استبقت شركة «توتال» النفطية الفرنسية اجتماع رؤساء الدول والحكومات الأوروبية في العاصمة البلغارية، أمس، للبحث في «الرد» الأوروبي على تهديد الإدارة الأميركية بفرض عقوبات على الشركات التي تتعامل مع إيران وإمهالها ما لا يزيد على ستة أشهر لتسوية أوضاعها، بالإعلان أنها سوف تنسحب من مشروع الغاز الكبير حقل بارس الجنوبي في حال لم تحصل على إعفاء من السلطات الأميركية من تطبيق العقوبات عليها.
وأصدرت الشركة الفرنسية التي تعد أكبر مستثمر في إيران من خلال العقد المبرم عام 2017، والذي تبلغ قيمته 5 مليارات دولار، بياناً شرحت فيه «ظروفها» والأسباب التي قد تدفعها إلى الانسحاب في حال عدم حصولها على ضمانات أميركية وأوروبية وفرنسية. واللافت أن خطوة «توتال» جاءت بعد يوم واحد من الاجتماع الذي ضم في بروكسل يوم الثلاثاء وزراء خارجية فرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، وإيران، وكذلك «وزيرة» الشؤون الخارجية الأوروبية فيديريكا موغيريني؛ للبحث في الخطوات التي من شأنها إقناع إيران بالبقاء داخل الاتفاق النووي المبرم صيف عام 2015، ورداً على طلب إيراني بتقديم ضمانات، قالت موغريني في مؤتمر صحافي ليلة أول من أمس، إن الاتحاد الأوروبي «لن يقدم ضمانات قانونية واقتصادية إلى إيران»، لكنها شددت في الوقت نفسه على أن تلك الدول تعمل على حماية شركاتها من العقوبات الأميركية.
في بيانها المشار إليه، ربطت «توتال» التي تعد إحدى كبريات الشركات النفطية في العالم، بقاءها في السوق الإيرانية بحصولها على إعفاء رسمي من السلطات الأميركية من تطبيق العقوبات التي أعادت واشنطن فرضها، وذلك بدعم فرنسي وأوروبي. وترى أكثر من جهة فرنسية أن قرار «توتال» سببه قناعتها بأن واشنطن لن توفر للشركات الأوروبية معاملة خاصة، بل إن العقوبات التي تريد أن تطبقها بعد ستة أشهر، في أبعد تقدير، ستسري على الجميع، خصوصاً أن الإدارة الأميركية تعد خطة لـ«خنق الاقتصاد الإيراني واحتواء نشاطات طهران السياسية وبرامجها التسليحية، خصوصاً الباليستية منها، بالإضافة إلى برامجها النووية».
فضلاً عن ذلك، يدل بيان «توتال» على أن الاجتماع الذي عقده أول من أمس وزيرا الخارجية والاقتصاد الفرنسيين مع ممثلي نحو ستين شركة فرنسية عاملة في إيران لم يطمئن المشاركين لجهة قدرة السلطات الفرنسية والأوروبية على «لي الذراع» الأميركية رغم التهديد باللجوء إلى تدابير مضادة تضمن المصالح الفرنسية. وكان لافتاً في بيان «توتال» «الصراحة» التي تجلى فيها، حيث تقول الشركة إنها لن تبقى في إيران ما لم تحصل على «الحماية من كل عقوبات (رئيسية) وثانوية يطبقها القانون الأميركي» في إشارة إلى تمسك واشنطن بتطبيق قانون العقوبات خارج الأراضي الأميركية وعلى الشركات غير الأميركية بمنعها من الدخول إلى السوق الأميركية، وفرض غرامات مالية مرتفعة عليها.
وللتذكير، فإن مصرف «سوسيتيه جنرال» اضطر إلى دفع نحو عشرة مليارات دولار للخزينة الأميركية بسبب مخالفته قانون منع استخدام الدولار في المعاملات المصرفية والتجارية مع إيران.
في بيان «توتال» تقول إحدى فقراته: «من الواضح أن (توتال) لا تستطيع أن تقع تحت تهديد العقوبات الثانوية الأميركية؛ الأمر الذي سيحرمها من تمويل المصارف الأميركية بالدولار وهي الضالعة في تمويل 90 في المائة منها، فضلاً عن خسارة المساهمين الأميركيين الذين يمثلون 30 في المائة من مجمل مساهميها. يضاف إلى ذلك كله حرمان (توتال) من القيام بنشاطات وعمليات في الولايات المتحدة، حيث تبلغ أصول الشركة 10 مليارات دولار من مجمل رؤوس الأموال التي تشغلها». وبناءً عليه، فإن «توتال» ستمتنع عن أي التزام إضافي في مشروع «ساوث بارس» ما دامت لم تحصل على الضمانات والإعفاءات التي تريدها. ويتم تداول معلومات داخل الشركة مفادها أن «توتال» يمكن أن تبيع حصتها في البلوك المذكور لشريكها الصيني «بتروشينا» الذي وقّعت معه ومع السلطات الإيرانية العقد «وفق قرارات الأمم المتحدة والتشريعات الأميركية والأوروبية والفرنسية المطبقة في تلك الفترة» أي قبل العقوبات. ونفت الشركة، أن تكون معرّضة لخسائر كبيرة بسبب «ساوث بارس» لأن كل ما استثمرته لا يتجاوز الأربعين مليون دولار.
يمكن النظر لخطوة «توتال» على أنها بمثابة قرع لناقوس الخطر، وأن شركات فرنسية وأوروبية أخرى ضالعة في السوق الإيرانية سوف تحذو حذوها. والجميع اليوم في حال انتظار لمعرفة ما سترسو عليه المفاوضات الأوروبية - الأميركية بشأن العقوبات. وفي الاجتماع الرسمي مع الشركات الفرنسية، سعت الحكومة الفرنسية ممثلة بوزير الخارجية جان إيف لودريان، ووزير الاقتصاد برونو لومير إلى «طمأنة» شركاتها بالتأكيد على «عزم» الحكومة على الدفاع عن مصالح الشركات. وقال لودريان، إن باريس «عازمة على النضال من أجل ألا تصيب القرارات الأميركية الشركات الفرنسية التي تستثمر أو استثمرت في إيران». ومن جانبه، أعلن وزير الاقتصاد، أن «التحدي الاقتصادي «الذي تطرحه العقوبات الأميركية» لا يمكن الاستهانة به؛ لأن الكثير من الشركات «الفرنسية» استثمرت بقوة في قطاعات الطيران وصناعة الأدوية والطاقة وصناعة السيارات في إيران، مضيفاً إنها وقّعت على عقود «بنية سليمة» «أي باحترام ما كان سائداً وقتها من قوانين» ويعين بالتالي «احترام» مصالحها. وتجدر الإشارة إلى أن المبادلات التجارية الفرنسية - الإيرانية قد حققت نهوضاً ملموساً في عام 2017؛ إذ وصلت إلى 1.5 مليار يورو. ووفق المعلومات الفرنسية، فإن أولى العقوبات التي ستطبق سوف تطال صناعة السيارات والصناعات الفضائية، وهو ما سيصيب شركتي «بيجو» و«رينو» للسيارات وشركة «إيرباص» صانعة الطائرات. ووقعت الأخيرة عقداً بقيمة 18 مليار دولار لتزويد إيران بمائة طائرة تم تسليم ثلاث طائرات منها فقط.
إزاء هذا الوضع، تنتظر باريس مجيء وزير الخارجية الأميركي مايك بامبيو إلى أوروبا للتعرف على ما يمكن أن تتنازل عنه واشنطن في موضوع العقوبات. كذلك، فإن الأنظار تتجه إلى بروكسل، حيث سيفاوض الاتحاد الأوروبي باسم الأوروبيين جميعاً. أما الأسلحة التي يشحذها هؤلاء لمواجهة السياسات الأميركية يبدو أنها غير مقنعة، والدليل على ذلك تمهيد «توتال» لخروجها من إيران.
وأفادت «رويترز» نقلاً عن وزير النفط الإيراني بيجن زنغنه، بأن «توتال» لن تدفع غرامة إذا انسحبت من مشروع بارس الجنوبي، مضيفاً أنها لن يكون بمقدورها استبقاء استثمارها في إيران حتى ينتهي المشروع. وتابع زنغنه «هم لم يقولوا إنهم سينسحبون. هم يقصدون أن (توتال) ربما لن يكون بمقدورها مواصلة أنشطتها في إيران».
وسارعت طهران للتخفيف من وطأة الخبر على الشركات الأخرى، وقال الموقع الإخباري لوزارة النفط الإيرانية «شانا»، إن شركة نفط الجنوب الوطنية الإيرانية وقّعت مذكرة تفاهم أمس مع كونسورتيوم، دولي يعرف باسم «بيرجاس»، لتطوير حقل كارانج النفطي.
وأضاف الموقع الإخباري، إن الكونسورتيوم الذي مقره لندن سيساعد إيران على إنتاج 655 مليون برميل من النفط من الحقل الواقع في إقليم خوزستان (الأحواز) على مدار الأعوام العشرة المقبلة.
«توتال» تشترط إعفاءً أميركياً للبقاء في إيران
طهران تقول إن الشركة الفرنسية لن تسترجع ما استثمرته ما لم ينتهِ المشروع
«توتال» تشترط إعفاءً أميركياً للبقاء في إيران
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة