يثير انقضاض الصقر على فريسته ذهول محبي الطيور والعلماء على حدّ سواء.
ويشير روبين ميلز، العالم المتخصص في السلوك البيئي في جامعة جرونينجن في هولندا إلى أن «الأوصاف الخاصة بطيران صقر الشاهين، تعود إلى عقود مضت».
تحليق مذهل
وقد عمل الباحثون أخيراً على دراسة كيفية وصول الطيور إلى سرعاتها القصوى، ووجدوا أنّ الطير يثني جناحيه إلى جانبيه، في وضعية تزوّد جسده بالديناميكيات الهوائية التي تتميّز بها الرصاصة، فيظهر ريشه بشكل مفاجئ ومستدق كالزعانف ليضبط الطير إيقاع هبوطه بشكل دقيق.
يقول الباحثون الذين ثبّتوا أجهزة تعقّب جي بي إس وكاميرات لرصد الصقور، إنّ الطيور تحرّك نفسها وفقاً للمبادئ نفسها التي تعتمدها الصواريخ لاعتراض أهدافها.
تقدّم قوانين الإرشاد الصاروخي شرحاً وافياً ومفاجئاً لمسارات صقور الشاهين peregrine، بحسب ما أفاد ميلز. وأضاف: «ولكن هذه الدراسة لم تستطع شرح السبب الكامن خلف بلوغ الصقور لسرعتها القصوى». بمعنى آخر، لماذا قد تضطر هذه الطيور إلى الانقضاض على فريستها أصلاً؟ نظرياً، قد يضيف الاعتداء غير المتوقع عنصر المفاجأة على العملية، ولكنّ أي فريسة لا يمكنها أن تفوق الصقر سرعة.
للإجابة عن هذا السؤال، طوّر ميلز وزملاؤه محاكاة حاسوبية لصقور شاهين تهاجم طيور الزرزور، الفريسة الشائعة للطيور المفترسة. وبحسب ميلز، تضمنّت المحاكاة الديناميكيات الهوائية الخاصة بتحليق الطيور، أي كيف ترفرف وتثني هذه المخلوقات أجنحتها، بالإضافة إلى قوانين الاستهداف الصاروخي وطريقة رصد الصقور لفريستها.
يستطيع الصقر، في تحليق مستقيم، أن يتفوق في سرعة طيرانه على سرعة الزرزور، إلّا أنّ الفريسة تتمتّع برشاقة أكبر لأنها تحلّق بسرعة أقلّ. ولفت ميلز إلى أنّ أفضل استراتيجية للهرب بالنسبة للزرزور هي تأدية مناورات تغيير اتجاه مفاجئة، والتحليق المستمر بشكل متعرّج ومصحوب باستدارات في التوقيت الصحيح يساراً ويميناً».
وقال الباحث إنّ أنصار نظرية الهجوم المفاجئ يفترضون أن الهبوط الشديد السرعة لا يخدم مصلحة الصقور. وأضاف: «يعتقد هؤلاء أنّه يخفّض دقّة الرصد، وأنّ السرعة القصوى تصعّب على الصقور اللحاق بالاستدارات الحذقة للفريسة».
ولكن بعد الانتهاء من المحاكاة التي أجروها، توصّل ميلز وزملاؤه إلى حقيقة مفادها أنّ العكس هو الصحيح، أي أنّ الصقور كانت في انقضاضها السريع أقدر على اللحاق بالزرزور.
سرعة خارقة
وشرح ميلز بأنّه على عكس النظرية السابقة، أظهرت نتائج المحاكاة التي أجراها أن السرعة القصوى التي بلغها الصقور أثناء الانقضاض مفيدة جداً لها، لأنها تزيد فرصة الطيور المفترسة ببلوغ ديناميكيات الطيران المطلوبة في المناورة. فمع الثني الصحيح للجانحين مثلاً، يستطيع الصقر المنقضّ أن يزيد سرعته أفقياً إلى 15g (g= قوة التسارع أو التعجيل)، وهو أمر مذهل، لأن أغلى سيارات السباق وأعتى المتسابقين لا يمكنهم بلوغ سدس هذه السرعة.
كشفت هذه المحاكاة طبيعة هذا الطائر الصياد: فقد تبيّن أنّه ليس طائرا غبيا يصرخ من السماء، ولكنّه ربّان ماهر يقوم بتعديل طيرانه في غضون أجزاء من الثانية. يعتبر الانقضاض تقنية ذكية، والصقور دوناً عن غيرها من الطيور قادرة على تنفيذها، لتصل إلى أي غشاء حيواني قد ترصده عيناها أثناء الانقضاض السريع.
وكفصيلة حيوانية، يمكن القول إنّ صقور الشاهين في تكاثر متزايد، وتعيش في نموّ مستقر في مناطق كانت يوماً قد طردت منها. فبعد منع استخدام مبيدات DDT الحشرية، التي تتسبب بضرر قشر بيضها، عادت هذه الصقور إلى التعافي في شرق الولايات المتحدة وغيرها من المناطق، حيث تعيش عشرات الأزواج منها وتتكاثر في مدن كنيويورك، اعتادت فيها العيش بالقرب من المنحدرات، وملاحقة الحمام بين الأبنية الشاهقة.
عبّر ميلز عن ثقته بنجاح المحاكاة في رصد الآليات الأساسية لنجاح الطائر في الانقضاض على فريسته، ولكنّه يعتزم الاستمرار بدراسة عالم الصقور. ويضيف: «أنا واثق من أن الكثير من التفاصيل لا تزال مخفية ويجب اكتشافها»، وهو ينوي أيضاً تحديث النموذج بناء على تجارب سيجريها في نفق من الرياح القوية لاختبار أجنحة الطيور.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»