سياسيون يشككون في قدرة الوساطة الفرنسية على حل «معضلة» الانتخابات الليبية

بسبب سيطرة التيارات السياسية المتناحرة والفصائل المسلحة

TT

سياسيون يشككون في قدرة الوساطة الفرنسية على حل «معضلة» الانتخابات الليبية

رغم الجهود التي تقودها فرنسا للتوصل لتسوية سياسية، يشكك عدد من المحللين السياسيين والدبلوماسيين في حدوث تغير حقيقي على الأرض، وفي قدرة البلد، الذي ينتشر فيه السلاح وتسيطر عليه تيارات سياسية متناحرة وفصائل مسلحة، على إجراء انتخابات.
وقالت فريدريكا ساياني فاسانوتي، المحللة في معهد بروكينغز في واشنطن، لوكالة الصحافة الفرنسية «أعتقد أن إجراء انتخابات في بلد ينتشر فيه السلاح مثل ليبيا ينطوي على مخاطرة كبيرة».
وسبق أن أعلنت عدة دول، من بينها إيطاليا، أن ليبيا بحاجة أولا إلى الاتفاق على دستور جديد قبل إجراء انتخابات. وقد تزامن ذلك مع مطالبة عدد من الأطراف الليبية الأخرى بتنظيم استفتاء على دستور يحدد سلطات الرئيس المقبل، وهو منصب غير موجود حاليا في ليبيا، قبل إجراء أي انتخابات رئاسية. كما تعثرت جهود الوساطة، التي قامت بها الأمم المتحدة وإيطاليا عبر السنوات الماضية في تحقيق الاستقرار، ولم تفض اتفاقيات سلام سابقة إلى أي تغيير حقيقي وخلق أرضية تساعد على إجراء انتخابات.
بدوره، قال دبلوماسي طلب عدم ذكر اسمه، معلقا على اجتماع باريس أمس: «لقد سارت الأمور على ما يرام. لكن ما بعد ذلك يعتمد على تنفيذ» الاتفاق. ولم يلق اجتماع أمس قبولا من جميع الأطراف المتنازعة داخل ليبيا. فقد قاطعت الأطراف السياسية والعسكريون الرئيسيون في مدينة مصراتة، التي تعتبر فصائلها المسلحة من أقوى الفصائل في غرب ليبيا ويعتبر سياسيوها من الأكثر نفوذا، اجتماع باريس بعدما طالبوا بمعاملتهم على قدم المساواة مع الوفود الأربعة الأخرى، وفق ما أفادت مصادر سياسية ليبية.
كما شككت بعض القوى في ليبيا في نوايا فرنسا، المتهمة بالانحياز لصالح حفتر، الرجل العسكري القوي الذي يحارب المسلحين الإسلاميين، والذي خضع للعلاج قبل وقت قصير في مستشفى في باريس من أعراض لم يتم الكشف عنها. وفي هذا السياق قال محمد الجراح من مكتب «ليبيا آوتلوك» للاستشارات إن «كثيرين في الغرب الليبي يعتبرون المبادرة الفرنسية محاولة لتعزيز موقع خليفة حفتر، وجعله لاعبا لا يمكن الاستغناء عنه». كما عبرت مجموعة الأزمات الدولية، التي تتابع مناطق النزاعات، عن حذرها من المبادرة الفرنسية. وقالت المجموعة، وهي منظمة غير حكومية أول من أمس «لا يزال هناك الكثير من العمل من أجل نجاح جهود بناء السلام في ليبيا. ولهذا تعتقد مجموعة الأزمات أن فرنسا لا يجب عليها مطالبة ضيوفها الليبيين الأربعة بتوقيع الاتفاق».
ويأمل ماكرون، الذي جعل ليبيا إحدى أولويات سياسته الخارجية، في تجسيد الدفع الذي تحقق في اجتماع لا سيل سان كلو.
غير أن هذا الرهان يبدو محاطا بالشكوك برأي خبراء تحدثت إليهم وكالة الصحافة الفرنسية، في ظل الانقسامات على الأرض، والخصومات بين مختلف الأطراف الإقليميين والأوروبيين.
وفي هذا السياق قالت فاسانوتي إن «مؤتمر باريس يعتبر على الورق انتصارا جديدا لفرنسا، التي تثبت بذلك أنها تقود اللعبة في الملف الليبي، أقله على الصعيد الدبلوماسي».
وتابعت مستدركة «لكن الواقع أكثر تعقيدا بكثير»، مشيرة إلى دور الميليشيات التي انتشرت في ظل الفوضى السائدة، ومعارضة الليبيين لكل ما يعتبرونه تدخلا أجنبيا. وكتبت صحيفة «لا ريبوبليكا» في 24 من مايو (أيار) الجاري، نقلا عن مصادر دبلوماسية إيطالية «يبدو وكأن ماكرون أراد اغتنام هذا الظرف من غياب إيطاليا السياسي عن الملفات الليبية»، بسبب الأزمة السياسية القائمة في روما.
وفي أعقاب صدور الإعلان السياسي أمس، شدد رئيس حكومة الوحدة الوطنية السراج أنه «لا بد من قاعدة دستورية متينة لإجراء الانتخابات، وبالتالي قيام مجلس النواب بأعداد القوانين اللازمة ومنها قانون الانتخابات».
ودعا السراج إلى «وقف الاقتتال في كافة أنحاء البلاد»، كما دعا «كل الأطراف الحاضرة إلى العمل على إنجاح الاتفاق، معربا عن أمله في أن يكون الاجتماع المقبل في ليبيا».



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.