الكتل الشيعية تعيد ترتيب أوراقها بعد رفض السيستاني استغلال اسمه انتخابياً

مرجعية النجف حذّرت من توظيف «الحشد» لكسب الأصوات... وائتلاف العبادي عدّ موقفها لصالحه

عراقي يعلق ملصقاً انتخابياً في بغداد أمس (أ.ف.ب)
عراقي يعلق ملصقاً انتخابياً في بغداد أمس (أ.ف.ب)
TT

الكتل الشيعية تعيد ترتيب أوراقها بعد رفض السيستاني استغلال اسمه انتخابياً

عراقي يعلق ملصقاً انتخابياً في بغداد أمس (أ.ف.ب)
عراقي يعلق ملصقاً انتخابياً في بغداد أمس (أ.ف.ب)

حبست الكتل الشيعية الخمس: «النصر»، و«الفتح»، و«سائرون»، و«دولة القانون»، والحكمة» طوال أسبوع أنفاسها في انتظار تعليمات محددة من المرجع الشيعي الأعلى آية الله علي السيستاني سواء بشأن استغلال «الحشد الشعبي» لأغراض انتخابية وسياسية أو تفسير عبارة «المجرّب لا يجرب». وتعددت التفسيرات لما يمكن أن يصدر عن المرجعية من موقف خصوصا بعد التصعيد المتبادل بين رئيس الوزراء وزعيم ائتلاف النصر، حيدر العبادي، وكتلة «الفتح»، التي يتزعمها هادي العامري، إثر مقتل مدير مالية الحشد قاسم ضعيف الزبيدي وتلميحات العبادي بشأن تورط جهات متنفذة مما سماهم الفضائيين بـ«الحشد».
موقف السيستاني جاء أمس عبر ممثله في كربلاء الشيخ عبد المهدي الكربلائي خلال خطبة الجمعة في كربلاء بحث العراقيين على المشاركة في الانتخابات لكنه لأول مرة ترك باب عدم المشاركة مفتوحا في وقت أعلن رفعه الغطاء والدعم عن أي كتلة. وبينما كانت التفسيرات بشأن عبارة «المجرّب لا يجرّب» تذهب باتجاه من تسلم مواقع سيادية خلال الدورات الماضية فإن الجديد الذي تضمنته الخطبة هو عدم اختيار «غير المجرّب «ممن عليه مؤشرات فساد. وقال الكربلائي إن «الإخفاقات التي رافقت التجارب الانتخابية الماضية، من سوء استغلال السلطة من قبل كثيرٍ ممن انتخبوا أو تسنّموا المناصب العليا في الحكومة، ومساهمتهم في نشر الفساد وتضييع المال العام بصورة غير مسبوقة، وتمييز أنفسهم برواتب ومخصصات كبيرة، وفشلهم في أداء واجباتهم في خدمة الشعب وتوفير الحياة الكريمة لأبنائه – لم تكن إلا نتيجة طبيعية لعدم تطبيق الكثير من الشروط اللازمة، ولو بدرجات متفاوتة عند إجراء تلك الانتخابات، وهو ما يلاحظ ـ بصورة أو بأخرى في الانتخابات الحالية أيضاً».
وفي محاولة لرفع الغطاء عن أي جهة تدعي أنها الأقرب إلى المرجعية، أكدت التوصيات على «وقوف المرجعية على مسافة واحدة من جميع المرشحين ومن كافة القوائم الانتخابية، بمعنى أنها لا تساند أي شخص أو جهة أو قائمة على الإطلاق، فالأمر كله متروك لقناعة الناخبين وما تستقر عليه آراؤهم بعد الفحص والتمحيص، ومن الضروري عدم السماح لأي شخص أو جهة باستغلال عنوان المرجعية الدينية أو أي عنوان آخر يحظى بمكانة خاصة في نفوس العراقيين للحصول على مكاسب انتخابية».
وفيما بدا أن المرجعية أغلقت الباب أمام أي احتمالات لمعركة قادمة يمكن أن تخوضها أطراف سياسية باسمها، لا سيما كتلتي النصر بزعامة العبادي والفتح بزعامة العامري بسبب عدم وجود أي إشارة في التوصيات إلى «الحشد» كمؤسسة عسكرية أو ككيان انتخابي، فإن الكتل الشيعية نفسها تبارت في تأييد خطاب المرجعية مع الإبقاء على باب التأويلات مفتوحا، لما تبقى من أيام سبعة تفصل الجميع عن الانتخابات، حول الفاسدين والفاشلين والمجرّبين وغير المجرّبين.
العبادي أعلن تأييده الكامل لموقف المرجعية. وركز العبادي طبقا لبيان عن مكتبه تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه على ما ورد في خطاب المرجعية من إشارة إلى «دعوة المشاركة الواسعة في الانتخابات والاختيار الصحيح»، مؤكدا على «الاطلاع على المسيرة العملية للمرشحين ورؤساء القوائم ولا سيما من كان منهم في مواقع المسؤولية في الدورات السابقة لتفادي الوقوع في شباك المخادعين والفاسدين من المجرّبين وغير المجرّبين».
وفي ردود الأفعال، أكد عضو البرلمان العراقي عن كتلة «النصر» جبار العبادي، وهو مقرب من رئيس الوزراء، في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن «خطبة المرجعية قد صبت في صالح قائمة النصر وذلك من خلال التلميح إلى عدم استغلال اسم (الحشد) وهذا ضد قائمة (الفتح) بالإضافة إلى عدم انتخاب من تسنم المسؤولية وكثر الفساد وأهدر المال العام وهذا ضد ائتلاف دولة القانون» الذي يتزعمه نوري المالكي. وأضاف العبادي أن «الخطبة تضمنت أيضا عدم استخدام القرب من المرجعية وهذا إلى حد ما ضد قائمة الحكمة (التي يتزعمها عمار الحكيم) ناهيك عن مقدمة الخطبة التي تحدثت عن الإصلاح».
إلى ذلك، أكد المرشح سامي العسكري، النائب السابق في البرلمان العراقي والمرشح حاليا عن ائتلاف دولة القانون، لـ«الشرق الأوسط» أن «الخطبة كانت خطبة ممتازة وأنهت اللغط حول مقولة (المجرّب لا يجرّب) إذ دعت إلى التدقيق في من جرب أو لم يجرب». وأضاف العسكري أن «الخطبة حذرت من التدخلات الأجنبية سواء بالمال أو غيره كما أنها خيرت الناخب بين المشاركة من عدمها وأن أشارت إلى أن عدم المشاركة قد تكون لها نتائج سلبية كما أعلنت وقوفها على الحياد إزاء القوائم ورفضت استخدام اسمها في المعركة الانتخابية».
من جهته، يرى الدكتور نعيم العبودي، الناطق الرسمي باسم «عصائب أهل الحق» والمرشح عنها ضمن قائمة «الفتح» في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن «خطبة المرجعية لم تكن لنا بمثابة مفاجأة إنما جاءت وفق سياقات طبيعية اتخذتها المرجعية خلال الفترة الماضية» مشيرا إلى أنها «وضعت النقاط على الحروف وأثبتت أنها لا تخضع لما يقوله هذا الطرف أو ذاك بل إنما لديها سياسة خاصة وهي حفظ العملية السياسية». وأوضح أن «كل ما يصدر عن المرجعية هو بمثابة توجيه صارم نلتزم به».
في السياق نفسه عبر المؤتمر الوطني العراقي بزعامة آراس حبيب كريم، وهو أحد حلفاء العبادي عن تأييده هو الآخر لما ورد في خطبة المرجعية. وقال في بيان إن «المرجعية دائما وعلى مدى السنوات الماضية أثبتت أنها تقف بالفعل على مسافة أبوية واحدة من الجميع». وأضاف أن «الاختيار هو في النهاية مسؤولية الناخب الذي يتوجب عليه التمييز بين البرامج والرؤى والأفكار الهادفة فعلاً إلى التغيير خصوصاً تلك التي ارتبطت بأداء عملي سواء على صعيد مواجهة الإرهاب وهزيمته أو وضع خريطة طريق للمستقبل».
إلى ذلك، يرى السياسي العراقي المستقل الدكتور نديم الجابري في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن «خطاب المرجعية كان عبارة عن كليات ولم يدخل في التفاصيل والجزئيات وبالتالي كان فيه قدر كبير من الغموض وهو ما يعني صعوبة فهمه من قبل المتلقي البسيط». وأضاف أن «الناس كانت تنتظر أن تسمي المرجعية الأشياء والأشخاص والأحزاب لأن التلميحات تفتح باب التأويل من جديد ويستطيع الجميع الدفاع عن نفسه». وأوضح الجابري أن «لكل هذه الأحزاب والكتل التي استهدفتها الخطبة خططها وأساليبها في تغيير قناعات الناس بما تريده هي سواء من خلال المساجد أو الحسينيات التي تملكها أو كل بطريقته الخاصة وهو ما يعني عدم وجود تأثير واضح على حظوظها».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.