كشف مسؤولون أميركيون عن عملية احتيال سهّلت دخول أجانب إلى الأراضي الأميركية بهويات مزورة. وحسب المسؤولين، فقد أظهرت التحقيقات وجود ثغرات أمنية خطيرة نتيجة لاختراق نظام طباعة جوازات السفر في المجر.
وكشفت وثيقة صادرة عن وزارة الأمن الداخلي الأميركي، حصلت صحيفة «واشنطن بوست» على نسخة منها، أن نحو 700 مهاجر من خارج المجر تمكنوا من الحصول على جوازات سفر مجرية حقيقية بالخداع وانتحال صفة أصحابها المجريين الأصليين.
ومن تلك المجموعة، حاول 85 شخصاً على الأقل السفر إلى الولايات المتحدة، 65 منهم تمكنوا بالفعل في دخول الولايات المتحدة بمقتضى برنامج الإعفاء من تأشيرة الدخول التي يتمتّع بها أعضاء الاتحاد الأوروبي. وبدءاً من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بقي 30 شخصاً منهم في الأراضي الأميركية على الرغم من الجهود التي بذلتها وزارة الأمن الداخلي الأميركي للعثور عليهم وترحيلهم.
ورفضت السلطات الأميركية الإفصاح عن سبب دخول هؤلاء المهاجرين الولايات المتحدة بصورة غير قانونية، ولا عدد الهاربين منهم حتى الآن. لكن الخبراء أفادوا بأن استخدام جوازات سفر أصلية من قبل أشخاص غير أصحابها الحقيقيين يمثل تهديداً حقيقياً على الولايات المتحدة، وعلى غيرها من الدول.
وفي ذات السياق، أفصح المسؤول السابق بوزارة الأمن الداخلي الأميركي، ستيورات بيكر، الذي تعامل مع التهديدات النابعة من أوروبا والشرق الأوسط، عن أن «الخطر الظاهر يتمثل في القادمين إلى الولايات المتحدة بهدف يستدعي إخفاء هوياتهم الحقيقية»، مضيفاً أن «الهدف الأكثر شيوعاً من الإقدام على ذلك هو تهريب المخدرات، أو العصابات المنظمة، أو الهجرة غير الشرعية». واستطرد أن «الأسباب الأكثر خطراً تتمثل في احتمال قيام تنظيم منظم مثل (داعش) أو (القاعدة) بشراء تلك الوثائق الثبوتية، وربما يكون وراءها الجواسيس الروس الذين طردناهم وعادوا إلى أوكرانيا ثم قاموا بشراء جوازات سفر مجرية للعودة مجدداً إلى الولايات المتحدة».
وأفصح مسؤولو وزارة الأمن الداخلي الأميركي أنهم يعتقدون أن المجرمين قد حصلوا على جوازات سفر أصلية مستغلين برنامجاً حكومياً مجرياً يسمح للمجريين الذين يعيشون خارج البلاد بالحصول على جنسية بلادهم في وقت قصير. وطُبق هذا الإجراء عام 2011 على يد رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، الذي التفت إلى أهمية التواصل مع المواطنين المجريين في المهجر والمنتشرين في مختلف أرجاء أوروبا منذ زمن الحربين العالميتين الأولى والثانية.
ويُسمح لمواطني المجر، الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي، بالسفر من دون تأشيرة دخول إلى الولايات المتحدة، مما يجعل الحصول على حق المواطنة المجرية أمراً مغرياً للمجريين الأصليين المقيمين في بلاد أخرى تتطلب المزيد من الإجراءات، مثل حال أوكرانيا وروسيا.
ومنذ عام 2011، حصل أكثر من مليون شخص على الجنسية المجرية من خلال البرنامج ذاته. ويعتقد المسؤولون الأميركيون أن المجرمين قد حصلوا على بعض جوازات السفر الخاصة بالمواطنين المجريين الجدد، ثم باعوها لمشترين انتحلوا صفة أصحابها، للسفر إلى دول مختلفة.
وتسببت الأزمة الجديدة في توتر العلاقات بين الولايات المتحدة والمجر بصورة غير متوقعة رغم التوافق الآيديولوجي بين رئيس الوزراء المجري أوربان، والرئيس الأميركي دونالد ترمب اللذين يتشابهان في نهجهما المتشدد في التعامل مع المهاجرين وأمن الحدود.
يعد أوربان أحد أكثر القادة الأوروبيين تشدداً في التعامل مع الهجرة، حيث أمر ببناء سور على الحد الجنوبي للبلاد في أثناء أزمة الهجرة عام 2015 عندما قام مئات الآلاف بالتدفق إلى أوروبا. وكان أوربان أحد القادة الأوروبيين القلائل الذين أيدوا ترمب خلال الحملة الانتخابية الرئاسية عام 2016، فقد رحّب بانتخاب ترمب، ووصفه بـ«الحدث التاريخي الذي جعل الحضارة الغربية تتحرر من سجن الآيديولوجية».
وبالمثل، فقد حاز أسلوب أوربان وفصاحته في التعبير عن القومية على إعجاب الدائرة المقربة من ترمب، وتجلى ذلك في وصف ستيفين بانون، كبير الخبراء الاستراتيجيين السابق لترمب في مارس (آذار) الماضي، أوربان بـ«البطل والرجل الأبرز على الساحة في الوقت الحالي».
بيد أن المخاوف التي تسببت فيها أزمة جوازات السفر وما تبقى من مخاوف بشأن تراجع الديمقراطية في المجر استمرت في التأثير سلباً على العلاقات بين الدولتين.
وفي أكتوبر الماضي، أرسلت الولايات المتحدة تحذيراً إلى المجر بتقليص حظوظها من برنامج الهجرة الأميركية بجعلها «مشروطة».
ويمنح برنامج الهجرة الأميركي حق السفر بغرض السياحة والتجارة لمواطني 38 دولة لمدة 90 يوماً، من دون شرط الحصول على تأشيرة دخول. غير أن التحذير الأخير اشترط على مواطني المجر ضرورة التقدم بطلب، والانتظار 45 يوماً قبل الحصول على الموافقة.
وحسب مساعد وزير الأمن القومي للشؤون الدولية، جيمس نيلون، فإن «وزارة الأمن الداخلي مستعدة للمزيد من الإجراءات العملية حال فشلت المجر في تنفيذ تعهداتها». وعلى الرغم من التحذير، لا يزال الكثير من الأخطاء يشوب نظام طباعة جوازات السفر المجرية. والشهر الماضي، حذّر مسؤولون كبار بوزارة الأمن الداخلي الأميركي كانوا قد سافروا إلى بودابست، من أن المجر قد تتعرض للإيقاف أو الطرد من برنامج السفر إلى الولايات المتحدة الممنوح لدول الاتحاد الأوروبي، حال فشلت السلطات المجرية في علاج الخلل.
وفي هذا الصدد، قال مسؤول بوزارة الأمن الداخلي الأميركي، طلب عدم ذكر اسمه، إنه «لأمر بالغ الخطورة أن تسمح لشخص ما بالسفر في أي وقت وتكتشف لاحقاً أنه ليس الشخص المدون اسمه في جواز السفر». وأضاف المسؤول أن المجر وعدت «بإجراء تصحيحي، لكن العمل لا يزال قيد التنفيذ».
ورفض المتحدث باسم وزارة الأمن الداخلي الأميركي، تيلور هولتون، التعليق على مدى التقدم الذي حققته السلطات المجرية لحل أزمة الثغرة الأمنية، فيما أفاد وزير الداخلية المجري بأن مناقشات تُجرى مع وزارة الأمن الداخلي الأميركي لحل الأزمة.
* خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ«الشرق الأوسط»
الولايات المتحدة تبحث عن عشرات دخلوا أراضيها بهويات مزورة
نظام جوازات سفر المجر سمح للمئات بالتلاعب بالقانون
الولايات المتحدة تبحث عن عشرات دخلوا أراضيها بهويات مزورة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة