أسرة سورية في تركيا تتحدى ظروف اللجوء القاسية بالصبر والأمل

منزل فواز الفاضل في تركيا («الشرق الأوسط»)
منزل فواز الفاضل في تركيا («الشرق الأوسط»)
TT

أسرة سورية في تركيا تتحدى ظروف اللجوء القاسية بالصبر والأمل

منزل فواز الفاضل في تركيا («الشرق الأوسط»)
منزل فواز الفاضل في تركيا («الشرق الأوسط»)

لم تكن رحلة السوري فواز الفاضل من مدينته التي أحبها ووطنه الذي عاش فيه سهلة، ولم تكن هذه الرحلة القاسية للنزهة والاستمتاع، بل هي رحلة لجوء ومعاناة وغربة، فيها حُرم أولاده من أبسط متطلباتهم وأُجبروا على العيش بمنازل مهجورة وآيلة للسقوط.
هذا هو حال كثيرين من أبناء سوريا المهجرين، وفواز من مدينة القامشلي السورية واحد من هؤلاء.
ويقول فواز (55 عاماً) لـ«الشرق الأوسط»: «دخلت أنا وزوجتي وأطفالي الثلاثة إلى تركيا من مدينة أورفا، حيث بدأت رحلة المتاعب وهي البحث عن منزل، لكن الأمور لم تكن على ما يرام، فالواقع كان أسوأ مما توقعت بكثير في ذلك الوقت».
ويشرح فواز المعاناة التي عاشها قائلا: «لا توجد منازل للإيجار بحسب المواصفات التي أطلبها والسبب عدم وجود مبلغ كاف لمنزل عادي، فبدأت أبحث بين الأزقة والخرابات القديمة».
ويضيف أنه بعد أسبوع من البحث المتواصل عثر على بيت يتناسب مع وضعه المادي، ويقول: «ولكن أي بيت: كان بيتاً مهجوراً يسكنه سرب من الحمام، أبواب قديمة، ربما يعود تاريخ بنائه إلى الدولة العثمانية، نوافذ محطمة لا تمنع ريحاً ولا برداً، ظللت أعمل لثلاثة أيام دون انقطاع، والروائح الكريهة لا تزال تنبعث منه رغم استخدام كل المنظفات والمعطرات ورش المبيدات لمكافحة الحشرات والآفات الموجودة فيه».
ويتابع فواز: «في الحقيقة لم أكن أتوقع أن يقبل الأولاد وأمهم بالعيش في هذا المكان المهجور مقارنة بما كنا عليه في سوريا، وعندما وافقوا على السكن والعيش في هذا المنزل كان ذلك بمثابة رد الروح إلى جسدي المتعب».
ويستطرد: «ما كان يواسيني أن كثيرا من السوريين يقطنون بيوتا أسوأ من بيتي بكثير ويصبرون على هذه الحياة والسبب الوحيد هو الفقر وعدم قدرتهم على السكن في بيوت عادية، فيبقى البيت القديم (الخرابة) أفضل من الخيمة بكثير وهي حياة مؤقتة، حسبما كنا نعتقد لدى وصولنا إلى تركيا.
وتبلغ قيمة إيجار هذا البيت المهجور ألفي ليرة تركية سنوياً، أي 170 ليرة شهريا، وهو ما يعتبره فواز «إيجارا بسيطا وقليلا جدا مقارنة بالبيوت العادية، والتي لا تقل عن 500 ليرة شهريا»، لكنه أكد أن الإيجار كان ضربة قاصمة بالنسبة إليه، فهو لا يعمل، كما يتعين عليه إصلاح كهرباء المنزل المعطلة، ولذا فقد قرر القيام بالصيانة بنفسه لتوفير بعض المال لأمور أخرى ضرورية.
ويتابع فواز: «في البداية، لم أكن أفكر لا بالثلاجة ولا بالتلفزيون ولا بالغسالة، كان أهم ما فكرت به هو شراء أغطية وبعض الإسفنج وشراء بعض الشراشف، بالإضافة إلى بعض الأواني المنزلية وغاز متنقل، هذا ما كنت أستطيع إحضاره بالمبلغ المتوفر بين يدي».
ويضيف: «كلما كنت أنظر إلى زوجتي وأولادي يكاد قلبي ينفطر وأحبس دموعي، لكيلا يروني بينما كان جوفي يحترق وقلبي يعتصر ألماً وحزناً وأنا أراهم يلتصقون ببعض ليدفئوا أجسادهم الصغيرة».
ولا تتوقف الأعباء المادية على كاهل فواز عند إيجار المنزل وتكاليف الأثاث، حيث يضاف إليها فواتير الماء والكهرباء، والتي أصابته بالذهول خصوصا مع عدم قدرته على سدادها، وبالتالي تعين عليه بذل جهود كبيرة لتأمينها.
ويختتم فواز: «كنت أحزن كثيرا على الأطفال الصغار حينما أراهم وما زلت أراهم محرومين من كثير مما يحتاجه مَن هو في سنهم، فهم يعيشون في أماكن مهجورة، ومحرومون من البيت والطعام وبعيدون عن التعليم والترفيه والحياة الكريمة كباقي البشر».
وبنبرة يغلب عليها الحزن، يقول: «ها نحن الآن لاجئون ومشتتون بلا وطن ولا أهل نعيش على الصبر والأمل منتظرين غداً علّه يكون أفضل من هذه الأيام القاسية».
وتسببت الحرب في سوريا المستمرة منذ ثماني سنوات بنزوح أكثر خمسة ملايين لاجئ، فيما تستضيف تركيا أكثر من ثلاثة ملايين ونصف المليون لاجئ، بحسب وزارة الداخلية التركية.
*من مبادرة «المراسل العربي»، لإرسال القصص الصحافية راسلونا على [email protected]



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».