إنزال أميركي شرق سوريا لاعتقال قيادي في «داعش»... وعناصر أجانب في محاكم الأكراد

TT

إنزال أميركي شرق سوريا لاعتقال قيادي في «داعش»... وعناصر أجانب في محاكم الأكراد

ألقت القوات الأميركية القبض على أحد قياديي «داعش»، في محافظة الحسكة على الحدود السورية - العراقية، في وقت تطرح تساؤلات عن محاكمة «دواعش» معتقلين لدى الأكراد شرق سوريا.
وقالت مصادر في «قوات سوريا الديمقراطية» لوكالة الأنباء الألمانية، إن «قوات أميركية نفذت فجر الخميس عملية اقتحام مدعومة بالمروحيات على مزرعة قرب بحيرة الخاتونية في ناحية الهول شرق محافظة الحسكة قرب الحدود السورية - العراقية واعتقلت قيادياً من تنظيم داعش كان هرب من العراق إلى سوريا». وأكد المصدر، أن «الشخص الذي تم اعتقاله نقل إلى مركز الاستخبارات العسكرية التابع لوحدات حماية الشعب الكردي في ناحية الهول دون معرفة جنسيته».
وفي محافظة الحسكة، أكدت مصادر محلية في مدينة القامشلي «دخول قافلة مؤلفة من نحو 200 آلية أغلبها شاحنات تحمل سيارات عسكرية وأسلحة دخلت مدينة القامشلي قادمة من معبر سيملكا مع العراق مساء (أول) أمس».
وبحسب المصادر، فإن «القافلة توجهت إلى ريف الحسكة الجنوبي وعدداً من الآليات توجهت إلى معسكر تل بيدر 35 كم شمال مدينة الحسكة لتخزين الذخيرة في مستودعات داخل المعسكر».
وأطلقت قوات التحالف الدولي بالتعاون مع «قوات سوريا الديمقراطية» مطلع الشهر الحالي عملية عسكرية ضد مسلحي تنظيم داعش في ريف دير الزور الشمالي الشرقي.
إلى ذلك، يتمنى كثير من الدول الأوروبية وعلى رأسها فرنسا أن تجري محاكمة المتطرفين الأجانب ونسائهم في سوريا أو العراق، لكن هذا الخيار لا يخلو من مخاطر في مناطق سيطرة أكراد سوريا، حيث يُحتجز الآلاف منهم. وهذه المنطقة الواقعة في شمال شرقي سوريا، لا تزال غير مستقرة وما من طرف يأبه لمحاكمتهم، كما أن المتبع فرض عقوبات قصيرة بالسجن بحق من يحاكم منهم.
وتمر أعداد كبيرة من المتهمين بالمحاربة في صفوف تنظيم داعش أمام القاضي الكردي السوري راشو كنعان، الذي يقع مكتبه في محكمة مكافحة الإرهاب في القامشلي، وهو مبنى صغير في هذه المنطقة الصحراوية في شمال سوريا. حاكم كنعان وزملاؤه أكثر من 800 منهم، جميعهم سوريون. لكن هل سيتعين عليهم كذلك محاكمة آلاف الأجانب المنتمين إلى نحو أربعين جنسية مختلفة، والذين أسرتهم الفصائل الكردية في أثناء تقهقر تنظيم داعش؟ لا يبدي القاضي كنعان مثل كثير من المسؤولين الأكراد حماسة للأمر. ويقول: «تعرف أن لدينا عدداً كبيراً جداً من السجناء الآخرين علينا تولي أمرهم». لكن نوري محمود، المتحدث باسم وحدات حماية الشعب الكردية، يقول بصراحة، إن «كل هؤلاء السجناء الأجانب هم عبء علينا».
وفي حين تحاكم في العراق أعداد كبيرة منهم، لم يخضع متطرفون أجانب للمحاكمة في «روج آفا» وهو اسم «الفيدرالية الديمقراطية لشمال سوريا» التي أقامها الأكراد في المناطق التي يديرونها وتمثل قرابة 30 في المائة من أراضي سوريا. ويقول محمود «إننا لا نعطي الأولوية لهؤلاء السجناء، وإنما لتركيا».
وتركيا هي العدو التاريخي للأكراد وقد شنت في منتصف مارس (آذار) هجوماً خاطفاً سيطرت إثره على مدينة عفرين في شمال غربي سوريا وأنزلت بالأكراد هزيمة قاسية. وفي مجالسهم الخاصة، لا يخفي المسؤولون الأكراد شعورهم بالمرارة بعد أن تخلى حلفاؤهم الغربيون عنه،م وعلى رأسهم الولايات المتحدة التي لم تعترض على الهجوم مراعاة لتركيا. أما فيما يتعلق بالمقاتلين الجهاديين الأجانب المحتجزين لدى الأكراد، فلم يطالب أي بلد بتسليمهم، عدا عن حالات نادرة، من روسيا وإندونيسيا على وجه الخصوص.
إذ تواجه الكثير من الحكومات معضلة في التعامل مع الأمر في مواجهة رأي عام معارض لإعادتهم إلى بلادهم. ويقول نديم حوري، مدير برنامج «إرهاب» لدى منظمة هيومن رايتس ووتش الحكومية، إن «الدنمارك وكندا وسويسرا أعلنت استعدادها لاستعادة النساء والأطفال ولكن بشرط أن يجري ذلك طي الكتمان».
ويعبر المسؤولون الأكراد في جلسات خاصة عن ضيقهم ذرعاً بهذا الوضع. ويقول مسؤول في الإدارة المحلية بغضب «لماذا يتعين علينا الاحتفاظ بهؤلاء السجناء الأجانب، وخصوصاً الغربيين، إذا لم تدعمنا بلدانهم في مواجهة تركيا؟» لكن هل يمكن أن يقوم الأكراد بالإفراج عن آلاف الجهاديين الأجانب؟ ينفي خالد عيسى، ممثل «روج آفا» في فرنسا ذلك، لكنه يقول بعبارات ينقصها الوضوح: «موقفنا يبقى إعداد ومتابعة هذه الملفات بالتعاون مع سلطات» البلدان المعنية.
لكن هل النظام القضائي المحلي مؤهل وقادر على محاكمة هؤلاء الأجانب؟ يبدي راشو كنعان نفسه شكوكاً حيال ذلك بقوله إنه مختص بمحاكمة «السوريين وليس الأجانب».
ويمثل المتهم أو المتهمة أمام القضاة مباشرة من دون محام ومن دون فرصة لاستئناف الحكم، وهو سبب آخر يثير سخط عائلات المعتقلين ومحاميهم في الغرب.
وتقول منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن القضاة يصدرون عموماً أحكاماً تتراوح بين السجن خمس وسبع سنوات، وهي أحكام يتم تخفيفها بفعل السلوك الحسن في السجن، أو في مناسبات العفو.
تعتمد السلطات الكردية على العشائر المحلية التي كسب التنظيم ولاء بعضها وتقوم أحياناً بالإفراج سريعاً عن متهمين حتى في حال ارتكابهم جرائم بضمانة من عشيرتهم. ويوضح نديم حوري، إن «الأكراد عليهم أن يتعاملوا مع مجتمعهم الذي تشبه مكوناته الفسيفساء»، وبالتالي يقوم النظام القضائي على فلسفة أن «علينا أن نعيش جميعنا معاً. ولذلك؛ ليس أمامنا من خيار غير المصالحة وإعادة بناء المجتمع».
ويقول لقمان إبراهيم، الرئيس المشارك لمجلس قضاة القامشلي «عندما لا تتوفر للقاضي أدلة، لا يمكنه إصدار حكم». غير أنه من الصعب جمع أدلة ضد «الدواعش»، ولا سيما النساء وعددهن 600 بينهن عدد كبير من التركيات والروسيات والتونسيات، وكل منهن لديها طفلان أو ثلاثة وفق «هيومن رايتس ووتش». ويندر أن شاركت هؤلاء النساء في القتال، لكنهن كن أحياناً ناشطات في وحدات شرطة تطبيق الشريعة.
وفي السنة الماضية، حوكمت عشر نساء أفرج عن نصفهن، وصدرت بحق الباقيات أحكام بالسجن أقل من عشر سنوات»، من دون حسبان تخفيف الأحكام، وفق القاضي كنعان.
ويمثل ذلك تناقضاً صارخاً مع الوضع في الغرب، حيث يتم تشديد الأحكام في قضايا الإرهاب، بما في ذلك بحق النساء اللواتي يعتبرن أحياناً مدافعات شرسات عن الفكر المتطرف.
ما الذي يمكن أن يحدث للأجانب الذين يطلق سراحهم بسرعة؟ هل يمكن أن يطالب بعض الدول بتسليمهم لإعادة محاكمتهم؟ هنا أيضاً، تحجم الدول المعنية عن الإجابة.
ويقول الجامعي المختص بشؤون سوريا فابريس بالانش، إن «الأكراد يمكن أن يستخدموهم لمقايضتهم للحصول على مساعدات من هذا البلد أو ذاك».
وقد تفرض على الجهاديين الأكثر خطورة، العقوبة القصوى، وهي السجن لعشرين عاماً. مثلما حدث مع البريطانيين الكسندا آمون كوتي والشفيع الشيخ اللذين كانا ينتميان إلى مجموعة عرفت باسم «البيتلز» واتهمت باحتجاز وقطع رؤوس نحو عشرين رهينة.
وفي حال الإدانة، يتعين على سلطات «روج آفا» احتجاز المتطرفين لسنوات مديدة. لكن، هل يعرف إن كانت الإدارة الكردية ستستمر لسنة؟ أو حتى لستة أشهر؟
منذ سقوط عفرين، يعيش الأكراد السوريون هاجس انسحاب الأميركيين الداعمين الرئيسيين لهم من سوريا، وهو ما تطرق إليه دونالد ترمب في يناير (كانون الثاني). ويقول بالانش، إنه «في غياب الدعم الأميركي، لن يتمكن الأكراد من الصمود في وجه تركيا، أو أي جيش آخر جيد التجهيز».
ما الذي يمكن أن يحدث حينها للسجناء الأجانب؟ لا أحد يعرف، مثلما لا يعرف أحد ما حل بالسجناء «الدواعش» الذين كان الأكراد يحتجزونهم في عفرين ومعظمهم سوريون على ما يبدو.
هل نقلوا إلى مكان آخر أم أطلق سراحهم؟ لا يزال الأمر لغزاً. ولدى سؤال المسؤولين الأكراد عن ذلك، قالوا «ليس لدينا أي معلومات عن الأمر».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.