طباعة الكتاب وتوزيعه من أهم الإشكاليات التي تواجه المؤلف والناشر معا، محليا وعربيا، مشهد يلخصه أحد الكتاب على المستوى المحلي، بأن الكتاب الليبي ما زال يمر بمرحلة «القماط»، فوجوده كنص مطبوع، يبقي انتشاره محدودا في المقابل. وللوقوف على أسباب ذلك التقينا في هذا الاستطلاع عددا من مسؤولي دور النشر الليبية، الذين تحدثوا عن العراقيل والصعوبات التي تواجههم في مجال الطباعة والنشر.
يرى الكاتب والناشر إسماعيل البوعيشي، أن معوقات النشر كثيرة، تبدأ من شح المطابع، إلى غلاء أسعار الورق ومستلزمات التشغيل، وضعف القراءة، وعدم التوسع في إنشاء المكتبات التجارية.
ويضيف البوعيشي قائلا: «من أهم العوامل المساهمة في ازدهار حركة النشر، هو الاستقرار المؤسساتي، وبلادنا لم تعرفه منذ أربعة عقود، كما أن غياب الاستراتيجية جعل الدولة عاجزة عن إتمام وبناء أي مشروع حقيقي يخدم الثقافة، منذ الاستقلال وحتى هذه اللحظة، ففوضى المراحل انعكست سلبا على مختلف القطاعات. ما يوجد دائما محاولات تمضي قليلا ثم تتوقف مع قدوم وذهاب الوزراء في الحكومات المتعاقبة».
ومن المشكلات الأخرى التي يرى البوعيشي أنها أعاقت عملية نشر وتوزيع الكتاب الليبي، عدم وجود معارض للكتاب في ليبيا، وكذلك ضعف المشاركة في معارض الدول العربية الأخرى، يقول: «عدم انتظام المشاركة في المعارض ألقى بتبعاته على المؤلف الليبي، الذي لم يحظ برواج أعماله للأسف محليا وعربيا، لذلك لا يعرف القارئ العربي ربما إلا الروائي إبراهيم الكوني، والكاتب الصادق النيهوم، والروائي أحمد إبراهيم الفقيه. ومع أنه أُسس في العقود الأخيرة اتحاد للناشرين الليبيين، لكي يساهم في استمرار حركة النشر بعيداً عن البيروقراطية الإدارية للمؤسسات الرسمية، فإنه ضعيف الفاعلية».
وعن دور وزارة الثقافة، يقول: «وزارة الثقافة بلا ثقافة، هل تعلم أن عدد العاملين بوزارة الثقافة يفوق الأربعين ألف موظف، ولا يصدر كتاب واحد في العام، الموجود هو دعاية فقط».
أما فاطمة حقيق، مديرة مكتبة طرابلس للطباعة والنشر، فترى أن النتاج موجود وبقوة على مستوى الشعر والقصة والرواية، والدراسات الفكرية، إلا أن مسألة التوزيع كانت وما زالت هي المشكلة الأبرز، إذ لا توجد شركات متخصصة في تسويق الكتاب.
وفي استفسارنا عن شكوى القراء من ارتفاع سعر الكتاب، تعلل أسباب ذلك بالقول: «إن ذلك مرتبط بالوضع الاقتصادي العام الذي يعيشه المواطن، وانخفاض القوة الشرائية للدينار الليبي، فتوريد كتاب من دار نشر خارجية لنفترض بقيمة خمسة دولارات، يعني ثلاثين دينارا ليبيا، وهو سعر مكلف بالنسبة للمواطن البسيط، الذي يعاني من شح السيولة، وغلاء المعيشة».
من جهته، يتحدث مدير «دار الفرجاني» للنشر، أسامة الفرجاني، عن طبيعة العراقيل التي تواجهها داره في عمليتي الطبع والتوزيع: «المشكلة الرئيسية هي انخفاض مستوى القراءة، وكذلك عدم اهتمام الدولة بأهمية الكتاب وجدواه، فهي تعتبره من الكماليات، بالإضافة إلى عدم فتح اعتمادات مستندية تمكن الناشر من توريد الكتاب بأسعار تناسب دخل القارئ. للأسف، لا توجد قنوات خاصة بتوزيع الكتاب، ولا ثقافة إشهار، ولا أقصد هنا الجانب الدعائي؛ بل أعني على سبيل المثال أنشطة تساهم في التعريف بالمؤلف، كالمسابقات، والجوائز، والتكريم، إلى غير ذلك»، مشيرا إلى أنه في ظل أجواء محبطة كهذه لا يجد الكُتاب، وخصوصا الشباب، بُدا من طبع مؤلفاتهم خارج ليبيا.
وحول شكل الدعم المالي المقدم لدور النشر، يؤكد سراج سالم سعدون، مدير «دار الرواد» للطباعة والنشر، أن «القطاع الخاص في النشر معتمد بصورة كلية على مجهوداته الذاتية، فوزارة الثقافة المعنية في المقام الأول، لم تخصص أي مبالغ في ميزانيتها لدعمه، بالإضافة إلى أنها لم تقم بأي نشاط خلال السنوات القليلة الماضية؛ بل هي تتصرف مع دور النشر بعقلية القطاع الخاص، أو كمنافسة لها في السوق، وليس كمؤسسة حاضنة، ومكملة لها، فمثلا لدى الدار أكثر من ألف عنوان لدور نشر عامة، بما فيها مطبوعات لوزارة الثقافة، ومجلس الثقافة العام، ولا توجد خطوة في المقابل من وزارة الثقافة باقتناء ولو كتاب واحد من باب التشجيع، كما أنها تمتلك أكثر من مكتبة متنقلة، لم تتحرك أي منها منذ عام 2011».
ويرجع سراج السبب في قصور الأداء الإداري لتلك المؤسسات، إلى كون الأشخاص المسؤولين عن إدارتها لا تعنيهم الثقافة قط.
وفيما إذا كانت هناك آليات تتخذها دور القطاع الخاص لكسر حاجز محدودية النشر، يجيب سراج بقوله: «قمنا مؤخراً بالاتجاه إلى برنامج الطباعة المشتركة، وهو التعاون مع بعض دور النشر العربية، كاللبنانية مثلا، ما يضمن إلى حد ما استمرارنا في طباعة الكتاب إلى جانب تسويق النتاج الأدبي الليبي خارج الحدود، ولو بصورة متواضعة».
ولكن ماذا عن دور اتحاد الناشرين الليبيين؟ يجيب: «ليس له أي دور في الحقيقة. إنه حتى لم يقتن كتاباً واحداً منا من سنة 2003. كما شارك اتحاد الناشرين بمعرض تونس للكتاب مؤخرا، ولم يوجه لنا دعوة، مع العلم بأن الجناح المعطى من قبل اتحاد الناشرين التونسيين للدولة الليبية كان من دون مقابل».
هل ناقشتم مدير اتحاد الناشرين بخصوص مطالبكم؟ يجيب: «هذا الاتحاد، الجسم اختزل في شخص رئيسه. لا نائب هناك، ولا سكرتارية، ولا حتى رقم هاتف أو بريد إلكتروني. قانونيا هو غير موجود، فالجمعية العمومية لاتحاد الناشرين لم تجتمع لأكثر من سبع سنوات».
ومن المشكلات الأخرى التي تواجه الناشر الليبي هي غزو الكتب المزورة للسوق الليبية، وخاصة الروايات والكتب السياسية. ويصف سراج سعدون هذه الظاهرة بأنها «مرعبة»، إذ تمتلئ كثير من المكتبات، كما يقول، بالكتب المزورة: «فكتاب لـ(دان براون)، على سبيل المثال، يباع في مصر بمائة وعشر جنيهات، ما يقابل 45 دينارا ليبيا، لكنه يباع في ليبيا بعشرين دينارا، أي مهما تحصلت على نسبة خصم من الناشر الأصلي فلا يمكن أن يصل إلى هذا السعر، إضافة إلى وجود صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي تختص ببيع وترويج النسخ المزورة، وهو ما يؤثر على مبيعات الكتاب الليبي الذي يخوض معركة غير متكافئة مع ظاهرة التزوير».
ناشرون ليبيون: تزوير الكتب تحول من مشكلة إلى ظاهرة مرعبة
ناشرون ليبيون: تزوير الكتب تحول من مشكلة إلى ظاهرة مرعبة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة