تركيا في «حرب تكسير عظام» على طريق النظام الرئاسي

المعارضة تسعى لمعركة صعبة على الرئاسة وتقليص نفوذ الرئيس عبر البرلمان

تركيا في «حرب تكسير عظام» على طريق النظام الرئاسي
TT

تركيا في «حرب تكسير عظام» على طريق النظام الرئاسي

تركيا في «حرب تكسير عظام» على طريق النظام الرئاسي

تشهد تركيا بعد أقل من شهر انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة، تنظمان معاً يوم 24 يونيو (حزيران) المقبل، بموجب التعديلات الدستورية التي أقرها الناخبون بأغلبية محدودة في استفتاء 16 أبريل (نيسان) 2017. وكان هذا الاستفتاء أول خطوة من خطوات التحول إلى النظام الرئاسي الذي سعى إليه الرئيس رجب طيب إردوغان على مدى سنين، والذي سيدخل حيز التنفيذ بشكل كامل عقب الانتخابات المقبلة.
ولكن من ناحية أخرى، لا تبدو الانتخابات البرلمانية، ولا الرئاسية، مشواراً سهلاً بالنسبة لحزب العدالة والتنمية، وزعيمه الرئيس إردوغان، ذلك أن المعارضة تسعى لكسب نسبة مؤثرة من مقاعد البرلمان كي تتمكن من معادلة نفوذه في حال فوزه بالرئاسة.
يرى مراقبون سياسيون في تركيا أن الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية المقبلة قد لا تكون رحلة سهلة بالنسبة لحزب العدالة والتنمية الحاكم، ورئيسه رجب طيب إردوغان. ويبرّر هؤلاء رأيهم بالإشارة إلى أن الانتخابات البرلمانية المقبلة تختلف عن غيرها بسبب تكتل أحزاب المعارضة، وسعيها لكسب نسبة مؤثرة من مقاعد البرلمان حتى تعادل نفوذ رئيس الجمهورية، في حال تكرار الرئيس إردوغان فوزه بالمنصب، وهو أمر متوقع بنسبة كبيرة.
في المقابل، يتوقع أن تشهد الانتخابات الرئاسية منافسة قوية بسبب تعدّد المنافسين، وتمتع بعضهم بشعبية لا بأس بها، وسعي المعارضة لمنع حسمها من الجولة الأولى، كي تكون هناك فرصة في الجولة الثانية للفوز، إذا توحدت صفوفها خلف المرشح المعارض الذي سيحصل على أعلى أصوات في الجولة الأولى. ووفق استطلاعات الرأي، يرجح أن يكون هذا المرشح محرّم إينجه، مرشح حزب الشعب الجمهوري، حزب المعارضة الرئيسي.
- نموذج الاستفتاء
تعمل أحزاب المعارضة التركية راهناً على تطوير النموذج الذي طبقته في الاستفتاء على تعديل الدستور، حين نجحت حملة «لا» للتعديلات الدستورية بكسب 48.6 في المائة من أصوات الناخبين، ومنع التصويت للتعديلات التي استهدفت الانتقال للنظام الرئاسي بنسبة كبيرة، إذ حصلت التعديلات على تأييد 51.4 في المائة فقط من أصوات الناخبين، مع تكبيد حزب العدالة والتنمية الحاكم خسارة كبيرة في معاقله الرئيسية في المدن الكبرى، وعلى رأسها العاصمة أنقرة ومدينة إسطنبول. وهذا الأمر دفع حزب إردوغان إلى إعادة حساباته، وتجديد صفوفه وكوادره القيادية، لمنع تكرار هذه الخسائر غير المسبوقة منذ وصوله إلى الحكم عام 2002.
ومنذ الإعلان في 18 أبريل الماضي عن إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة في يونيو، تشهد الساحة السياسية التركية حراكاً مكثفاً، كون قرار إجراء الانتخابات باغت المعارضة في توقيته، مع أنها طالبت أحياناً بالاحتكام إلى هذه الانتخابات. وبالتالي، تعيش البلاد أجواء مناورات سياسية زادت من سخونة المعارك المتوقعة، وجعلت من الانتخابات المقبلة «حرب تكسير عظام»، على حد وصف سياسي تحدث إلى «الشرق الأوسط»، شريطة التكتم على اسمه.
والحال أن هذه الانتخابات ستنظم قبل سنة ونصف السنة من موعدها الأصلي، الذي حدد يوم 3 نوفمبر (تشرين الثاني) 2019. وهنا، يرى محللون أن إردوغان أجبر على اتخاذ القرار بإجراء الانتخابات المبكرة والتضحية بسنة ونصف السنة من فترة رئاسته الحالية بسبب الظروف الاقتصادية الضاغطة، وحالة الغموض التي لو كانت استمرت طيلة تلك الفترة لتفاقمت الأوضاع، ولخسر من شعبيته وشعبية حزبه ما يفقدهما القدرة على البقاء في السلطة التي احتفظ بها مدة 16 سنة.
- مناورات متبادلة
جاء الطرح الأول للانتخابات المبكرة من جانب حزب الحركة القومية، الذي قرّر دعم إردوغان وحزبه منذ ما قبل الاستفتاء على تعديل الدستور العام الماضي في خطوة الانتقال إلى النظام الرئاسي. وعرض القوميون انتخابات مبكرة في 26 أغسطس (آب)، لكن إردوغان إثر اجتماع مع زعيمهم دولت بهشلي باغت الجميع بموعد 24 يونيو، ما اعتبر من جانب مراقبين مناورة لإرباك أحزاب المعارضة.
ومن ثم، وجدت المعارضة التركية نفسها أمام ظرف يستدعي التحرك السريع، وإجراء مشاورات لتحديد مرشحها للانتخابات الرئاسية، وتأسيس تحالفاتها للانتخابات البرلمانية. إلا أنها عجزت عن التوافق على مرشح مشترك للسباق الرئاسي، كان يفترض أن يكون رئيس الجمهورية السابق عبد الله غُل، بسبب إصرار ميرال أكشينار، رئيسة «الحزب الجيد»، المنبثق من رحم حزب الحركة القومية، على الترشح للمنصب، وانقسام حزب الشعب الجمهوري (أكبر أحزاب المعارضة) إزاء ترشيح غُل، ذي الخلفية الإسلامية الآتي من حزب العدالة والتنمية، مرشحاً توافقياً.
نتيجة لهذا الوضع، وبعد إعلان غُل عزوفه عن الترشح، في ضوء تعذّر التوافق عليه، وما تردد عن تهديد إردوغان له إذا ترشح أمامه (وهو الأمر الذي نفاه بنفسه لاحقاً)، أصبح هناك 6 مرشحين للرئاسة، هم: الرئيس إردوغان مرشح «تحالف الشعب»، الذي يضم أحزاب العدالة والتنمية والحركة القومية والوحدة الكبرى، وإينجه مرشح حزب الشعب الجمهوري، وأكشينار رئيسة «الحزب الجيد»، وتمال كرم الله أوغلو رئيس حزب السعادة، ودوغو برينتشيك رئيس حزب الوطن، وصلاح الدين دميرتاش الرئيس المشارك لحزب الشعوب الديمقراطي السابق، وهو سجين حالياً على ذمة كثير من القضايا المتعلقة بادعاءات دعمه للإرهاب.
- «الأمة» ضد «الشعب»!
ولئن لم تكن أحزاب المعارضة قد نجحت في التوافق على مرشح واحد للرئاسة، فإنها لم تفوّت الفرصة في الانتخابات البرلمانية، بنسج تحالف بين 4 أحزاب تمثل توجّهات سياسية مختلفة، بل متناقضة، يحلو للبعض تسميته بـ«تحالف الأضداد»، هي حزب الشعب الجمهوري العلماني، ويمثل يسار الوسط، وحزب السعادة الإسلامي (الذي أسسه رئيس الوزراء الراحل نجم الدين إربكان، أحد أبرز زعماء تيار الإسلامي السياسي في تركيا)، و«الحزب الجيد» القومي، والحزب الديمقراطي الذي يمثل يمين الوسط.
ويخوض هذا التحالف الواسع الطيف، الذي أطلق على نفسه اسم «تحالف الأمة»، في إشارة إلى أنه يمثل الشعب كله، الانتخابات البرلمانية أمام «تحالف الشعب»، المكوّن من أحزاب العدالة والتنمية والحركة القومية والوحدة الكبرى (اليميني)، وهذا التحالف الأخير يلعب على قاعدة الناخب المحافظ والقاعدة الشعبية للقوميين، التي انقسمت بين حزبي الحركة القومية و«الحزب الجيد».
ومن جانب آخر، ستستفيد الأحزاب المتحالفة في دخول البرلمان - حتى الأحزاب الصغيرة منها - لأن الأصوات ستحتسب للتحالف، ما سيمكّن هذه الأحزاب من تجاوز العتبة الانتخابية، أو الحد الأدنى النسبي للتمثيل في البرلمان (الحصول على 10 في المائة من أصوات الناخبين)، وكان هذا الحد قد حرم كثيراً من الأحزاب من الحصول على مقاعد برلمانية، فضلاً عن تمثيلها بمجموعات برلمانية (المجموعة 20 نائباً)، ومنها السعادة والديمقراطي والوحدة الكبرى.
يُذكر أن الاستفتاء على تعديل الدستور كان قد شهد تحالفات غير رسمية أو غير معلنة، فأيد حزبا العدالة والتنمية الحاكم والحركة القومية هذه التعديلات، وعارضتها أحزاب المعارضة بشكل عام. ويوجد في البرلمان التركي اليوم 4 أحزاب كبيرة تمثل اتجاهات سياسية رئيسية، هي بحسب ترتيب عدد المقاعد: العدالة والتنمية الحاكم (محافظ)، والشعب الجمهوري (علماني كمالي)، والشعوب الديمقراطي (مؤيد للأكراد)، والحركة القومية (قومي). وستكون الانتخابات المقبلة هي الأولى التي تتزامن فيها الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، ويسمح فيها للأحزاب بتشكيل تحالفات مؤقتة، مع إمكانية أن ينفصل كل حزب بمقاعده في البرلمان بعد دخوله. أما حزب الشعوب الديمقراطي - المؤيد للأكراد - فبقي وحيداً، وإن كان هناك بعض الأحزاب اليسار الراديكالية تتحالف معه بشكل غير رسمي.
- برامج وحملات
هذا، وخلال اليومين الماضيين أطلقت الأحزاب السياسية برامجها، وبدأت حملاتها الانتخابية رسمياً. وتتمحور هذه البرامج بشكل عام حول قضايا الوضع الاقتصادي والسياسة الخارجية والتعليم والعدالة الاجتماعية. كذلك تقدمت الأحزاب الاثنين الماضي بقوائم مرشحيها للبرلمان، الذي رفع عدد مقاعده إلى 600 مقعد في التعديلات الدستورية الأخيرة، إلى اللجنة العليا للانتخابات، وسيصار إلى إعلان القوائم النهائية في 30 مايو (أيار) الحالي. وكشفت قائمة مرشحي حزب العدالة والتنمية الحاكم عن كثير من المؤشرات في ما يتعلق بشكل الحكومة المقبلة، التي سيختار المرشح الفائز بالانتخابات الرئاسية أعضاءها، إذ تضمّنت القائمة التي عكف إردوغان على تنقيحها بنفسه طوال يوم أول من أمس في مقر الحزب الحاكم بالعاصمة أنقرة غالبية أعضاء الحكومة الحالية، باستثناء وزراء المجموعة الاقتصادية، يتقدمهم نائب رئيس الوزراء محمد شيمشيك، ووزير الاقتصاد نهاد زيبكجي، ووزير المالية ناجي أغبال، إلى جانب وزير الدولة لشؤون الاتحاد الأوروبي كبير المفاوضين الأتراك همر تشيليك، ووزير الصناعة والعلوم والتكنولوجيا فاروق أوزلو، ما يشير إلى احتمال أن تجد هذه الأسماء أماكن لها في الحكومة المقبلة. وتفسير ذلك أنه بحسب التعديلات الدستورية، لن يكون الوزراء من نواب البرلمان، بل سيستقيل من البرلمان من يتم اختياره ضمن أعضاء الحكومة أو الفريق الرئاسي. ومقابل ذلك، ضمت قائمة الحزب 167 نائباً من النواب الحاليين، وعددهم 316 نائباً، وجاء رئيس الوزراء بن علي يلدريم على رأس قائمة مرشحي الحزب في المنطقة الأولى في إزمير (غرب تركيا)، و126 مرشحة، و57 مرشحاً تقل أعمارهم عن 25 سنة، بينهم إليف نور بايرام (18 سنة) المرشحة في مدينة كوجالي (غرب)، و8 مرشحين من ذوي الاحتياجات الخاصة.
وأشارت مصادر بحزب العدالة والتنمية إلى أنه قد يتم ترشيح رئيس الوزراء الحالي بن علي يلدريم لرئاسة البرلمان الجديد، لأنه سيلغَى منصب رئيس الوزراء في النظام الرئاسي الجديد. وراجت توقعات بأن يكون لوزير شؤون الاتحاد الأوروبي عمر تشيليك موقع بارز في الحكومة المقبلة، وقد يكون وزيراً للخارجية بدلاً عن مولود جاويش أوغلو الذي رُشح للبرلمان في مدينة أنطاليا (جنوب).
أيضاً تضمنت قائمة المرشحين أسماء جديدة من مختلف المجالات، منهم عدد من الرياضيين، أهمهم متسابق الدراجات النارية الدولي كنان صوفو أوغلو، ولاعب كرة القدم التركي السابق في صفوف نادي إستون فيلا والمنتخب التركي ألباي أوزالان، والمصارع الدولي سلجوق تشلبي، وحل أحمد مدحت أرينتش (نجل نائب رئيس الوزراء رئيس البرلمان الأسبق أحد مؤسسي الحزب بولنت أرينتش) في دائرة مانيسا (غرب)، التي كانت دائرة والده من قبل.
للعلم، أدت الترشيحات إلى مناقشات داخلية واسعة في الأحزاب التركية، وخصوصاً في حزب الشعب الجمهوري الذي شهدت قائمته تغييرات ومفاجآت متعددة، إذ استبعد 61 من نواب الحزب بالبرلمان وعددهم 131 نائباً، ودُفع بأسماء من هيئات وتشكيلات الحزب ومجلسه التنفيذي، إلى جانب الدفع بأحد مؤسسي حزب العدالة والتنمية الحاكم عبد اللطيف شنر، الذي شغل منصب نائب رئيس الوزراء، قبل أن ينشقّ عن حزب العدالة والتنمية بسبب خلافات مع إردوغان في عام 2011. ومن بين من استبعدتهم القائمة الأسماء التي كانت ضمن قائمة مرشح الحزب للرئاسة محرّم إينجه في انتخابات رئاسة الحزب التي خاضها منافساً لرئيسه كمال كليتشدار أوغلو.
واعتبر مراقبون أن استبعاد الأسماء المقربة من إينجه، فضلاً عن عدم ترشيحه في البرلمان كونه مرشحاً للرئاسة، يعني أنه أطيح به وبفريقه دفعة واحدة.
- برلمان متعدد
يشير مجمل استطلاعات الرأي إلى أن الرئيس إردوغان سيكون قادراً على حسم الانتخابات الرئاسية في الجولة الأولى، وقد يكون هناك تنافس قوي على مقاعد البرلمان، ومن المتوقع دخول أكثر من 4 أحزاب إلى البرلمان بسبب توفير التحالفات إمكانية تجاوز عتبة العشرة في المائة للتمثيل في البرلمان. ويرجع ذلك إلى أن إردوغان هو أكثر المرشحين تحضيراً للانتخابات، وهو أول مرشح أعلن بيانه الانتخابي، مذكراً بإنجازاته وإنجازات حزبه خلال 16 سنة من الحكم، ويطالب الناخبين بالتصويت له من جديد لاستكمال مسيرة حزب العدالة والتنمية، وتحقيق أهداف تركيا لعام 2023، الذي يوافق الذكرى المئوية لإعلان الجمهورية التركية.
وعبر إردوغان، أول من أمس، عن ثقته بالفوز في الانتخابات الرئاسية بأكثر من 50 في المائة بكثير، متوقعاً أن يمنحه شعبه تلك الولاية مع برلمان قوي. وكشف عن أنه لن يكون هناك مجلس وزراء مكون من 25 وزيراً خلال الفترة المقبلة، وأن عدد الوزراء سينخفض إلى حد كبير.
- الأكراد والعلويون «كلمة السر» في الانتخابات
> يبقى الصوت الكردي مؤثراً رئيسياً في الانتخابات التركية، وتحديد الفائز فيها، كونه عاملاً مرجحاً تلجأ إليه الأحزاب لحسم المعارك. وبعد تحالف حزب العدالة والتنمية مع حزب الحركة القومية، يبدو أن فرصة تحصيل نسبة كبيرة من أصوات الأكراد غير مواتية لتحالف الشعب في الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة، نظراً للعداء التاريخي بين الحركة القومية والأكراد الذين يشكلون الغالبية في مناطق شرق وجنوب شرقي البلاد.
نسبة كبيرة من أصوات الأكراد تذهب إلى حزب الشعوب الديمقراطي (المؤيد للأكراد)، لكن حزب العدالة والتنمية يعول دائماً على الإسلاميين والمحافظين الأكراد، وإن كان الاستحقاقان الانتخابيان في 2015 قد أظهرا تراجعاً في شعبية العدالة والتنمية لدى الأكراد. ويبدو أن الحزب لن يتمكن، من وجهة نظر مراقبين، من جمع نسبة عالية من هذه الأصوات في الانتخابات المقبلة.
في المقابل، أبدى حزب العدالة والتنمية توجهاً نحو «العلويّين» - تعني المسلمين من غير السنّة - الذين يشكلون كتلة غير معروفة العدد، لكن ثمة تقديرات تشير إلى أن أعدادهم تتجاوز 15 مليوناً، ينتشرون في عدد من مناطق تركيا من الغرب إلى الشرق. وتضمن البرنامج الانتخابي للعدالة والتنمية وعداً بتقنين وضع «بيوت الجمع»، دور عبادة العلويين بعد الانتخابات.
وفي الانتخابات السابقة، صوت «العلويّون» أكثر من مرة لصالح العدالة والتنمية على أمل تحقيق مطالبهم، لكن ذلك لا ينفي أن نسبة كبيرة منهم لا تزال على ولائها لحزب الشعب الجمهوري الذي أسسه أتاتورك.
- أبرز القضايا في الانتخابات التركية
> النظام الرئاسي: على الرغم من أن الانتخابات المقبلة ستكون تدشيناً للنظام الرئاسي الذي يوسع صلاحيات رئاسة الجمهورية، فإن هذا النظام نفسه يشكل أحد أهم القضايا التي تمحورت حولها حملات مرشحي المعارضة للرئاسة.
> الوضع الاقتصادي: تتأهب تركيا للانتخابات في ظل أوضاع اقتصادية صعبة، من حيث تدهور الليرة التركية وارتفاع التضخم والبطالة وديون الفلاحين وأسعار الوقود ومعاشات المتقاعدين ما سمح للمعارضة باستخدام هذه القضايا في الضغط على إردوغان.
> التعليم: فرضت قضية التعليم نفسها بشكل كبير على أجندة جميع الأحزاب والمرشحين، وبرزت تعهدات بتحسين مستوى التعليم، وتقديم منح مالية للطلاب، وتحسين أحوال السكن الجامعي.
> فتح الله غولن: تشكل قضية تسليم واشنطن الداعية فتح الله غولن، الذي تتهمه سلطات أنقره بالوقوف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة في 2016، واحدة من القضايا المهمة أيضاً ما بين تعهدات إردوغان بالقضاء على أي وجود لأنصاره وبين تهديد المعارضة بإغلاق قاعدة إنجيرليك حال رفض واشنطن تسليمه.
> حالة الطوارئ: تشكل أحد المحاور الرئيسية في حملات الأحزاب والمرشحين للرئاسة، مع تعهدات من المعارضة بإلغائها على الفور عقب الفوز بالانتخابات، وضمان العودة للديمقراطية والحريات ودولة القانون، بينما يدافع إردوغان عن استمرارها كونها لم تؤثر على حياة المواطن اليومية منذ فرضها في 20 يوليو (تموز) 2016 على خلفية محاولة الانقلاب الفاشلة.
> سوريا واللاجئون: بين قضايا السياسة الخارجية المتعددة التي تتعرض فيها الحكومة لانتقادات واسعة، خصوصا في ما يتعلق بالمفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، والعلاقات مع دول الجوار، والتدخل في مشكلات الشرق الأوسط، برزت قضية العلاقات مع سوريا واللاجئين السوريين. هذه القضية برزت سواءً من جانب حزب العدالة والتنمية، الذي تحدث عن علاقات مع «سوريا جديدة» ما بعد نظام الأسد، أو بين أحزاب المعارضة التي تعهدت بحل الأزمة السورية، وإعادة اللاجئين، وإقامة علاقات طبيعية مع نظام الأسد، محملة حكم إردوغان جانباً كبيراً من المسؤولية عن تدهور الأوضاع في سوريا.



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».