اقتتال بين حلفاء واشنطن يكشف «ألغام» شرق نهر الفرات

«قوات سوريا الديمقراطية» هاجمت مقراً لقيادي في «قوات النخبة العربية»

صورة من الأرشيف لعربة أميركية شمال سوريا (أ.ب)
صورة من الأرشيف لعربة أميركية شمال سوريا (أ.ب)
TT

اقتتال بين حلفاء واشنطن يكشف «ألغام» شرق نهر الفرات

صورة من الأرشيف لعربة أميركية شمال سوريا (أ.ب)
صورة من الأرشيف لعربة أميركية شمال سوريا (أ.ب)

اشتباك مسلح حصل في ريف دير الزور، في اليومين الماضيين، حمل كثيراً من المؤشرات إلى التعقيدات العرقية والعشائرية والسياسية المحتملة في المرحلة المقبلة بين حلفاء واشنطن شرق نهر الفرات، خصوصاً وسط بحث الإدارة الأميركية إجراءات «ملء الفراغ»، بعد سحب قواتها بمجرد القضاء على «داعش»، واحتمالات انتشار قوات عربية في زاوية الحدود السورية - التركية - العراقية.
الاقتتال بين «قوات سوريا الديمقراطية»، التي تشكل «وحدات حماية الشعب» الكردية عمادها الرئيسي من جهة، و«قوات النخبة العربية» التابعة لـ«تيار الغد السوري»، برئاسة أحمد الجربا، من جهة ثانية، أطفأ ناره المبعوث الرئاسي الأميركي إلى التحالف الدولي لقتال «داعش»، بريت ماغورك، الذي قام باتصالات مع حلفائه السوريين في الحرب الذين ساهموا في تحرير الرقة من «داعش».
وفي التفاصيل، تقدمت وحدة مسلحة من 50 عنصراً من «قوات سوريا الديمقراطية»، التي تضم نحو 60 ألف مقاتل كردي وعربي، ليلاً قبل يومين إلى بلدة أبو حمام، شرق دير الزور، وطلبت من «أبو عماد»، القيادي في «قوات النخبة»، تسليم السلاح، علماً بأن الأخير ساهم في المعارك ضد «داعش»، وفي تحرير الرقة، ضمن مشاركة «قوات النخبة» التي تضم 3 آلاف مقاتل مع التحالف الدولي، وهزيمة التنظيم، لكنه انكفأ مع قواته إلى معقلهم وحاضنتهم العربية في ريف دير الزور.
وخلال المشادة الكلامية بين المهاجمين و«أبو عماد»، تدخلت زوجة الأخير و«شتمت عناصر الدورية الزائرة، ما أدى إلى تبادل إطلاق النار، وإصابة عنصرين كرديين وزوجة أبو عماد» الحامل، بحسب شخصية قيادية في «قوات النخبة» أضافت أنه «حصلت فزعة، وتدخل أبناء العشائر العربية، ودعموا أبو عماد، فانسحب المهاجمون تاركين سيارة وراءهم»، وتابعت: «في اليوم التالي، ذهب أحد الوجهاء العرب، وسلم السيارة إلى قياديين في (قوات سوريا الديمقراطية)، لكن أحدهم هدد الوسيط بأنه سيبلغ الأميركيين بقصف معقل أبو عماد، باعتباره محسوباً على (داعش)».

«المجلس العربي»
هنا، جرت بعض الاتصالات رفيعة المستوى، وتدخل «المجلس العربي للجزيرة والفرات»، وهو تشكيل سياسي من المحافظات الشرقية الثلاث في دير الزور والرقة والحسكة، يضم أغلب شيوخ وأبناء قبائل عرب المنطقة ووجهاء المدن والبلدات، وله تمثيل في «منصة القاهرة»، وحضر مؤتمر الحوار الوطني في سوتشي الروسية بداية العام، وأصدر بياناً طالب فيه الولايات المتحدة وروسيا بالتدخل لوقف القتال بين الطرفين.
وأضاف البيان الصادر الجمعة: «قوات سوريا الديمقراطية قامت بتنفيذ تهديداتها بشن هجوم عنيف، تصدت له قوات النخبة، فجر الرابع من الشهر الحالي، ونحمل (قوات سوريا الديمقراطية) مسؤولية هذا العمل الخطير الذي يهدد بفتنة عربية كردية، وينذر بالمزيد من إراقة الدم السوري، ويترك منطقة الجزيرة والفرات مفتوحة على جميع الاحتمالات».
وبحسب القيادي في «قوات النخبة»، فإن دورية ثانية معززة جاءت في منزل «أبو عماد»، ليل الجمعة - السبت، بعد صدور بيان «المجلس العربي»، وتمسكت باتهام القيادي في «قوات النخبة» بعلاقة مع «داعش»، وتمترس الطرفان استعداداً لمعركة شرسة، ما استدعى تدخل ماغورك بين الطرفين لإخماد نار المواجهة، خصوصاً لدى تبلغه «مخاطر اندلاع فتنة عربية - كردية شرق نهر الفرات» في مناطق النفوذ الأميركي.
وبالفعل، انسحب المهاجمون إلى عمق الجزيرة السورية، لكن عنصراً جديداً برز إلى الواجهة، حيث إن زوجة «أبو عماد» فقدت جنينها، ما فجر مسألة الثأر العشائري ضمن سياق توتر عربي – كردي، وسط انتقاد زعماء عشائر عربية لتجنيد «قوات سوريا الديمقراطية» الشباب ضمن تشكيلاتها، وتوسيع نفوذها إلى مناطق ذات غالبية عربية، مثل دير الزور، وتعميم مناهج تعليمية تمدح زعيم «حزب العمال الكردستاني»، عبد الله أوجلان، السجين في تركيا.
ونقلت وكالة الصحافة الألمانية عن عضو في «المجلس العربي» قوله إن «السبب الرئيسي للخلاف أن الوحدات الكردية التي تسيطر على القرار ترفض وجود أي فصيل عربي في المنطقة، لأنه يشكل عليهم خطراً، خصوصاً في ظل رفض أبناء العشائر العربية الالتحاق بـ(قوات سوريا الديمقراطية)، والتوجه إلى (قوات النخبة)، في منطقة لا وجود للأكراد فيها على الإطلاق».
في المقابل، قال قيادي كردي إن «قوات سوريا الديمقراطية» تضم مقاتلين عرباً يشكلون نصف عددها، نافياً صحة السعي إلى «هيمنة كردية»، وأشار إلى أنها تطرح مشروع فيدرالية الشمال، على أساس الوحدات الإدارية، وليس البعد العرقي. وأضاف أن «سوريا الديمقراطية» بدأت نهاية الأسبوع حملة «عاصفة الفرات» للقضاء على «داعش»، الذي لا يزال يسيطر على منطقة مساحتها بين 5 و10 آلاف كيلومتر مربع.
وكانت واشنطن قد أطلقت الحملة الأخيرة على «داعش»، وطلبت من حلفائها العمل معاً للقضاء على التنظيم. وتشكلت غرفة عمليات مشتركة بين «قوات سوريا الديمقراطية» والقوات العربية، وذلك ضمن إجراءات تقوم بها الإدارة الأميركية تنفيذاً لقرار الرئيس دونالد ترمب الاستعداد لسحب ألفي مقاتل أميركي من شرق نهر الفرات، والبحث عن حلفاء من دول عربية أو أجنبية بدلاء لـ«ملء الفراغ».
وفي حين وسع الجيش الفرنسي حضوره شمال سوريا وشرقها، بالتعاون مع الجيش الأميركي، ضمن تفاهمات ترمب ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، طرح مستشار الأمن القومي الجديد، جون بولتون، مشاركة قوات من دول عربية.
وكان وزير الخارجية المصري، سامح شكري، قد أشار إلى أن الفكرة مطروحة للنقاش، قبل أن تهدأ القاهرة من مضمون التصريح. وبحسب المعلومات، فإن من بين الأفكار المطروحة نشر قوات مصرية قوامها 10 آلاف عنصر، ضمن ترتيبات وتفاهم أميركي - روسي. وقال القيادي: «ربما يفسر هذا هجوم (قوات سوريا الديمقراطية) والوحدات الكردية على قوات النخبة، باعتبار أن ذلك ضربة استباقية ضد شريك عربي محلي له بعد عربي، خصوصاً أن للجربا المقيم في القاهرة علاقات جيدة مع التحالف ودول عربية رئيسية».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.