين كلّ الطوائف، فكيف بالحري مع مكوّنات الطائفة السنّية».
هذا، وكان رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي - على رأس كتلته المكونة من أربعة نواب - أولى الشخصيات السنيّة التي سارعت إلى تسمية الحريري رئيساً للحكومة، رغم المواجهة الانتخابية الشرسة التي دارت بينهما في دائرة الشمال الثانية، وحملات التخوين والاتهامات المتبادلة بين الطرفين.
واعتبر خلدون الشريف، المستشار السياسي لميقاتي، لـ«الشرق الأوسط»، أن دعم الأخير للحريري ليس غريباً عن سلوكه. وأكد أن «الرئيس ميقاتي يتخذ هذا الخيار؛ لأنه يعتبر نفسه حارس مرمى صلاحيات رئاسة الحكومة». وتابع الشريف: «لم يتردد الرئيس ميقاتي في تسمية الحريري رئيساً للحكومة العتيدة؛ لأنه يعتبر أن رئيس الحكومة يفترض أن يصل قوياً إلى هذا الموقع بنسبة تأييد نيابية كبيرة، توازي النسبة التي انتخبت الرئيس نبيه برّي لرئاسة البرلمان، والتي انتخبت العماد عون لرئاسة الجمهورية».
ويعطي الشريف تفسيراته السياسية لتبدّل موقف رئيس الحكومة السابق من الحريري فور انتهاء الانتخابات مباشرة، ويشير إلى أن الرئيس ميقاتي «يمثل عمقاً سنياً ووطنياً كبيراً، وهو حريص على أن يبقى موقع رئاسة الحكومة قوياً. وبالتالي، فهو سيتعاون مع الحريري تحت هذه العناوين»، مذكراً بأن ميقاتي «سبق وقال للحريري لن تكون هناك عداوة بيننا، وكل خطوة تخطوها نحوي، سأقابلها بخطوتين». وأردف الشريف: «نتوقّع أن يقابل الحريري الإيجابية بالإيجابية نفسها».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.