بمجرد جلوسه أمام حشد من المراسلين خلال مؤتمر صحافي في أعقاب الإعلان عن تعيينه مدرباً لنادي نيويورك سيتي في يناير (كانون الثاني) 2016 واجه باتريك فييرا سؤالاً حول المدرب الذي يستوحي منه أسلوبه في التدريب. وجاءت الإجابة: آرسين فينغر. وتحدث فييرا عن إصرار المدرب البرتغالي جوزيه مورينيو على الاستعداد الدقيق، وعزيمة المدرب الإيطالي روبرتو مانشيني القوية ورجاحة عقل التشيلي مانويل بيليغريني. ثم وصل إلى الفرنسي فينغر، حيث سلط الضوء على الثقة المطلقة التي يوليها المدرب الفرنسي في لاعبيه. اللافت أنه حتى خلال هذه المرحلة المبكرة، مع اتخاذ فييرا أولى خطواته نحو التدريب، كان ثمة شعور بأنه ربما يطرح اسمه ذات يوم ليخلف مدربه السابق.
وبالفعل، ربما بدأ هذا السيناريو في التحقق اليوم، بعد مرور عامين على هذا المؤتمر الصحافي. على صعيد متصل، يبدو في حكم المؤكد رحيل فينغر عن آرسنال، سواء كان بإرادته أو رغماً عنه، بحلول نهاية الموسم. ويبدو فييرا مرشحاً لأن يحل محله. ورغم طرح أسماء أخرى أكثر خبرة وإنجازاً مثل الإيطالي مدرب يوفنتوس ماسيميليانو أليغري ومواطنه كارلو أنشيلوتي ومدرب برشلونة السابق الإسباني لويس إنريكي، فإن أحداً منهم لا يتميز بالرابطة العاطفية التي تربط فييرا بنادي شمال لندن.
ومع هذا، تبقى بعض التساؤلات العالقة: هل الرابطة العاطفية كافية؟ ما مدى قوة الإنجاز الذي حققه فييرا خلال فترة عمله مع نيويورك سيتي؟ هل بمقدور آرسنال بالفعل اختيار مدربه القادم من الدوري الأميركي، في ظل الانتقادات التي كثيراً ما يتعرض لها الأخير باعتباره يفتقر إلى الجودة؟ المؤكد أن مسؤولي آرسنال سيجرون أبحاثاً حول فييرا، وثمة أسباب بالفعل تجعل ترشيح المدرب البالغ 41 عاماً أمراً مبرراً.
في فريق نيويورك سيتي، أثبت فييرا تمتعه بقدر عال من الذكاء. ويقدم لاعبوه كرة عصرية جذابة، والأهم من ذلك أنهم قادرون على تحقيق الفوز، باختصار، يقدمون نمطاً من كرة القدم من السهل أن يسحر الألباب في استاد الإمارات إذا تحقق مع آرسنال. وخلال العامين اللذين قضاهما فييرا مع النادي، أنجز الموسمين في الدوري الأميركي في المركز الثاني، مع تحقيق الفريق إنجازات متسارعة خلال المراحل الأولى من الموسم الجديد. وإذا كان هناك انتقاد واحد يمكن توجيهه إلى فييرا عن عمله خلال هذين العامين، فهو أن هذا الأداء المتألق لم يترجم بعد إلى بطولة، الأمر الذي يجب أن يكون الهدف الأكبر أمام الفريق هذا العام.
بالتأكيد في ظل الدعم الذي توفره «سيتي فوتبول غروب»، يحظى نادي نيويورك سيتي بموارد أكبر عن أي ناد آخر بالدوري الأميركي. ومع هذا، فإن الزعم بأن النادي اشترى النجاح تحت قيادة فييرا يعكس عدم فهم حقيقي لأسلوب عمل الدوري الأميركي. وبالنظر إلى ظهور أسماء كبرى في عالم كرة القدم مثل الإسباني ديفيد فيا والإيطالي أندريا بيرلو والإنجليزي فرنك لامبارد في نيويورك سيتي، يبدو الأمر بالتأكيد أكبر من مجرد إغداق أموال.
من ناحية أخرى، فإن مكانة فييرا كبطل حصد بطولتي كأس العالم والدوري الإنجليزي الممتاز تعني أنه يملك سلطة كبيرة داخل غرفة تبديل الملابس، مع كون فيا مجرد لاعب واحد من بين اللاعبين الذين يتألقون تحت قيادته. ومن بين اللاعبين الناجحين الآخرين جاك هاريسون، جناح المنتخب الإنجليزي تحت21 عاماً والذي انتقل إلى مانشستر سيتي في يناير. علاوة على ذلك، تمكن فييرا من التأقلم مع التوقعات التي أثقلت كاهله منذ اليوم الأول لتوليه مهمة تدريب نيويورك سيتي. جدير بالذكر أن نيويورك سيتي طرد سلف فييرا، جيسون كريس لخسارته في الدور الفاصل خلال الموسم الأول للنادي بالدوري الأميركي.
بطبيعة الحال، يبقى الأمر برمته نسبياً نهاية الأمر، ذلك أن الضغوط التي تعرض لها فييرا داخل الولايات المتحدة لا تعدو كونها شيئا يذكر مقارنة بما سيكابده في آرسنال خلال حقبة ما بعد فينغر. في الواقع، لقد تحول استاد الإمارات إلى مرجل لمشاعر السخط خلال السنوات الأخيرة، وسيتطلب الأمر أكثر عن مجرد رحيل فينغر لتجاوز هذا الوضع. ومن غير الواضح حتى هذه اللحظة ما إذا كان فييرا كشخص المرشح المناسب للاضطلاع بهذه المهمة.
وقد نال فييرا من قبل فرصة استغلال مهمة تدريب نيويورك سيتي كمدخل نحو الانطلاق. وعقد محادثات مبدئية مع نادي سانت إتيان المشارك في الدوري الفرنسي الممتاز، الصيف الماضي، لكنه أصر على أنه لم يطلب منه قط الرحيل. وحتى قبل وصول فييرا إلى نيويورك، عقدت معه مقابلة لتولي مهمة تدريب نيوكاسل يونايتد عام 2015. وربما كان اسمه، علاوة على التثقيف التدريبي الذي ناله داخل مانشستر سيتي، كافيين كي يحصل على فرصة تدريب فريق في الدوري الممتاز. بدلاً عن ذلك، قرر فييرا التمرس داخل نيويورك سيتي، والبقاء تحت مظلة «سيتي فوتبول غروب» في الوقت الراهن. وكانت الفكرة وقتذاك أن المدرب الفرنسي سوف ينال خبرته التدريبية في الدوري الأميركي قبل العودة أخيراً إلى استاد الاتحاد.
ومع هذا، فإن تدريب آرسنال ربما حتى لا يكون الحلم الأكبر الذي يراود فييرا، خاصة أنه سبق له القول بأن العودة إلى مانشستر سيتي لخلافة جوسيب غوارديولا يعد بمثابة «حلم أسطوري» بالنسبة له. أيضاً، كشف فييرا النقاب عن رغبته في تدريب أحد أندية الدوري الإيطالي الممتاز، يوماً ما. وعن هذا، قال في تصريحات لقناة «سكاي سبورتس»: «أتمنى تدريب فريق إيطالي لأنني أرى أنه من الممتع حقاً العمل داخل بلاد بها شغف وحماس. وفي إيطاليا، ثمة قدر كبير من الشغف تجاه كرة القدم».
منذ وقت قريب، شدد فييرا على أنه «على استعداد لتدريب أي ناد في أوروبا». ورغم أن المدرب الفرنسي لا يزال يتمسك بالدبلوماسية، من الواضح أنه سيستجيب إذا طلب آرسنال منه تولي مهمة تدريبه. في الواقع، يبدو شبه مؤكد أنه سوف يستجيب لطلب تدريب أي من الأندية الأوروبية الكبرى. جدير بالذكر أن آرسنال سبق وأن تعرض لانتقادات لسماحه لأسطورة خاصة به بالتحول إلى عنصر في فريق التدريب الخاص بنادي خصم في المقام الأول، وذلك عندما تولى فييرا المشاركة في تدريب مانشستر سيتي على مدار خمسة سنوات قبل الانتقال لتدريب نيويورك سيتي. وإذا ما تردد آرسنال اليوم إزاء الاستعانة به، فإنه ربما بذلك يخسره للمرة الثانية. والمؤكد أنه سيتلقى طلبات للتدريب من أندية أخرى.
ومع هذا، تظل الحقيقة أنه حتى الآن ليس ثمة سبيل لمعرفة على وجه اليقين ما إذا كان فييرا الشخص المناسب لخلافة فينغر. جدير بالذكر أنه داخل مانشستر سيتي، بدأ لاعبون صاعدون يتألقون حالياً بعد أن خرجوا من رحم نظام الأكاديمية الذي عاون فييرا في صياغته. وداخل نيويورك سيتي، نجح في بناء واحد من أبرز أندية الدوري الأميركي. وعليه، تبدو احتمالات نجاحه في آرسنال مبشرة.
وفي الوقت الذي قال في لاعب الوسط الفرنسي المعتزل باتريك إنه مستعد للعمل في مجال التدريب في أوروبا قال فييرا إنه لا يتعجل الانتقال من الدوري الأميركي للعبة الشعبية لكنه في الوقت نفسه لا يمانع في العمل مع أحد الفرق الكبرى في أوروبا. ونقلت وسائل إعلامية عن فييرا قوله: «لا أريد أن يفهم أحد ذلك على أنني أرغب في الانتقال من الدوري الأميركي لأنني لا أريد المغادرة. لكن لو كان السؤال بهذه البساطة... هل أنت مستعد لتدريب أي فرق في أوروبا. في هذه الحالة أقول نعم أنا مستعد».
وأضاف فييرا «أعتقد أننا جميعا نقوم بهذا العمل لأننا يوما ما نرغب في تدريب أكبر الفرق في أوروبا». وخلال نحو 22 عاما مع آرسنال فاز فينغر (68 عاما) بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز ثلاث مرات وبكأس إنجلترا سبع مرات لكنه في المواسم القليلة الماضية تعرض للكثير من الانتقادات.
وقال فييرا: «ظل آرسين في آرسنال 22 عاما وسنحت له الكثير من الفرص لتدريب فرق أكبر من آرسنال لكنه لم يفعل لأنه كان يفضل آرسنال دائما وأحيانا ينسى المشجعون ذلك».
وما أن أعلن عن رحيل فينغر حتى بدأت مكاتب المراهنات بتداول أسماء المدربين المحتملين لخلافة الفرنسي، مع بروز أسماء مواطنه والقائد السابق للنادي اللندني فييرا، والذي لعب في إشرافه بين عامي 1996 و2005 وبراندون رودجرز مدرب سلتيك الاسكوتلندي، والألماني يواكيم لوب مدرب منتخب بلاده. وفي هذا الشأن أكد الرئيس التنفيذي لآرسنال اليوناني إيفان غازيديس أن آرسنال سيبحث عن التعاقد مع مدرب يملك عقلية كروية هجومية ليتبع خطى فلسفة سلفه فينغر.
وأضاف: «من المهم بالنسبة لي أن نتابع قيم كرة القدم التي أرساها آرسين (فينغر) في النادي»، مشددا في الوقت ذاته على أنه يريد أن يرى «شخصا سيواصل (القيام بـ) ذلك لمشجعينا... يريدون أن يشاهدوا كرة قدم (...) مثيرة تجعل الأشخاص يهتمون ويتحمسون للمباريات التي نلعبها».
باتريك فييرا... هل هو الخليفة المناسب لفينغر؟
نجح في بناء سمعة جيدة في الدوري الأميركي لكنه يفتقر لخبرة منافسيه على تدريب آرسنال
باتريك فييرا... هل هو الخليفة المناسب لفينغر؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة