برلين تسعى للحد من تداعيات انسحاب واشنطن

وزراء خارجية الدول الأوروبية ألمانيا وفرنسا وبريطانيا يجتمعون بنظيرهم الإيراني محمد جواد ظريف بعد أيام

المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تلقي خطابا خلال مؤتمر لقادة الحزب المسيحي الديمقراطي في برلين أمس (أ.ف.ب)
المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تلقي خطابا خلال مؤتمر لقادة الحزب المسيحي الديمقراطي في برلين أمس (أ.ف.ب)
TT

برلين تسعى للحد من تداعيات انسحاب واشنطن

المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تلقي خطابا خلال مؤتمر لقادة الحزب المسيحي الديمقراطي في برلين أمس (أ.ف.ب)
المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تلقي خطابا خلال مؤتمر لقادة الحزب المسيحي الديمقراطي في برلين أمس (أ.ف.ب)

دعت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أمس، إلى عدم التشكيك في الاتفاق النووي مع إيران فيما أعربت عن أسفها جراء قرار ترمب الانسحاب من الاتفاق إلا أنها أقرت بوجود قلق ناجم عن برنامج إيران للصواريخ الباليستية ونفوذها في سوريا والعراق.
وأكدت برلين التزامها بالاتفاق النووي الإيراني «بشكل كامل» رغم انسحاب واشنطن منه. وقالت ميركل إنه «لا يجب أبدا التشكيك بالاتفاق»، مضيفة أن أوروبا ستواجه مسؤولية متزايدة لكي تضمن بقاء الأمن وتعمل على حلول سياسية في منطقة الشرق الأوسط.
وتعهدت ميركل بقيام برلين وباريس ولندن «بكل ما يلزم» لضمان بقاء إيران في الاتفاق النووي وقالت: «هذه أمور تتجاوز الاتفاق (النووي) علينا الحديث عنها».
وستناقش ألمانيا «الضمانات» التي يمكن تقديمها للشركات الأوروبية العاملة في إيران مع فرنسا وبريطانيا. ويعتبر بقاء الشركات الأوروبية في إيران أساسيا لإبقاء إيران ملتزمة بدورها بالاتفاق رغم خروج الولايات المتحدة منه. وسيعقد وزراء خارجية الدول الأوروبية الثلاث اجتماع الاثنين المقبل مع نظيرهم الإيراني محمد جواد ظريف.
ووصف الرئيس الألماني فرانك - فالتر شتاينماير، قرار ترمب بأنه «انتكاسة خطيرة» بالنسبة لدبلوماسية السلام.
من جهته، دعا وزير الخارجية الألماني هيكو ماس إلى تجنب «تصعيد لا يمكن ضبطه» في الأيام المقبلة في الشرق الأوسط. وقال إن على إيران أن «تتصرف بحكمة» وأن تبقى ملتزمة بالاتفاق النووي.
وبدأت الحكومة الألمانية بدراسة آثار العقوبات الأميركية المحتملة على الشركات الألمانية، التي هددت واشنطن بفرضها على الشركات الأوروبية العاملة في إيران. وقال وزير المالية أولاف شولتز إنه سيجري اتصالات مع نظرائه في واشنطن لمحاولة إيجاد حلول لتخفيف الآثار السلبية على الصناعات الألمانية.
وحاولت الحكومة الألمانية طمأنة الشركات الألمانية الكبرى العاملة هناك، وقال المتحدث باسم الحكومة باسمها إن الحكومة بدأت بدراسة آثار العقوبات المحتملة على الشركات الألمانية العاملة في إيران. ومن أكبر الشركات الألمانية العاملة هناك شركتا دايملر وسيمنز.
من جهته، قال رئيس السياسات الدولية في حزب ميركل نوربرت رويتغن إنه سيكون من الصعب الالتزام بالاتفاق دون الولايات المتحدة، نظرا إلى أن الشركات الأوروبية التي تواصل تعاملاتها التجارية مع الجانب الإيراني قد تتعرض لعقوبات أميركية قاسية.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن المسؤول الألماني قوله إن أي جهة «تستثمر في إيران ستواجه عقوبات قاسية من قبل الولايات المتحدة، ولا يمكن تعويض ثمن ذلك». وحذر: «لذلك فإن الشركات المتأثرة ستتراجع على الأرجح سريعا عن استثماراتها أو تنسحب من البلد تماما».
ورفضت جمعية الصناعيين الألمان الدعوات الأميركية بالانسحاب من السوق الإيرانية، ودعت في بيان الاتحاد الأوروبي إلى حماية الشركات الأوروبية العاملة هناك. ووصفت العقوبات التي قالت واشنطن إنها ستفرضها على الشركات العاملة في إيران في غضون 3 إلى 6 أشهر إن لم توقف أعمالها هناك، بأنها عقوبات «غير قانونية». وأضاف البيان أن الشركات الألمانية يجب أن تبقى قادرة على العمل في إيران ما دام الاتفاق الدولي قائما.
وضمت جمعية المصارف الألمانية صوتها إلى جمعية الصناعيين ودعت إلى حمايتها من العقوبات الأميركية المحتملة. وجاء هذا رغم أن معظم المصارف الألمانية كانت ما زالت ترفض تمرير تحويلات ومعاملات مع إيران خوفا من تعرضها لعقوبات.
وكان السفير الأميركي الجديد في برلين ريتشارد غرينفيل قد تسببت بجدل كبير في ألمانيا بين الصناعيين والسياسيين كذلك، عندما دعا في تغريدة على «تويتر» الشركات الألمانية إلى الانسحاب فورا من إيران بعد دقائق من إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب انسحاب بلاده من الاتفاق النووي.
وتسلم غرينفيل أوراق اعتماده من الرئيس الألماني قبل ساعات، بعد 15 شهرا من فراغ منصبه في برلين. ويعد غرينفيل من المقربين من ترمب الذي يشاطره أفكاره حول إيران وملفات كثيرة أخرى. وكان تحدث بخطاب شبيه قبل يوم من تسلمه مهامه، في مقابلة أدلى بها لقناة «فوكس نيوز»، داعيا الشركات الألمانية إلى وقف العمل في طهران.
وتعد ألمانيا من أكبر الشركاء التجاريين الأوروبيين لإيران، وحجم الصادرات الألمانية إلى هناك يتزايد كل عام منذ عام 2015. وبحسب أرقام غرفة التجارة بلغ حج التجارة مع إيران العام الماضي 3 مليارات ونصف المليار تقريبا.
من جهة ثانية، رد وولفغاغ إيشنغر، رئيس مؤتمر ميونيخ للأمن، على غرينفل في تغريدة على «تويتر» وجهها له ينصحه فيها بأن يفسر سياسات بلاده من دون إعطاء أوامر وكتب: «لا تقل للدولة المضيفة أبدا ما عليها القيام به إذا لم تكن تريد أن تقع في متاعب، الألمان يحبون الاستماع ولكنهم سيشعرون بالإهانة».
كما نقلت الصحف الألمانية ردودا عن سياسيين ألمان من مختلف الأحزاب رفضوا «اللهجة» التي استخدمها السفير الأميركي ووصفوها بأنها لهجة «تهديد».
ورغم الانتقادات السياسية والاقتصادية الحادة لقرار ترمب في ألمانيا، وأفراد الصحف الألمانية لمساحات كبيرة خصصتها للحديث عن الاتفاق النووي الإيراني والمخاوف من إيقاف العمل به، فقد نشرت صحف مؤثرة مقالات تنتقد الموقف الألماني.
صحيفة «بيلد» الشعبية الأكثر انتشارا في البلاد، كتبت مقالا تحت عنوان: «لماذا إلغاء الاتفاق النووي خبر سار للعالم؟». ومن ضمن المقال تصف الصحيفة النظام الإيراني بأنه يمتلك أمرين: النفط والإرهاب. وتضيف بأنه نظام «لا يلتزم بأي معايير أو اتفاقات». ووصفت الاتفاق النووي بأنه سمح لإيران بالحصول على المليارات من الأموال وأنه كان «أكبر برنامج لتمويل الإرهاب والعالم وأكثرهم غموضا».
ونشرت صحيفة «تاغس شبيغل» مقالا عنوانه «على ميركل أن تكشف كيف ستوقف إيران». ويعتبر المقال أن الخطاب في ألمانيا فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني «أحادي الجانب»، ويقول إن ميركل توافق ترمب في كثير من ملاحظاته على الاتفاق النووي وهو ما أبلغته به عندما التقته في واشنطن. وتحدث المقال عن النقاط التي تشعر ميركل بالقلق منها في الاتفاق النووي، وهي عدم تطرقه لبرنامج الصواريخ الباليستية التي يمكن لإيران أن تطورها لتصبح قادرة يوما على أن تطال أوروبا. ونقطة ثانية تشاطر ميركل قلق ترمب فيها هي المدة الزمنية التي يلزم الاتفاق فيها إيران بوقف تخصيبها النووي (حتى عام 2030)، وبأن ميركل تريد إلغاء المدة الزمنية. ونقطة ثالث تتعلق بتدخل إيران في الصراعات في منطقة الشرق الأوسط.
وأضافت الصحيفة أن «ترمب وميركل ليسا على مفترق طرق بل العكس، وهما يختلفان فقط في الأسلوب»، تدعو الصحيفة ميركل أو وزير خارجيتها إلى شرح هذا الموقف «غير المعروف» بوضوح.



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».