ربما تذكرنا تقنية الواقع الافتراضي بتقنية الشاشات الثلاثية الأبعاد التي توقع الكثيرون أن تغزو البيوت وأن تحل محل شاشات التلفزيون التقليدية ولكن بعد نحو عشر سنوات من ظهور أول تلفزيون ثلاثي الأبعاد فقد بات واضحا للجميع أن هذه التقنية انقرضت ولم يعد لها وجود. ولعل من أهم العوامل التي ساهمت في اندثار هذه التقنية هي السعر المبالغ فيه وقلة إنتاج المحتوى الثلاثي الأبعاد بالإضافة إلى أن الغالبية العظمى من المستخدمين لم يحبذوا ارتداء نظارات غريبة الشكل لفترات مطولة أمام أجهزة التلفاز.
- تحديات الواقع الافتراضي
ومع تقدم الوقت نرى نفس العوائق تقف مجددا في وجه تقنية الواقع الافتراضي، فعلى سبيل المثال نجد أن أشهر نظارات الواقع الافتراضي في الوقت الحالي كنظارة «أوكولوس ريفت» Oculus Rift و«إتش تي سي فايف» HTC Vive لا تشغل إلا عن طريق توصيلها سلكيا بجهاز كومبيوتر باهظ الثمن مخصص للألعاب، أما «سوني بلاي ستيشن في آر» Sony PlayStation VR فلا تعمل إلا بتوصيلها بأجهزة سوني بلاي ستيشن.
أما بالنسبة لجهازي «سامسونغ غير في آر» و«غوغل داي دريم» فإنهما لا يعملان إلا عن طريق توصيلهما مع مجموعة محددة من الهواتف الذكية التي تعمل بنظام الآندرويد وللأسف فإن ملاك جوال آيفون لن يستطيعوا استخدامهما.
من جهة أخرى حاولت مايكروسوفت تخطي بعض هذه العواقب لتقدم لنا عدسة «هولولينس» HoloLens التي تعتمد على الواقع المعزز Augmented Reality والتي يمكن ربطها بكومبيوترات عادية كالموجودة في بيوتنا ولكن سعرها مرتفع بعض الشيء كما أنها توفر عدة نظارات لمهام مختلفة فبعضها مخصص للألعاب وأخرى مخصصة للسياحة الافتراضية.
وإلى وقت ليس بالبعيد، كانت جميع العقبات المذكورة آنفا تقف في طريق انتشار تقنية الواقع الافتراضي إلى أن أعلنت «فيسبوك» بداية شهر مايو (أيار) عن نظاراتها الجديدة التي لن تكلف أكثر من 200 دولار أميركي.
- جهاز «فيسبوك»
اتخذت «فيسبوك» هذه الخطوة لإعطاء الواقع الافتراضي فرصة أخرى ليحظى بقبول الناس، فقدمت لنا «أوكولوس غو» Oculus Go وهي عبارة عن نظارة واقع افتراضي مستقلة يمكنك تشغيلها دون ربطها بجهاز كومبيوتر أو توصيلها بهاتف ذكي كما جرت العادة مع قطع الواقع الافتراضي المنافسة.
بهذه الخطوة أرادت الشركة أن تجعل من Oculus Go إحدى أبسط نظارات الواقع الافتراضي التي يمكن الحصول عليها في السوق نظرا لسعرها المنافس بالإضافة إلى سهولة إعدادها إذ لا يتكلف الأمر منك إلا تحميل التطبيق الرسمي للجهاز على جوالك الآندرويد أو الآيفون وتوصيلها بالشبكة اللاسلكية المنزلية.
النظارة تأتي بتصميم لطيف مشابه لتصميم «سامسونغ غير في آر» ويوجد بها شريط لين يمكنك تحريكه وضبطه لكي يتناسب مع رأسك كما سيتوجب عليك اختيار الزاوية المناسبة للرؤية إذ لا تأتي النظارة بزر مخصص للتركيز التلقائي Auto Focus ولربما كان هذا أحد العيوب التي يتوجب على «فيسبوك» تداركها.
أيضا الجيد في تصميم النظارة أنها تدعم ارتداء نظارة طبية نظرا للفراغ الذي توفره النظارة بين جسمها وجبهتك كما أن مصممي النظارة سيقومون بإضافة ملحق خاص لكي تستطيع إدراج عدساتك الطبية فيها ولا تضطر لارتدائها خصوصا أن ارتداء نظارتين لن يكون بالأمر السهل للكثير المستخدمين.
أيضا تأتي النظارة بسماعات داخلية ولو أن جودتها لن تكون بنفس جودة سماعات الأذن التي يفضل الكثيرون استخدامها للحصول على أفضل تجربة سماعية خصوصا أثناء ممارسة الألعاب أو مشاهدة مقاطع الفيديو.
كما يأتي مع النظارة جهاز تحكم عن بُعد يمكن من خلاله التحكم بسهولة في حالة توقف المؤشر الافتراضي عن العمل، إلا أن عيبه الوحيد أنه يفتقر إلى التحكم في مستوى الصوت على عكس جهاز التحكم الخاص بـ«سامسونغ غير في آر» مثلا كما لا يمكن توصيله والتحكم به إلا عن طريق جهاز تحكم واحد فقط على عكس النظارات المنافسة. أما بالنسبة للبطارية، فإنها تدوم لغاية ساعتين ونصف الساعة في حالة مشاهدة مقاطع الفيديو أو الأفلام ونحو الساعتين في حالة استعمال النظارة للألعاب.
- مئات التطبيقات والعروض
ما الذي يمكنك فعله بنظارة أوكولوس غو؟ عندما تطلق فيسبوك النظام ستقوم بتوفير أكثر من 1000 تطبيق وأفلام وألعاب وتجارب حية لكي تجذب أعين الناس لهذه التقنية ولكي نحكم على مدى نجاحها يجب التريث وتجربة المحتوى لنعرف ما إذا أتت «فيسبوك» بشيء جديد يمكنه أن يدفع الناس لشراء أوكولوس غو.
ولكي تأخذ فكرة على هذه المحتوى، فلو كنت عاشقا للمصارعة الحرة مثلا، ستأخذك أوكولوس غو إلى مسرح الحدث لتجد نفسك جالسا في الصف الأول مستمتعا برؤية نجومك المفضلين يتصارعون داخل الحلبة ولو كنت مشجعا لكرة السلة فيمكنك أيضا مشاهدة نجوم الدوري الأميركي يلعبون مباشرة أمام ناظريك وكأنك داخل الملعب. الأمر يذهب لأكثر ذلك ببعيد، فمن خلال التجارب الحية المتوفرة ستتمكن من الغوص تحت أعماق البحار وتسبح مع أنواع مختلفة من الحيتان في مشهد يعجز الكلام عن وصفه.
كما يقوم فريق عمل أوكولوس غو بإضافة الكثير من المزايا الجديدة وقد قاموا بعقد شراكات مع كبرى المحطات والإذاعات التلفزيونية مثل Showtime والتي سيتم الإفصاح عنها نهاية شهر مايو (أيار).
وبما أن «فيسبوك» في الأساس شبكة اجتماعية، فهناك توجه لإدماج التواصل الاجتماعي داخل الواقع الافتراضي عن طريق توفيرها لتطبيق أوكولوس رومس Oculus Rooms، الذي تستطيع من خلاله دعوة الأصدقاء للانضمام إليك سواء لمشاهدة مباراة كرة قدم أو مقاطع الفيديو أو لممارسة بعض الألعاب الرقمية.
وأخيرا، فإن التوجه العام من الآن فصاعدا سيكون إنتاج المزيد من نظارات الواقع الافتراضي المستقلة والتي لا تحتاج لهاتف أو كومبيوتر لاستخدامها. وها قد شهدنا اليوم بداية هذه الحقبة مع أوكولوس غو وستليها شركات إتش تي سي HTC وغوغل Google ولينوفو Lenevo - كما تفيد بعض المصادر - والوقت وحده كفيل لنعرف هل ستنجح أوكولوس ورفيقاتها بإقناع الناس بتقنية الواقع الافتراضي أم سيكون مصيرها كمصير شاشات التلفزيون الثلاثية الأبعاد.