وضع النجاح المفاجئ والسريع لعملية إسقاط حكومة ماريانو راخوي اليمينية الأمينَ العام للحزب الاشتراكي الإسباني بيدرو سانتشيث في وضع معقّد ومحفوف بالمخاطر لا سابق له في تاريخ الديمقراطية الإسبانية. وحدها الكتلة الاشتراكية في البرلمان (24 في المائة) هي التي أيّدت وصوله إلى رئاسة الحكومة، فيما صوّتت الأحزاب الأخرى لإسقاط راخوي طمعاً بابتزاز حكومة ضعيفة يشكّلها سانتشيث أو استعجالا لإجراء انتخابات مبكرة تعزز فيها مواقعها.
ويبقى التحدّي الانفصالي في طليعة الملفات الشائكة التي على سانتشيث أن يتصدّى لها خلال فترة لا تتجاوز السنتين قبل نهاية ولاية البرلمان الحالي والانتخابات العامة المقبلة. وليس مستبعداً أن يفتح القوميّون الباسكيون جبهة انفصالية أخرى في المشهد السياسي الإسباني، رغم التفاهم الذي تمّ بين الحزب القومي الباسكي والحزب الاشتراكي لتأييد طلب سحب الثقة من حكومة راخوي مقابل التعهّد بالحفاظ على الامتيازات المالية الإضافية التي كان راخوي قد منحها لهم لدعمه في الوصول إلى الحكومة.
وتشير مصادر إلى أن الحزب القومي الباسكي سيسعى إلى استغلال حاجة حكومة سانتشيث لكل صوت مؤيد في البرلمان للحصول على امتياز الإدارة الإقليمية لصندوق الضمان الاجتماعي الذي عارضته كل الحكومات المركزية السابقة. ولا يستبعد مراقبون أن يكون القوميون الباسك بصدد الإعداد للمطالبة باستقلال المقاطعات الباسكية في إسبانيا وفرنسا، بعد أن أعلنت منظمة «إيتا» مؤخرا حلّ نفسها وتسليم أسلحتها.
أما على الجبهة الكاتالونية، فإن التحدّي يبدو على أشده في ضوء التصريحات الأخيرة التي صدرت عن الرئيس الجديد للحكومة الإقليمية (الجنراليتات)؛ حيث دعا سانتشيث إلى «التحلّي بسعة الأفق والجرأة للبدء في حوار بين النظراء»، مشترطاً أن ينطلق الحوار من مسلّمة التوصل إلى صيغة مقبولة من كل الأطراف لقيام الجمهورية الكاتالونية المستقلة.
يُذكر أن سانتشيث كان قد أعلن قبل التصويت على طلب سحب الثقة، أنه سيحرص على تطبيق أحكام الدستور، رافضا أي صفقة أو مقايضة مع الأحزاب الانفصالية التي أيدت إسقاط حكومة راخوي.
وقد جاءت التشكيلة الحكومية التي قدّمها سانتشيث إلى الملك فيليبي السادس في قصر الثرثويلا حافلة بالمفاجآت والرسائل السياسية القوية؛ إذ زاد فيها عدد النساء على عدد الرجال للمرة الأولى في حكومة إسبانية أو أوروبية. وللمرة الأولى أيضا تتولى النساء معظم الحقائب الأساسية في الحكومة، مثل الاقتصاد والمال والعمل، إضافة إلى نيابة واحدة للرئاسة تتولاها كارمن كالفو المكلّفة أيضا حقيبة المساواة والعلاقات مع البرلمان. وتعكس هذه الخطوة تجاوباً مع المظاهرات الحاشدة التي شهدتها إسبانيا مؤخرا مطالبة بالمساواة بين الرجال والنساء اللاتي يشكلّن غالبية الذين يصوّتون تقليديّا للحزب الاشتراكي.
ويتولّى حقيبة الخارجية الكاتالوني جوزيب بورّيل، وهو من السياسيين المخضرمين في الحزب الاشتراكي، وسبق له أن كان رئيسا للبرلمان الأوروبي وتولّى حقيبتي الأشغال العامة والمال في عهد رئيس الوزراء الأسبق فيليبي غونثاليث. وكان بورّيل، الذي يعارض انفصال كاتالونيا بشدة، من القلائل بين القادة التاريخيين للحزب الاشتراكي الذين أيدّوا سانتشيث عندما أُزيح عن قيادة الحزب عام 2016.
ويُعد تكليف ناديا كافينيو حقيبة الاقتصاد مؤشرا على التوجّه التقشفي الذي ستنهجه حكومة سانتشيث في فترة يحتاج فيها الاقتصاد الإسباني إلى ترسيخ انتعاشه بعد الأزمة الأخيرة، وتدعيم نموّه الذي تجاوز معدّله في العامين الماضيين معظم المعدلات الأخرى في منطقة اليورو.
ومن المفاجآت الأخرى في التشكيلة الحكومية تكليف رائد الفضاء بيدرو دوكيه حقيبة العلوم والتكنولوجيا الحديثة، وهو معروف بحملاته لزيادة مخصصات البحوث العلمية واستبقاء العلماء والباحثين الإسبان في المراكز والمؤسسات الوطنية.
وعلى صعيد متصل، أكد راخوي أنه سيعتزل السياسة «نهائياً» بعد إعلانه الثلاثاء الماضي أنه يعتزم التخلي عن رئاسة الحزب الشعبي بعد أن حجب البرلمان الثقة عن حكومته. وصرّح راخوي، البالغ 63 عاماً، لإذاعة خاصة: «أعتزم اعتزال السياسة نهائيا، هناك أمور أخرى يجب القيام بها في الحياة بدلا من تكريس أنفسنا للسياسة». وأضاف، في تصريحات نقلتها وكالة الصحافة الفرنسية: «خضت معترك السياسة بوتيرة عالية، وأعتقد أنه لا معنى لإطالة الأمر، وأعلن الآن أنني لن أترشح في مؤتمر لحزب». وأعلن راخوي أول من أمس أنه يعتزم التخلي عن رئاسة «الحزب الشعبي»، بعد أن أقر البرلمان الجمعة الماضي مذكرة لحجب الثقة عن حكومته قدمها الحزب الاشتراكي.
ويترأس راخوي الذي انتُخب نائباً للمرة الأولى عام 1981 في برلمان مسقط رأسه غاليسيا، الحزب المحافظ منذ 2004، كما تولى رئاسة الحكومة الإسبانية منذ ديسمبر (كانون الأول) 2011 حتى عزله الجمعة الماضي. ونجا في عهده الحكومي من أزمات كثيرة، بدءا من الركود الاقتصادي الذي أخرج البلاد منه عبر سياسة تقشف قاسية؛ مرورا بالجمود السياسي عام 2016، وصولا إلى محاولة انفصال كاتالونيا العام الماضي. إلا أنه لم ينجُ من مذكرة حجب الثقة التي توقع عدد قليل من المحللين إقرارها وحملت الاشتراكي بيدرو سانتشيث إلى الحكم.
حكومة إسبانية ضعيفة تفتح شهية الحركات الانفصالية
راخوي يعلن اعتزال السياسة «نهائياً»
حكومة إسبانية ضعيفة تفتح شهية الحركات الانفصالية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة