استياء في مناطق أكراد سوريا بعد فرض الضرائب المزدوجة

مصدر كردي: المواطن يحدد الجهة التي تقدم له الخدمات ويدفع لها

موظف في مكتب تحويل عملات في سوق القامشلي التي يسيطر عليها الأكراد ضمن الإدارة الذاتية (أ.ف.ب)
موظف في مكتب تحويل عملات في سوق القامشلي التي يسيطر عليها الأكراد ضمن الإدارة الذاتية (أ.ف.ب)
TT

استياء في مناطق أكراد سوريا بعد فرض الضرائب المزدوجة

موظف في مكتب تحويل عملات في سوق القامشلي التي يسيطر عليها الأكراد ضمن الإدارة الذاتية (أ.ف.ب)
موظف في مكتب تحويل عملات في سوق القامشلي التي يسيطر عليها الأكراد ضمن الإدارة الذاتية (أ.ف.ب)

في مناطق سيطرة الأكراد في شمال البلاد، يدفع التجار ضريبة مزدوجة على الدخل، أولى قديمة للحكومة السورية، وثانية جديدة فرضتها الإدارة الذاتية، ما يزيد الضغوط المالية على مواطنين يعانون أصلاً من ظروف معيشية صعبة.
في سوق الأقمشة وسط مدينة القامشلي (شمال شرق)، يقول صاحب متجر بيع الألبسة النسائية نبيل آدم (34 عاماً)، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «دفع ضريبتين يثقل كاهلنا، خصوصاً أن أرباحنا قليلة وحركة السوق قليلة جداً».
برز نفوذ الأكراد في سوريا مع انسحاب قوات النظام من مناطق سيطرتهم في العام 2012، ليعلنوا لاحقاً الإدارة الذاتية ثم النظام الفيدرالي في روج أفا (غرب كردستان) العام 2016، ووضعوا نظاماً سياسياً واقتصادياً ينظم المجتمعات في مدن وبلدات تمتد من أقصى شمال الشرق إلى شمال غربي سوريا.
لكن ذلك لا يعني الانقطاع التام عن الحكومة السورية التي توجد مؤسساتها في مناطق معينة في روج أفا، ولا تزال تمارس صلاحياتها في جباية الضرائب. وتتراوح بالنسبة لبعض المؤسسات التجارية بين 17 ألفاً و25 ألف ليرة سوري سنوياً (بين 40 و60 دولاراً).
وفي العام 2016، ولتعزيز مواردها، أصدرت الإدارة الذاتية مرسوماً يحدد ضريبة الدخل، بدأت بتنفيذه في العام 2017.
ويقول الرئيس المشترك لهيئة المالية في الإدارة الذاتية خالد محمود للوكالة: «الإدارة الذاتية تريد تطوير الخدمات، وبالتالي هي بحاجة إلى موارد إضافية في الموازنة»، ومن هنا جرى اعتماد النظام الضريبي التصاعدي. وقد نجح الأمر، وفق محمود الذي يقول إن الإدارة الذاتية جمعت «نحو 379 مليون ليرة سورية» بين شهري أكتوبر (تشرين الأول) 2017 وأبريل (نيسان) 2018، أي ما يساوي أكثر من 800 ألف دولار خلال ستة أشهر. وبلغت نسبة تحصيل الضرائب 59 في المائة منذ بدء تطبيق القانون، وفق الأرقام الرسمية.
وبرغم أنها تعد منطقة زراعية غنية، يعتمد الأكراد بشكل أساسي على استخراج النفط والغاز بطرق تقليدية من حقول يسيطرون عليها في شرق البلاد، إلا أن ذلك ليس كافياً، خصوصاً في ظل إغلاق المعابر الحدودية مع تركيا والعراق، ما ينعكس سلباً على حركة البيع والشراء.
داخل محله لبيع المستحضرات التجميلية، يقول فايز عباس (35 عاماً) «الضريبة مرتفعة جداً ولا توجد خدمات صحية ولا مياه وكهرباء»، مضيفاً: «من حقنا أن نعلم أين تذهب هذه الأموال». لكن محمود يؤكد أن الموارد الصادرة عن الضرائب ستحسن «نوعية الخدمات، وستخلق فرص عمل جديدة ونوعاً من التأمين الصحي».
وأمام شكاوى المواطنين من تزايد العبء المالي عليهم نتيجة الازدواج الضريبي، يقول محمود «المواطن هو من يقرر ويحدد الجهة التي تقدم له الخدمات وتوفر له الأمن وتوفر له المحروقات»، مضيفاً: «عليهم أن يدفعوا الضريبة إلى الجهة التي تقوم بذلك».
وتعتبر الإدارة الذاتية أنها اعتمدت نظاماً ضريبياً عادلاً قسمت في إطاره المهن المنتجة إلى 13 فئة، كما جرى تقسيم المنتجين شرائح مختلفة بحسب دخلهم الصافي. ويفرض القانون على كل مواطن منتج أن يدفع الضريبة التي تُحدد بحسب إنتاجه الصافي السنوي، ما يعني على سبيل المثال أن المواطن من الشريحة الأولى الذي يقل دخله الصافي عن مليون ومائتي ألف ليرة سورية (نحو 2760 دولاراً) تفرض عليه ضريبة ألف ليرة (أكثر من دولارين)، «أي أنه يكون بحكم المعفى»، وفق محمود.
وتتزايد الضريبة تدريجياً بعدما تتخطى هذه العتبة، وتبلغ واحداً في المائة للشريحة الثانية بين مليون ومائتين ألف ليرة ومليوني ليرة (4600 دولار)، لتصل إلى سبعة في المائة للشريحة الرابعة التي تنتج ما بين خمسة وسبعة ملايين ليرة (بين 11500 و16100 دولار)، وهكذا دواليك. ويقول محمود «ترتفع النسب لتصل إلى 24 في المائة على الربح الصافي الذي يبلغ مائة مليون ليرة سورية (229.885 دولار) سنوياً».
وكان من المفترض أن يبدأ تطبيق القانون في العام 2019 حتى يجري تحضير قاعدة البيانات، إلا أن الإدارة الذاتية لم تتمكن من الانتظار حتى ذلك الوقت. ويقول عضو المجلس التشريعي في الإدارة الذاتية دلبرين محمد إن هيئة المالية سارعت إلى فرض القانون «لتعويض زيادة رواتب الموظفين».
وينتقد محمد القانون، معتبراً أن «الحركة التجارية وأوضاع الناس المعيشية لا تسمح بتطبيقه».
ويجمع الكثير من التجار على عدم عدالة النظام الضريبي، لكن على كل معترض أن يدفع خمسة آلاف ليرة (نحو 12 دولاراً) لتقديم شكوى. ويقول صاحب أحد محلات الأحذية محمد رفعت (43 عاماً) «فرضوا علينا هذا العام الكثير من الضرائب. فرضوا على محلي 39 ألف ليرة، فيما من المفترض أن تكون ضريبتي أقل من ذلك بكثير، خصوصاً أن لدينا الكثير من التنزيلات والخسائر». ويضيف بغضب: «لا أعلم كيف يحسبون الضرائب (....) إنهم لا يقدرون أوضاعنا».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».