مصراتة وتاورغاء تنهيان اليوم 7 سنوات من العداء

توقيع مرتقب لميثاق مصالحة يمهد لعودة 40 ألف نازح إلى ديارهم

عدد من نازحي تاورغاء يتناولون الإفطار بمخيم قرارة القطف («الشرق الأوسط»)
عدد من نازحي تاورغاء يتناولون الإفطار بمخيم قرارة القطف («الشرق الأوسط»)
TT

مصراتة وتاورغاء تنهيان اليوم 7 سنوات من العداء

عدد من نازحي تاورغاء يتناولون الإفطار بمخيم قرارة القطف («الشرق الأوسط»)
عدد من نازحي تاورغاء يتناولون الإفطار بمخيم قرارة القطف («الشرق الأوسط»)

توشك مدينتا مصراتة وتاورغاء المتجاورتان بغرب ليبيا على توقيع ميثاق للمصالحة اليوم (الأحد)، ليطوي بذلك نحو 40 ألف «تاورغائي» أكثر من سبع سنوات من العداء التاريخي، والنزوح في أنحاء البلاد منذ مقتل الرئيس الراحل معمر القذافي.
ويأتي الاتفاق، الذي أشرفت عليه لجنة الحوار من الجانبين، وسط اعتراض أعيان ومشايخ تاورغاء على بنوده، إذ قال ناصر أبديوي، أحد مواطني المدينة لـ«الشرق الأوسط» إن بنود الميثاق «لا تلق قبولاً لدى أبناء مدينتي، ولا تعبر عن حجم معاناتهم طوال السنوات الماضية».
ونزح قرابة 40 ألف مواطن من تاورغاء عن ديارهم بعد إضرام النيران فيها بسبب خلافات مع مصراتة، (200 كيلومتر شرق العاصمة) تعود إلى عصر النظام السابق. وكانت تاورغاء من القوى الداعمة والعاملة مع القذافي أثناء حكمه. لكن فور إسقاطه هاجمت كتائب مصراتة المدينة، عقاباً لها على اتهامات سابقة بـ«الاعتداء على مدينتهم واغتصاب نسائها». لكن أبديوي قال في تصريحات سابقة لـ«الشرق الأوسط» إن «هذه الاتهامات باطلة... وشباب تاورغاء كانوا يعملون مع (الشعب المسلح)، وليس مع قوات القذافي... كنا مع الوطن وما زلنا».
وأكد أسامة بادي، الناطق باسم مجلس مصراتة البلدي، أنه ستتم مراسم توقيع ميثاق الصلح بين المدينين اليوم، والبدء في ترتيبات دخول المواطنين إلى ديارهم، في إطار ما تم التوصل إليه من اتفاق موقع بين لجنتي الحوار وبلدية مصراتة ومحلي تاورغاء، والمُصدق عليه من رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فائز السرّاج.
وقال بادي في بيان أمس إنه تم توجيه الدعوة لعدد كبير من المسؤولين والمنظمات المحلية والدولية لحضور التوقيع، من بينهم رئيس البعثة الأممية لدى ليبيا غسان سلامة، وعمداء البلديات، ومجالس الأعيان والحكماء، ومشايخ القبائل من كل ربوع البلاد، لافتاً إلى أن الاتفاق «سيكون خطوة على طريق المصالحة الوطنية الشاملة، ولبنة من لبنات الحوار الليبي - الليبي الناجح».
من جهته، أعلن يوسف جلالة، وزير الدولة لشؤون المهجرين والنازحين بحكومة الوفاق، أنه سيجري بالفعل توقيع ميثاق الاتفاق اليوم، لكنه قال إن «بعض الأطراف في تاورغاء ترفض بنود الاتفاق، فيما توافق عليه أطراف أخرى».
وأضاف جلالة، وفقاً لـ«بوابة أفريقيا»، أن «المساعي مستمرة لإقناع الأطراف الرافضة، التي قد يؤدي موقفها إلى عرقلة توقيع الاتفاق»، مشيراً إلى أن «موعد عودة النازحي إلى ديارهم، وآلية تأمين العائدين، لا تزال من النقاط الخلافية».
واعتبر أبدوي الميثاق الذي سيتم التوقيع عليه بأنه «نموذج للخزي والعار... فأهالي وأعيان المدينة ضد التوقيع... ولجنة الحوار فقط هي التي تريد التوقيع». وأرجع ذلك إلى أن «مسودة الاتفاق مكونة من 14 بنداً، تصب جميعها في صالح مصراتة».
ويعيش أهالي تاورغاء بأماكن متفرقة في مدينتي طرابلس وسبها (غرب وجنوب) البلاد، فيما اتجه بعضهم إلى بنغازي في شرق ليبيا، وقد سعى مئات النازحين، الذين يقيمون في بنغازي، إلى تفعيل قرار السرّاج بالعودة إلى ديارهم. لكن ميلشيات مسلحة محسوبة عليه حالت دون ذلك، فافترشوا صحراء قرارة القطف شرق بني وليد (شرق غربي) منذ أربعة أشهر، وأصبحوا منذ ذلك الوقت يعيشون في خيام من القماش وسط طقس صعب للغاية.
وفور الإعلان عن موعد توقيع ميثاق المصالحة، وصف أعيان ومشايخ مدينة تاورغاء الاتفاق، الذي أشرفت على صياغته لجنة العودة المشتركة، بأنه «مذل ولا يمثلهم»، محذرين ممّا أسموه «التحركات المشبوهة من قبل بعض أبناء مدينتهم». كما هددوا في بيان تناقلته وسائل إعلام محلية، برفع الغطاء الاجتماعي على أي شخص يوقع على الميثاق مهما كانت صفته، وقالوا إنه «من حق المواطنين العودة إلى ديارهم لكن دون قيد أو شرط».
وقال أحد سكان تاورغاء ممن يقيمون في مخيم المطار، فضّل أن يشير إلى اسمه بـ«لاروي»، إنه يرحب بالعودة إلى داره فوراً. لكن بكرامة ودون تهديد لحياته، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «الحياة قاسية جداً داخل المخيمات في ظل انعدام الخدمات... فالصغار يمرضون ويموتون، والحكومة لا تستجيب».
واطلعت «الشرق الأوسط» على نسخة من الميثاق، الذي سيتم التوقيع عليه اليوم، والذي تشير بنوده إلى ترتيبات الدخول إلى تاورغاء، وقصرها على من كانوا يقيمون بشكل فعلي في المدينة قبل ثورة 17 فبراير (شباط) 2011، شريطة أن يقر بما ورد في الميثاق، على أن تتولى المنطقة العسكرية الوسطى، ومديرية أمن مصراتة وضع الترتيبات الأمنية اللازمة للعودة.
وتأسست لجنة مشتركة لحل أزمة مصراتة وتاورغاء في أغسطس (آب) عام 2015، بناءً على اتفاق بين المجلس البلدي في مصراتة والمجلس المحلي في تاورغاء، واجتمعت مرات عدة في طرابلس وتونس وجنيف بدعم من حكومتي ألمانيا وسويسرا، وتوصلت إلى ما يعرف بوثيقة «خريطة الطريق»، واتفقت على المعايير اللازمة لتصنيف المتضررين، وتحديد القيم المالية اللازمة لجبر الضرر. كما وضعت اللجنة برنامجاً واضحاً قابلاً للتنفيذ، شمل إعادة التأهيل لتاورغاء من مرافق أساسية، وفتح الطرق، وتحديد المناطق الملوثة بالألغام، وصيانة وتهيئة المستشفيات، لكن إلى الآن لا تزال الأزمة تراوح مكانها.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».