«الخطوط الحمراء»... هاجس يؤرق وسائل الإعلام الجزائرية

عشرات الصحف الإلكترونية والفضائيات مهددة بالحجب والإغلاق

قناة «الوطن» ذات التوجه الإسلامي أغلقتها الحكومة منذ 3 سنوات بسبب استضافة زعيم جماعة مسلحة سابق
قناة «الوطن» ذات التوجه الإسلامي أغلقتها الحكومة منذ 3 سنوات بسبب استضافة زعيم جماعة مسلحة سابق
TT

«الخطوط الحمراء»... هاجس يؤرق وسائل الإعلام الجزائرية

قناة «الوطن» ذات التوجه الإسلامي أغلقتها الحكومة منذ 3 سنوات بسبب استضافة زعيم جماعة مسلحة سابق
قناة «الوطن» ذات التوجه الإسلامي أغلقتها الحكومة منذ 3 سنوات بسبب استضافة زعيم جماعة مسلحة سابق

احتجّت صحف إلكترونية جزائرية على غياب قانون يضبط هذا النشاط الذي ازداد كثافة منذ 2011، بالموازاة مع إطلاق أولى الفضائيات الخاصة، في سياق «شبه انفتاح إعلامي» أظهرته الحكومة حينها، خوفاً من وصول رياح «الربيع العربي» التي هبّت على تونس ومصر إليها.
اجتمع الأسبوع الماضي في العاصمة رؤساء تحرير 20 موقعاً إلكترونياً إخبارياً باللغتين العربية والفرنسية، بغرض الاتفاق على نوع وشكل الأعمال التي يعتزمونها تجاه السلطات لوضع حد لفراغ قانوني بدأ منذ سنوات عديدة، ورفضت السلطات تداركه عندما أدخلت تعديلاً على قانون الإعلام عام 2012، وأبدت «نقابة الناشرين الإلكترونيين»، حديثة النشأة (لم تحصل على ترخيص من وزارة العمل)، مخاوف من وقف بث الصحف التابعة لها، من طرف شركة الهاتف الثابت الحكومية التي تحتكر نظام التدفق السّريع للإنترنت، في حال قدرت السلطات أنّ المادة التي تنشرها «تجاوزت الخطوط الحمراء».
وتعرض الموقع الإخباري «كل شيء عن الجزائر»، بنسختيه الفرنسية والعربية، العام الماضي للحجب لمدة شهرين. ولم يعرف مديره حميد قماش، السبب. ونفت «اتصالات الجزائر» الحكومية أي مسؤولية لها، على الرّغم من أنّها المزود الوحيد للتدفق العالي للإنترنت في البلاد. وتبين أن هدى فرعون وزيرة البريد وتكنولوجيا الإعلام والاتصال، هي من أمرت بحظر الموقع بشبكة الهاتف الثابت، والجوال أيضاً (شركة موبيليس). واتضح لاحقاً أنّ سبب العقوبة كتابات نشرها الموقع عن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وقائد أركان الجيش الفريق قايد صالح. وصرّح قماش بأنّه على يقين بأنّ الخط التحريري لـ«كل شيء عن الجزائر»، غير المهادن للسلطات، كان سبب الحجب.
وعاد الموقع إلى الخدمة، لكن قوة طرح القضايا التي اشتهر بها تراجعت بعدما استوعب مسؤولوه «الدرس» جيداً. بمعنى آخر، عرفوا أنّ هناك «خطوطاً حمراء» لا يمكنهم تخطيها. وكانت هذه التجربة عبرة لبقية المواقع الإخبارية، وسبباً مباشراً في تأسيس نقابة. واللافت أنّ مسؤولي وصحافيي الجرائد الحكومية والخاصة، لم يُظهروا أي نوع من التضامن والمساندة للمواقع الإخبارية التي ضاقت ذرعاً بحالة «الفراغ القانوني» التي توجد فيها، وقليل من الصحف كتب عن لقاء مسؤولي الجرائد الإلكترونية، وقلة أيضاً مَن نشر خبر إطلاق نقابة. يشار إلى أن «النقابة الوطنية للصحافيين» التي تعترف بها السلطات، وهي الوحيدة في الساحة الإعلامية، لا تحظى بتمثيل واسع وسط الصحافيين الذين تفرِّق أغلبهم حساسيات سياسية وآيديولوجية.
وتعاني نحو 35 فضائية خاصة، تقريباً، من نفس وضعية المواقع الإخبارية، وعلى الرّغم من صدور قانون للإعلام السمعي البصري منذ 6 سنوات والذي ينهي احتكار الدولة للبث التلفزيوني، فإن مماطلة الحكومة في إعداد «النصوص التطبيقية» المرتبطة بالقانون، دفعت أصحاب الفضائيات إلى إنشائها في الخارج، وهي حالياً تبث برامج جزائرية بحتة، لكنّها تخضع لقانون أجنبي. وقد أثرت هذه الحالة على المادة الإخبارية التي تعرضها على الجمهور، بينما تتحاشى غالبية القنوات البرامج السياسية حتى لا تتعرّض للإغلاق كما حدث مع قناة «الوطن» ذات التوجه الإسلامي التي أغلقتها الحكومة منذ 3 سنوات بسبب استضافة زعيم جماعة مسلحة سابق، انتقد بوتفليقة بشدة. ولقيت قناة «الأطلس» نفس المصير عام 2014، لأنّها هاجمت شقيق الرئيس وكبير مستشاريه السعيد بوتفليقة. ونتيجة لذلك، وجّهت الفضائيات بوصلتها إلى برامج الرياضة والتسلية، فهي لا تثير إزعاج السلطات.
و«الخطوط الحمراء» الشهيرة في الوسط الإعلامي، والتي يتداولها الصحافيون، من دون أن تحددها السلطات، تتعلق بأكبر مؤسستين في البلاد: رئاسة الجمهورية والجيش. الأولى تمنع الخوض في شؤونها، وبخاصة إذا ارتبط الأمر بصحة رئيس الجمهورية. ويعلم الصحافيون جيداً أن هذه القضية بالذات ستكون أكثر حساسية بالنسبة إلى السلطات، كلّما اقتربت رئاسية 2019، خصوصاً إذا أبدى بوتفليقة رغبة في تمديد حكمه.
تلقت كل الصحف الخاصة المصنفة معارضةً للرئيس ما يشبه تعليمات بلّغها لها سياسيون مقربون من الحكومة، تحرّم عليها الإكثار من الإشارة إلى أنّ بوتفليقة مريض وعاجز عن تسيير دفة الحكم. ومطلوب من كل وسائل الإعلام التعاطي مع رسائل الرئيس وخطبه التي تبثها وكالة الأنباء الحكومية، من دون طرح تساؤل إن كان مضمونها للرئيس فعلاً، أم أنها لغيره. مع العلم أنّه لم يخاطب الشعب بصفة مباشرة منذ 8 مايو (أيار) 2012، يومها أطلق إشارات تفيد بأنّه لن يضيف لنفسه ولاية رابعة، لكن العكس قد حصل في انتخابات 2014.
تستخدم السلطة ضد وسائل الإعلام، سلاحاً فتاكاً تستعمله الإعلانات الحكومية التي تتحكم فيها، لإدخالها بيت الطاعة. كما تشهر عقوبة الضرائب في وجه الشركات والمستثمرين، إن منحوا إعلاناتهم لـ«المغضوب عليهم» من مؤسسات الإعلام.
أمّا «الخط الأحمر الثاني» فهو الجيش الذي يمنع قادته انتقادهم ولا يريدون من الصحافة أن «تحشر أنفها» في صفقات السلاح، ولا أن تتساءل عن ضخامة موازنة الدفاع (11 مليار دولار سنوياً). كما مُنع على الصحافيين قبل عامين، الخوض في الصيغة الجديدة لقانون المستخدمين العسكريين الذي نص على عقوبة السجن ضد أي ضابط متقاعد، تحدث إلى الصحافة عن الشؤون الداخلية للجيش. الفريق صالح نائب وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش، يلقي خطاباً يتناول فيه المسائل العسكرية في البلد أقلّه مرتين في الأسبوع، وهي في غالبيتها مزوّرة منذ عامين، في إطار خطة محاربة الإرهاب. وفي خطبه، يهاجم صالح خصوم الرئيس السياسيين، ما يعني أنّه تعدى صلاحياته كمسؤول عسكري، وبدت عليه حسب مراقبين، علامات الرغبة في الترشح للرئاسة إن عزف عنها بوتفليقة الذي هو وزير الدفاع وقائد القوات المسلحة.
ويرفض قادة العسكر رفضاً قاطعاً، أن تتساءل الصحافة عن سبب تكرار سقوط الطائرات العسكرية، ولا أن تطالب بإطلاع الرأي على نتائج التحقيق في هذه الحوادث، فذلك مصنف ضمن «أسرار الدفاع». كان الحال هكذا في حادثة سقوط طائرة «إليوشين» بشرق البلاد عام 2013 (77 قتيلاً)، ثم تحطم طائرة أخرى من الطراز نفسه في 4 أبريل (نيسان) الماضي، بالقرب من العاصمة (240 قتيلاً)، وقد اكتفت الصحافة بتغطية الكارثتين «سطحياً» من دون التعمق في الأسباب، وهذا ما يريده مسؤولو الجيش.
نفس «أسرار الدفاع»، كانت سبباً في سجن صحافي منذ يونيو (حزيران) العام الماضي، يسمى سعيد شيتور. وعلى الرّغم من مرور قرابة سنة على اتهامه بـ«بيع وثائق سرية لدبلوماسيين أجانب»، لا أحد يعرف كيف حصل شيتور على تلك المستندات وما الجهة أو الشخص الذي سلّمها له، وما الجهة الشاكية؟
تساؤلات كثيرة يطرحها صحافيون على «استحياء»، لأنّ غالبيتهم يعرف بأنّ الجنرال صالح هو من أمر بسجنه. حتى محامياه خالد بورايو وميلود إبراهيمي، يتفاديان الغوص في القضية على أعمدة الصحف أو الفضائيات، إدراكاً منهما أن حالة سعيد ستتعقد إن هم ندّدوا بهذا الغموض الذي يكتنف القضية. وعلى الرّغم من تنديد قطاع من الصحافيين بسجن الصحافي محمد تامالت في عام 2016، لم تفرج السلطات عنه فمات في السجن متأثراً بمضاعفات إضرابه عن الطعام لمدة 4 أشهر. وقد سجن محمد لأنّه نشر قصيدة شعرية عُدَّت مسيئة للرئيس، ولأنّه هاجم بشدة قايد صالح ورئيس الوزراء سابقاً عبد المالك سلال وزوجته.


مقالات ذات صلة

«SRMG Labs» تتألق في جوائز «كليو» العالمية

يوميات الشرق شهد حفل توزيع جوائز «كليو» تكريم مبادرة «صوت الأرض» بـ7 جوائز مرموقة play-circle

«SRMG Labs» تتألق في جوائز «كليو» العالمية

حققت «SRMG Labs»، وكالة الخدمات الإبداعية والإعلانية التابعة للمجموعة السعودية للأبحاث والإعلام (SRMG)، إنجازاً قياسياً بفوزها بجوائز «كليو» العالمية المرموقة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق تناول اللقاء تطورات المشهد الإعلامي المتغير وسبل تنويع المحتوى الإبداعي التنافسي لتلبية تطلعات المتابعين (تصوير: سعد الدوسري)

«الأبحاث والإعلام» ووزير الإعلام الباكستاني يبحثان آفاق التعاون الإعلامي

استقبلت المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام (SRMG) في مقرّها بالرياض، وزير الإعلام الباكستاني عطا الله تارار، لبحث فرص التعاون في المجال الإعلامي وتطوير المحتوى.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق فوز أيمن الغبيوي عن مسار «التقرير الصحافي» بجائزة «المنتدى السعودي للإعلام» (إندبندنت عربية)

«إندبندنت عربية» تحصد ثامن جوائزها في عامها السابع

فازت «إندبندنت عربية»، الجمعة، بجائزة «التقرير الصحافي» في «المنتدى السعودي للإعلام» 2025، عن تقرير «مترو الرياض... رحلة فلسفية للتو بدأت فصولها».

الولايات المتحدة​ صورة ملتقطة في 20 فبراير 2025 تظهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدّث خلال فعالية شهر تاريخ السود في البيت الأبيض بالعاصمة الأميركية واشنطن (د.ب.أ) play-circle

ترمب عن وكالة «أسوشييتد برس»: «منظمة يسارية راديكالية»

اتهم الرئيس الأميركي دونالد ترمب وكالة «أسوشييتد برس» بأنها «منظمة يسارية راديكالية»، في أحدث انتقاداته حيالها على خلفية عدم التزامها بتغيير اسم «خليج المكسيك».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق 
إحدى جلسات المنتدى السعودي للإعلام (المنتدى)

«المنتدى السعودي» يبحث دور الإعلام في تشكيل الهويات الثقافية

شهدت أعمال اليوم الثاني من «المنتدى السعودي للإعلام» في نسخته الرابعة بالرياض، أمس، جلسات نقاش وورش عمل أثرتها مشاركة إعلاميين وأكاديميين وخبراء ومتخصصين

عمر البدوي (الرياض)

زيد بن كمي نائباً لمدير شبكة «العربية»

الزميل زيد فيصل بن كمي
الزميل زيد فيصل بن كمي
TT

زيد بن كمي نائباً لمدير شبكة «العربية»

الزميل زيد فيصل بن كمي
الزميل زيد فيصل بن كمي

أعلنت شبكة «العربية» الإخبارية عن تعيين الصحافي السعودي زيد فيصل بن كمي نائباً لمدير عام قناتي «العربية» و«الحدث»، بهدف «تعزيز الأداء التحريري وتطوير استراتيجياتها الإعلامية وفق أعلى المعايير المهنية».

ويُعد زيد بن كمي من الصحافيين السعوديين البارزين، إذ بدأ مسيرته قبل 25 عاماً كمراسل وصحافي متنقلاً بين الصحافة المكتوبة والمرئية، ما أكسبه خبرة واسعة في مختلف أشكال العمل الإعلامي.

وشغل مناصب قيادية عدة في مؤسسات إعلامية مرموقة، منذ كان مديراً لتحرير صحيفة «الشرق الأوسط» في السعودية، قبل أن ينتقل إلى لندن عام 2015 لتولي منصب مساعد رئيس التحرير. وفي عام 2024، أصدرت المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام قراراً بتعيينه نائباً لرئيس التحرير، ما عزز من دوره في تطوير المحتوى التحريري وإدارة الفرق الصحافية على المستويين الإقليمي والدولي.

إلى جانب عمله الصحافي، عمل زيد بن كمي محاضراً زائراً في جامعات سعودية، ومستشاراً إعلامياً لعدد من المؤسسات. كما شارك في العديد من المؤتمرات والمحافل الدولية والمحلية، مما ساهم في إثراء خبرته الإعلامية. كما تم انتخابه عضواً في مجلس إدارة هيئة الصحافيين السعوديين.

وقال المدير العام لقناتي «العربية» و«الحدث» ممدوح المهيني إن انضمام زيد بن كمي إلى فريق القيادة في الشبكة «يأتي في إطار استراتيجية تعزيز المحتوى الإخباري وتوسيع نطاق التغطية، مع التركيز على الابتكار الإعلامي والتطور الرقمي، خاصة أن الزميل زيد بن كمي يتمتع بخبرة مهنية كبيرة في إدارة وتطوير المؤسسات الإعلامية، ونتطلع إلى الاستفادة من رؤيته وخبرته في المرحلة القادمة لتعزيز مكانة القناتين كمنصات إخبارية رائدة على المستويين العربي والدولي».

وتتمنى أسرة «المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام» وصحيفة «الشرق الأوسط» للزميل زيد التوفيق والنجاح في مهمته الجديدة.