للمرة الأولى منذ سبعين عاماً... تأجيل منح نوبل للآداب

على خلفية فضيحة تحرش جنسي وتسريب أسماء فائزين

مقر الأكاديمية السويدية في ستوكهولم (أ.ف.ب)
مقر الأكاديمية السويدية في ستوكهولم (أ.ف.ب)
TT

للمرة الأولى منذ سبعين عاماً... تأجيل منح نوبل للآداب

مقر الأكاديمية السويدية في ستوكهولم (أ.ف.ب)
مقر الأكاديمية السويدية في ستوكهولم (أ.ف.ب)

لم يكن المنتج الأميركي هارفي واينستين الذي يواجه سيلا من الاتهامات بالتحرش الجنسي يتوقع أن يصبح دافعا لحركة عالمية ضد التحرش الجنسي شجعت النساء والرجال في كل المجالات على فضح المتحرشين والتقدم بقصصهم للعالم. وقد يحسب لواينستين أنه أطلق، من دون قصد، حركة #أنا_أيضا للتنديد بالتحرش الجنسي وتمددها القوي الذي وصل مؤخرا لمحطة الأكاديمية السويدية المانحة لجوائز نوبل.
وأمس أعلنت الأكاديمية عن تأجيل منح جائزتها العريقة للآداب للمرة الأولى منذ سبعين عاما حيث وجدت نفسها في دوامة على خلفية اتهام رجل مرتبط بها باعتداءات جنسية، حسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية.
وقال الأمين العام الدائم للأكاديمية أندرس أولسون في بيان الجمعة: «نرى ضرورة أخذ الوقت لاستعادة ثقة الرأي العام بالأكاديمية قبل الإعلان عن الفائز المقبل» مضيفا أن عام 2019 سيشهد إعلان جائزتين إحداهما هي جائزة عام 2018.
وتمر الأكاديمية السويدية بأزمة منذ نوفمبر (تشرين الثاني) حيث نشرت صحيفة «داغنز نيهيتر» شهادات 18 امرأة يؤكدن أنهن تعرضن للاغتصاب أو الاعتداء أو التحرش الجنسي من قبل الفرنسي جان - كلود أرنو الشخصية المؤثرة على الساحة الثقافية السويدية وهو أيضا زوج الشاعرة كاترينا فورستنسون العضو في الأكاديمية. وقد نفى أرنو أن يكون ضالعا في سلوك كهذا.
وقد أدى نشر هذه الشهادات إلى خلاف عميق بين أعضاء الأكاديمية الثمانية عشر حول طريقة التعامل مع هذه القضية. وفي الأسابيع الأخيرة اختار ستة منهم الاستقالة من بينهم الأمينة الدائمة للأكاديمية سارة دانيوس.
وقال أولسون إن «أعضاء الأكاديمية السويدية النشطين يدركون تمام الإدراك بأن أزمة الثقة الراهنة تلزمنا بضرورة الاتفاق على تحرك متين وطويل الأمد من أجل التغيير».
وتعرف الأكاديمية التي أسست عام 1786 عادة بنزاهتها وتكتمها فيما تحيط السرية باجتماعاتها وقراراتها. إلا أن الخلاف ظهر إلى العلن وشن أعضاء في الأكاديمية هجمات على أعضاء آخرين عبر وسائل الإعلام.
وتعد هذه الأزمة هي الأولى من نوعها في تاريخ الأكاديمية التي أسهها الملك جوستاف الثالث عام 1786 وما زالت تحت رعاية ملكية.
ورحب ملك السويد كارل السادس عشر جوستاف بقرار الأكاديمية قائلا في بيان: «يكشف القرار عن نية الأكاديمية التركيز الآن على استعادة سمعتها».
كما قال رئيس الوزراء ستيفان لوفين إن من الضروري أن «تواصل الأكاديمية الآن العمل بلا كلل على استعادة ثقة (الناس)».
وعلق أحد الأعضاء الستة الذين استقالوا من الأكاديمية في الأسابيع القليلة الماضية، لـ«رويترز» في رسالة بالبريد الإلكتروني: «أعتقد أنه كان قرارا ضروريا، خاصة فيما يتعلق بشرعية الجائزة».
ورغم أن الأكاديمية أثارت جدلا من قبل، مثلما حدث عندما منحت الجائزة في عام 2016 للمغني وكاتب الأغاني الأميركي بوب ديلان، إلا أن الجدل ظل يرتكز بشكل أساسي على استحقاق الفوز بالجائزة وليس على الأكاديمية نفسها.
تأجيل وتحفظات عن منح الجائزة
وكانت المرة الأخيرة التي لجأت فيها الأكاديمية إلى إرجاء إعلان الجائزة، في عام 1949، حين قررت التأجيل لأن «أيا من المرشحين لا يلبي المعايير الواردة في وصية الفرد نوبل». وأعلن الكاتب الأميركي ويليام فوكنر فائزا في عام 1949.
كما تحفظت عن منح الجائزة في ست مناسبات أخرى في 1915 و1919 و1925 و1926 و1927 و1936 وفي أربع منها أرجئ منح الجائزة لتسلم تزامنا مع مكافأة السنة التالية.
وكان أعضاء عدة في الأكاديمية ألمحوا إلى احتمال إرجاء جائزة عام 2018 بسبب هذه الأزمة التي لطخت سمعة الأكاديمية وسمعة جائزة نوبل.
وأعرب خبراء في الأدب في السويد عن حزنهم للقرار إلا أنهم اعتبروه صائبا. فقالت الناقدة الأدبية ماريا شوتينيوس من صحيفة «داغنز نيهيتر» لوكالة الصحافة الفرنسية: «أظن أنه قرار حكيم وأفضل الممكن. ستسنح لهم فرصة لإصلاح الأكاديمية خلال هذه السنة وتعيين أعضاء جدد للعودة مع أكاديمية قوية يمكنها أن تمنح الجائزة».
ويعين أعضاء الأكاديمية عادة مدى الحياة من دون إمكانية حتى الاستقالة، لكن يمكنهم «إخلاء» مقاعدهم من خلال عدم المشاركة في الاجتماعات والقرارات.
إلا أنه بغية ضمان استمرارية الأكاديمية، قرر ملك السويد كارل غوستاف وهو راعيها، الأربعاء تغيير نظامها الداخلي للسماح بتغيير أعضائها أو استقالتهم.
وبعد ورود الاتهامات في الصحف، قطعت الأكاديمية روابطها بمركز أرنو الثقافي «فوروم» في ستوكهولم الذي كانت تدعمه ماديا لسنوات والذي كان ملتقى للنخبة الثقافية في البلاد.
وكان المركز الذي يملكه أرنو وزوجته يقدم المعارض والقراءات والمسرحيات من قبل النخبة الثقافية والهواة، بينهم فائزون بجوائز نوبل للآداب، وقد أقفل المركز الآن.
ومن جانب آخر أظهر تقرير أعد لحساب الأكاديمية وجود تضارب مصالح وتسريب أعضاء في الأكاديمية أسماء فائزين بجوائز نوبل.
وقد عجزت الأكاديمية عن الاتفاق على القرارات التي ينبغي اتخاذها مع فريق دافع عن فورستنسون والحرس القديم في الأكاديمية، في حان أراد الفريق الآخر المدعوم من دانيوس، إدخال إصلاحات.
وأعلن مدعون عامون في منتصف مارس (آذار) أنهم أوقفوا أجزاء من تحقيق حول أرنو بشأن ادعاءات بالاغتصاب والاعتداء الجنسي بين العامين 2013 و2015 بسبب عدم كفاية الدليل. ولا تزال بقية التحقيق متواصلة.
وقال جهاز الجرائم الاقتصادية في السويد الأسبوع الماضي إنه يحقق في قضية «مرتبطة بالأكاديمية» التي وفرت معلومات حول الدعم المادي الذي تلقاه أرنو.
وقد فاز بالجائزة عام 2017 الكاتب البريطاني من أصل ياباني كازوو إيشيغورو.



«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)

يجيب معرض «الجمل عبر العصور»، الذي تستضيفه مدينة جدة غرب السعودية، عن كل التساؤلات لفهم هذا المخلوق وعلاقته الوطيدة بقاطني الجزيرة العربية في كل مفاصل الحياة منذ القدم، وكيف شكّل ثقافتهم في الإقامة والتّرحال، بل تجاوز ذلك في القيمة، فتساوى مع الماء في الوجود والحياة.

الأمير فيصل بن عبد الله والأمير سعود بن جلوي خلال افتتاح المعرض (الشرق الأوسط)

ويخبر المعرض، الذي يُنظَّم في «مركز الملك عبد العزيز الثقافي»، عبر مائة لوحة وصورة، ونقوش اكتُشفت في جبال السعودية وعلى الصخور، عن مراحل الجمل وتآلفه مع سكان الجزيرة الذين اعتمدوا عليه في جميع أعمالهم. كما يُخبر عن قيمته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لدى أولئك الذين يمتلكون أعداداً كبيرة منه سابقاً وحاضراً. وهذا الامتلاك لا يقف عند حدود المفاخرة؛ بل يُلامس حدود العشق والعلاقة الوطيدة بين المالك وإبله.

الجمل كان حاضراً في كل تفاصيل حياة سكان الجزيرة (الشرق الأوسط)

وتكشف جولة داخل المعرض، الذي انطلق الثلاثاء تحت رعاية الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة؛ وافتتحه نيابة عنه الأمير سعود بن عبد الله بن جلوي، محافظ جدة؛ بحضور الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»؛ وأمين محافظة جدة صالح التركي، عن تناغم المعروض من اللوحات والمجسّمات، وتقاطع الفنون الثلاثة: الرسم بمساراته، والتصوير الفوتوغرافي والأفلام، والمجسمات، لتصبح النُّسخة الثالثة من معرض «الجمل عبر العصور» مصدراً يُعتمد عليه لفهم تاريخ الجمل وارتباطه بالإنسان في الجزيرة العربية.

لوحة فنية متكاملة تحكي في جزئياتها عن الجمل وأهميته (الشرق الأوسط)

وفي لحظة، وأنت تتجوّل في ممرات المعرض، تعود بك عجلة الزمن إلى ما قبل ميلاد النبي عيسى عليه السلام، لتُشاهد صورة لعملة معدنية للملك الحارث الرابع؛ تاسع ملوك مملكة الأنباط في جنوب بلاد الشام، راكعاً أمام الجمل، مما يرمز إلى ارتباطه بالتجارة، وهي شهادة على الرّخاء الاقتصادي في تلك الحقبة. تُكمل جولتك فتقع عيناك على ختمِ العقيق المصنوع في العهد الساساني مع الجمل خلال القرنين الثالث والسابع.

ومن المفارقات الجميلة أن المعرض يقام بمنطقة «أبرق الرغامة» شرق مدينة جدة، التي كانت ممراً تاريخياً لطريق القوافل المتّجهة من جدة إلى مكة المكرمة. وزادت شهرة الموقع ومخزونه التاريخي بعد أن عسكر على أرضه الملك عبد العزيز - رحمه الله - مع رجاله للدخول إلى جدة في شهر جمادى الآخرة - ديسمبر (كانون الأول) من عام 1952، مما يُضيف للمعرض بُعداً تاريخياً آخر.

عملة معدنية تعود إلى عهد الملك الحارث الرابع راكعاً أمام الجمل (الشرق الأوسط)

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال الأمير فيصل بن عبد الله، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»: «للشركة رسالة تتمثّل في توصيل الثقافة والأصالة والتاريخ، التي يجهلها كثيرون، ويشكّل الجمل جزءاً من هذا التاريخ، و(ليان) لديها مشروعات أخرى تنبع جميعها من الأصالة وربط الأصل بالعصر»، لافتاً إلى أن هناك فيلماً وثائقياً يتحدّث عن أهداف الشركة.

ولم يستبعد الأمير فيصل أن يسافر المعرض إلى مدن عالمية عدّة لتوصيل الرسالة، كما لم يستبعد مشاركة مزيد من الفنانين، موضحاً أن المعرض مفتوح للمشاركات من جميع الفنانين المحليين والدوليين، مشدّداً على أن «ليان» تبني لمفهوم واسع وشامل.

نقوش تدلّ على أهمية الجمل منذ القدم (الشرق الأوسط)

وفي السياق، تحدّث محمد آل صبيح، مدير «جمعية الثقافة والفنون» في جدة، لـ«الشرق الأوسط» عن أهمية المعرض قائلاً: «له وقعٌ خاصٌ لدى السعوديين؛ لأهميته التاريخية في الرمز والتّراث»، موضحاً أن المعرض تنظّمه شركة «ليان الثقافية» بالشراكة مع «جمعية الثقافة والفنون» و«أمانة جدة»، ويحتوي أكثر من مائة عملٍ فنيّ بمقاييس عالمية، ويتنوع بمشاركة فنانين من داخل المملكة وخارجها.

وأضاف آل صبيح: «يُعلَن خلال المعرض عن نتائج (جائزة ضياء عزيز ضياء)، وهذا مما يميّزه» وتابع أن «هذه الجائزة أقيمت بمناسبة (عام الإبل)، وشارك فيها نحو 400 عمل فني، ورُشّح خلالها 38 عملاً للفوز بالجوائز، وتبلغ قيمتها مائة ألف ريالٍ؛ منها 50 ألفاً لصاحب المركز الأول».

الختم الساساني مع الجمل من القرنين الثالث والسابع (الشرق الأوسط)

وبالعودة إلى تاريخ الجمل، فهو محفور في ثقافة العرب وإرثهم، ولطالما تغنّوا به شعراً ونثراً، بل تجاوز الجمل ذلك ليكون مصدراً للحكمة والأمثال لديهم؛ ومنها: «لا ناقة لي في الأمر ولا جمل»، وهو دلالة على أن قائله لا يرغب في الدخول بموضوع لا يهمّه. كما قالت العرب: «جاءوا على بكرة أبيهم» وهو مثل يضربه العرب للدلالة على مجيء القوم مجتمعين؛ لأن البِكرة، كما يُقال، معناها الفتيّة من إناث الإبل. كذلك: «ما هكذا تُورَد الإبل» ويُضرب هذا المثل لمن يُقوم بمهمة دون حذق أو إتقان.

زائرة تتأمل لوحات تحكي تاريخ الجمل (الشرق الأوسط)

وذُكرت الإبل والجمال في «القرآن الكريم» أكثر من مرة لتوضيح أهميتها وقيمتها، كما في قوله: «أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ» (سورة الغاشية - 17). وكذلك: «وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ» (سورة النحل - 6)... وجميع الآيات تُدلّل على عظمة الخالق، وكيف لهذا المخلوق القدرة على توفير جميع احتياجات الإنسان من طعام وماء، والتنقل لمسافات طويلة، وتحت أصعب الظروف.