«حرب» تمثيل الفلسطينيين

الفصائل تسيطر على كل شيء في حياتهم... وتتقاتل اليوم على منظمة التحرير

«حرب» تمثيل الفلسطينيين
TT

«حرب» تمثيل الفلسطينيين

«حرب» تمثيل الفلسطينيين

تدير الفصائل الفلسطينية الصراع مع إسرائيل منذ نحو 6 عقود.
ليس هذا فقط، وإنما كل شيء في حياة الفلسطينيين... سياسيا واجتماعياً واقتصاديا، لأنها ببساطة تهيمن على كل شيء: ابتداءً من منظمة التحرير، والحكومة، والوزارات المتخصصة، مروراً بإدارات الجامعات والمجالس الطلابية، والاتحادات والجمعيات والنقابات والبلديات والمجالس والسلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية، وانتهاء بالمساجد. وحتى عندما باشر الفلسطينيون بناء دولتهم المرجوة، بدأت الفصائل عملية البناء، وسرعان ما تقسمت «الدولة» بفعل هذه الفصائل إلى «دويلتين»... كل واحدة منها يحكمها فصيل كبير، يمثل بدوره تيارا متناميا ومتحكماً. الأول علماني في الضفة (حركة فتح) والثاني إسلامي في غزة (حركة حماس)، وبينهما كثير من الفصائل القديمة والجديدة والمتجددة.
ببساطة كل حياة الفلسطينيين... فصائل. والمعركة اليوم تتركز على الظفر بـ«أم الفصائل»، أي منظمة التحرير.
ليس سراً أن حركة فتح تقود العمل السياسي الفلسطيني منذ انطلاقتها عام 1965. ومنذ ذلك التاريخ تحوّل رئيسها الراحل ياسر عرفات إلى رمز للنضال الفلسطيني.
صحيح أن معظم الفلسطينيين قدّموا أمثلة كبيرة في القيادة والتضحية، لكن عرفات الذي قاد «الحركة الأم» كما وصفه الشاعر الراحل محمود درويش شكّل الفصل الأطول في حياة الفلسطينيين. لقد سيطر عرفات بـ«الكاريزما» الخاصة التي كان يتمتع بها على كل شيء... فتح ومنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية... السلاح والمال والعلاقات.
كان ممثل الفلسطينيين الوحيد ثم رئيسهم الأول ورمز نضالهم.
وإبان فترة وجود عرفات تجاوزت فتح معه مفهوم الحركة، إلى مشروع كبير يمثل عدداً غير محدود من الفلسطينيين، وليس سرا أن الحركة التي دفعت أثمانا كبيرة من أجل ذلك لم يكن يتسنى لها كل هذه الديمومة من دون السيطرة على منظمة التحرير الفلسطينية، المنظمة التي يحتدم حولها صراع كبير، إقليمي - فلسطيني، وفلسطيني - فلسطيني كذلك.
إن الذي امتلكه عرفات في يوم ما، تسعى خلفه كل الفصائل الفلسطينية اليوم، أي التمثيل الشرعي والمال. وكسبهما أسهل ما يكون يتحقق بالسيطرة على المنظمة التي يعترف بها كل العالم ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني، وهي التي بالأساس أنشأت السلطة الوطنية الفلسطينية.
- منظمة التحرير... النشأة والمكانة
بدأت فكرة تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية (م. ت. ف.) بتوصية من وزارة الخارجية المصرية إلى مجلس جامعة الدول العربية، في مارس (آذار) 1959. بإبراز كيان فلسطيني، يمثل الفلسطينيين. لكن الفكرة لم تبصر النور سوى في مؤتمر القمة العربي بالقاهرة خلال يناير (كانون الثاني) 1964، حين خوّلت الجامعة أحمد الشقيري، ممثل فلسطين في الجامعة العربية، بتمثيل الفلسطينيين في كيان.
وعقد الشقيري لاحقاً 30 مؤتمراً وأعلن من القدس في 24 فبراير (شباط) 1964 مشروع «الميثاق القومي الفلسطيني» والنظام الأساسي باسم «منظمة تحرير فلسطين». وفي 28 مايو (أيار) 1964، عقد أول «مجلس وطني فلسطيني» جلسته الأولى في فندق الكونتيننتال بمدينة القدس، وشهد خطاباً ألقاه العاهل الأردني ينادي به بتحرير فلسطين.
لقد حظيت الخطوة بتأييد فلسطيني ومعارضة كذلك. لكن حركة فتح بدأت تخطط كيف يمكن السيطرة على المنظمة وتحويلها إلى كيان ثوري بدلاً من كيان سياسي بوصاية عربية. وحظيت المنظمة في مؤتمر القمة العربي الثاني (5 - 11 سبتمبر/ أيلول 1964 في الإسكندرية) باعتراف عربي وعومل الشقيري بصفته رئيساً لها. ووفق مركز المعلومات الفلسطيني لم تكن منظمة التحرير الفلسطينية في سنواتها الأولى مستقلة ذاتياً، بل كانت بحاجة إلى المداورة بحذر، لكي تضمن بقاءها؛ وهو ما نجح أحمد الشقيري في إنجازه، قائلا: «ولدت المنظمة على فراش مؤتمر القمة، أسيرة الظروف العربية».
- ما بعد يونيو 67
وفي الخامس من يونيو (حزيران) 1967، شنت إسرائيل عدوانها على مصر والأردن وسوريا. واحتلت سيناء وهضبة الجولان والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة. وبالتالي، أصبحت فلسطين كلها «محتلة». شكل هذا التطور ضربة للمنظمة ورعاتها، لكنه عزز مكانة المنظمات الفدائية التي اكتسبت «صفة تمثيلية جماهيرية».
في حينه، اشتبكت فتح مع الشقيري واتهمته بتضليل الجماهير، وبعد عام من الهزيمة استقال أعضاء اللجنة التنفيذية للمنظمة، ما اضطر الشقيري إلى الاستقالة. وقررت اللجنة التنفيذية أن يتولى يحيى حمودة، أحد أعضائها رئاسة المنظمة بالوكالة، وفي يناير 1968 دخلت فتح إلى المنظمة ومعها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وفي فبراير 1969. انتخبت الدورة الخامسة لجنة تنفيذية بالتزكية، تضم ممثلين عن حركة فتح و«الصاعقة» والمنظمة والمستقلين. وبادرت اللجنة التنفيذية إلى انتخاب ياسر عرفات رئيساً، وإبراهيم بكر نائباً له.
ومنذ ذلك الوقت رفع عرفات شعار «القرار الفلسطيني المستقل» ودخل في صراعات مع أنظمة عربية طالما اتهمتها فتح بمحاولة السيطرة على القرار. ولم تكن المعارك سياسية وحسب، بل اشتبكت المنظمة مع دول، وحوصرت ودخلت في معارك دامية.
لقد دفعت فتح ثمنا لهذه المكانة «التمثيل» ولهذا الشعار «القرار المستقل» ولم يسمح عرفات لأحد، عربياً كان أو فلسطينياً بالسيطرة على المنظمة، ولكن الحرب لم تتوقف... واليوم بعد 50 سنة يمكن القول بأن المعركة تتجدد، لكن مع خصوم داخليين أكثر شراسة، وفي غياب عرفات.
- حرب السيطرة والأجندات
مع احتدام «حرب السلطة» بين الفريقين الأكبر على الساحة الفلسطينية، أي حركة فتح وحركة حماس، تجد فتح نفسها مجدداً أمام معركة جديدة كانت قد حسمتها في عقد السبعينات من القرن الماضي من أجل الحفاظ على منظمة التحرير.
باختصار شديد، أدى فوز حماس في الانتخابات التشريعية عام 2006. إلى قلب المعادلة الفلسطينية رأسا على عقب. وبعدما كانت فيه فتح مطمئنة إلى أنها تقود الشعب والسلطة والمنظمة، وجدت من يقاسمها السلطة، وعينه أيضاً على المنظمة، متجاوزاً مثلا حالة التنظيم إلى مشروع «إسلامي» مضاد لـ«العلماني» ويقدم برنامجا متناقضا. صارت المعركة أكثر تعقيداً بالنسبة لفتح. حماس بالمرصاد، وفصائل في المنظمة تدعم بقوة دخول حماس إليها. ودول إقليمية تخطط لمرحلة ما بعد الرئيس محمود عباس (رئيس فتح والمنظمة الحالي). وآخرون من فتح، وإن كانوا خارجها، يتناغمون مع هذه التوجهات. انسداد في الأفق السياسي، وصعوبات مالية واقتصادية، ومواجهة مع الولايات المتحدة، وانقسام عميق يسيطر على كل شيء.
قبل ذلك كانت فتح قادرة على ترويض الآخرين. وأمام التحديات الجديدة والكثيرة، لم يجد عباس أفضل من انتخابات داخلية في فتح وفي منظمة التحرير من أجل «تجديد الشرعيات». هذه الخطوة فجرت حروبا تشكيكية كبيرة، فصائلية وشخصية كذلك. وأشعلت مرة أخرى حرباً «تمثيلية» كبيرة، إذ رفضت حركتا حماس والجهاد الإسلامي - وهما من خارج منظمة التحرير - والجبهة الشعبية - من داخل المنظمة - عقد المجلس الوطني الفلسطيني التابع لمنظمة التحرير في رام الله، نهاية الشهر الحالي، واتهمت القوى الثلاث عباس بالتفرد، وطالبته بتأجيل الوطني، معتبرة أنه «لا يمثل الكل الفلسطيني».
الجبهة الشعبية - وكذلك حماس والجهاد – ترى أنه يجب عقد جلسة المجلس الوطني في الخارج بمشاركة الجميع بعد تفعيل الإطار القيادي المؤقت. إلا أن فتح، التنظيم الحاكم للسلطة والمنظمة، رفضت وأصرت على عقد الوطني في رام الله بـ«من حضر». يبدو خلافا متجددا، لكن يلخصه الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة بقوله بأنها «معركة الحفاظ على القرار المستقل وصد الأجندة». ويتابع أبو ردينة «إن المعركة الدائمة لمنظمة التحرير الفلسطينية هي الحفاظ على القرار الوطني المستقل، وعدم رهنه لأجندات غير وطنية». ثم يضيف قبل أيام فقط من عقد المجلس الوطني الجديد «أن محاولة البعض رهن القرار الوطني الفلسطيني المستقل بأجندات خارجية لا تخدم المصالح العليا لشعبنا الفلسطيني... هي محاولات مرفوضة، وسيثبت فشلها أمام تمسك شعبنا، والتفافه حول «م. ت. ف.»، الممثل الشرعي، والوحيد للشعب الفلسطيني».
- السعي «لانتقال سلس»!
ولطالما اكتسب عقد المجلس الوطني، الذي هو أهم أذرع منظمة التحرير ويعد بمثابة برلمان الفلسطينيين، أهمية كبيرة. ولكن هذه المرة له أهمية استثنائية، والرئيس الفلسطيني محمود عباس يتطلع لانتخاب لجنة تنفيذية جديدة لمنظمة التحرير، باعتبار ذلك آخر وأهم خطوة في مسيرة «تجديد الشرعيات» و«ضخ دماء جديدة» لمواجهة «التحديات الخارجية والداخلية».
عباس يريد الانتهاء سريعاً من انتخاب لجنة تنفيذية جديدة للمنظمة، وهي أعلى هيئة قيادية للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، في إطار ترتيباته من أجل «انتقال سلس» للسلطة في حال أي غياب قهري له. ويفترض أن تجرى الانتخابات المرتقبة أثناء انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني الذي حددته المنظمة في الـ30 من الشهر الحالي. وللعلم، تأتي هذه الانتخابات بعد نحو عام على انتخابات جرت داخل حركة فتح وانتهت بانتخاب لجنة مركزية جديدة ومجلس ثوري للحركة.
المجلس الوطني عقد منذ تأسيسه 22 مرة، آخرها دورة استثنائية في رام الله عام 2009. انتهت بتعيين وانتخاب 6 أعضاء جدد في المنظمة ليصبح عدد أعضائها 18 عضواً. ويضم الوطني الآن نحو 650 عضواً، من أصل نحو 700 بسبب الذين توفوا، وجميعهم يمثلون الفصائل والقوى والاتحادات الفلسطينية والمجلس التشريعي بجانب أعضاء عسكريين. وسيضمن انتخاب لجنة تنفيذية جديدة التخلص من شخوص والدفع بآخرين لتشكيل قيادة جديدة وقوية.
ولقد حددت حركة فتح 3 من أعضاء لجنتها المركزية مرشحين لانتخابات اللجنة التنفيذية، هم الرئيس محمود عباس وصائب عريقات (أمين سر اللجنة التنفيذية الحالية) وعزام الأحمد (مسؤول ملف المصالحة في الحركة). واختيار هؤلاء يقوي موقفهم أيضا فيما يخص إمكانية خلافة الرئيس عباس الذي كان عين قبل عام محمود العالول نائبا له وأعطاه صلاحيات كبيرة.
غير أن مصادر مطلعة في فتح تقول بأن مسألة خليفة عباس لم تحسم بعد، رغم اختيار الحركة لعريقات والأحمد أعضاء في اللجنة التنفيذية. ويعني انتخاب لجنة تنفيذية جديدة، ضربة أخرى لمعسكر حماس في إطار الحرب على المنظمة، والاحتفاظ مجددا بكل شيء: «التمثيل والقرار والمال».
- حماس بديل للمنظمة؟
يقول الفتحاويون بأن حماس وجدت أصلا كبديل لمنظمة التحرير، وهو اتهام كاد ينساه الفتحاويون أنفسهم قبل أن تشتعل معركة المنظمة من جديد. ولم يتردد عضو المجلس الثوري لحركة فتح والمتحدث باسمها أسامة القواسمي، بالقول بأنه «يوجد مخطط لدى حماس منذ أسست عام 1988 لتكون بديلًا عن منظمة التحرير الفلسطينية». وأضاف: «حاولت حماس قبل هذا منذ عدة أشهر، عقد اجتماعات في الكثير من العواصم لضرب منظمة التحرير، وفشلوا لأنها لا تستطيع خلق كيان بديل لمنطقة التحرير، لما له علاقة بالشرعية الدولية والشرعية الشعبية المستمدة من الشعب الفلسطيني». وتابع القواسمي «حماس لا تتوانى باستغلال أي فرصة لإعادة طرح أفكارها مرة أخرى»، مشيرًا إلى أنه لا يوجد أي مبرر لحركة حماس لمقاطعة جلسات المجلس الوطني، وأن الحركة رفضت المشاركة تحت حجج واهية.
أكثر من ذلك، ذهب مسؤولون آخرون للزعم أن إسرائيل ساعدت في إطلاق حماس لهدم منظمة التحرير، وهذا الاتهام عززه أيضا عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، محمود إسماعيل، متهما حماس بالعمل على إضعاف المنظمة، متسائلا: «هل تقبل حماس وهي فصيل فلسطيني أن يتقاطع موقفها مع موقف الولايات المتحدة وإسرائيل بإنهاء منظمة التحرير والقضية الفلسطينية برمتها؟». وجاء الهجوم الكبير على حماس بعدما أعلن عضو المكتب السياسي لحركة حماس، حسام بدران، أن حركته تؤيد عقد اجتماعات موازية للمجلس الوطني في العاصمة اللبنانية بيروت وقطاع غزة. لكن حماس تقول رسمياً بأن ذلك لا يشكل بديلا للمنظمة.
وبخلاف الاتهامات الموجهة لحماس بمحاولة خلق بديل للمنظمة يتضح من تصريحات قادة حماس أن عينهم على المنظمة نفسها. إذ قال القيادي في حماس الدكتور موسى أبو مرزوق، رئيس المكتب السياسي للحركة «نحن في حركة حماس نرفض عقد المجلس الوطني تحت هذه الظروف، ونريد أن تكون دورة المجلس الوطني دورة توحيدية، لا دورة تكرس للانقسام الفلسطيني». وأردف «عقد ما يسمى بالمجلس الوطني في رام الله، معناه المباشر نقل الإجماع الوطني حول تمثيل المنظمة لشعبنا الفلسطيني على حصر المجلس، ولن نعترف بمخرجات هذا اللقاء لا اللجنة التنفيذية ولا رئاستها ولا المجلس الوطني». وقبل أبو مرزوق، قال خالد مشعل - زعيم حركة حماس السابق - بأن «المنظمة ممثل الفلسطينيين الشرعي»، وذهب رئيس حماس في غزة يحيى السنوار إلى القول بأن حركته «تتطلع إلى توحيد السلاح في إطار منظمة التحرير». واليوم تؤكد حماس أنها لن تعترف بمخرجات اجتماع الوطني لأنه لا يمثل الجميع وتحذر من التعاطي معه. ومنطق حماس البسيط «أي شرعية لمجلس لا تمثل فيه حماس والجهاد الإسلامي؟».
لكن فتح، التي ترفض أن تفتح باباً لحماس، ترد بمنطقها كذلك «اللي مش عاجبه الوطني يشرب من البحر»، كما قال عضو اللجنة المركزية للحركة عزام الأحمد. كذلك رد الأحمد مباشرة على الحركة قائلا: «لن تكون حماس جزءا من المنظمة قبل إنهاء الانقسام»، داعياً حماس لإنهاء الانقسام بشكل جاد وسريع، مؤكدا «إذا ما تم ذلك، مستعدون لعقد مجلس وطني جديد تشارك فيه كل من حماس والجهاد الإسلامي».
- حركة فتح
> ترمز الأحرف الأولى من كلمات اسمها لـ«حركة التحرير الفلسطينية». وكانت تعني «حتف»، ثم قلبت الأحرف لفتح. ولقد أسست الحركة في أواخر الخمسينات لكنها ظهرت إلى العلن عام 1965.
ظلت فتح حركة سرية، حتى عُقد مؤتمرها العام الموسع، في دمشق، خلال أكتوبر (تشرين الأول) 1964، وحضره قياديوها في البلدان المعادية للاحتلال - وخاصة قطاع غزة والضفة الغربية - واتفقوا على 31 ديسمبر (كانون الأول) 1964، موعداً لأولى عملياتهم العسكرية ضد إسرائيل، والتي اضطلعت بها «العاصفة» - الجناح العسكري للحركة. وأعلنت العملية في البلاغ العسكري، الرقم واحد، في الفاتح من يناير 1965. وكذلك أعلنت بيانها السياسي الأول، الذي أذاعته القيادة العامة لقوات «العاصفة».
لمع نجم فتح بسبب العمليات العسكرية ضد إسرائيل. وفي العام 1967. دخل ياسر عرفات «أبو عمار» الأراضي المحتلة، وأسس بعض الخلايا العسكرية الجديدة لفتح، في الضفة الغربية، ومن هنا بدأت أسطورته بين الفلسطينيين.
وعلى أثر ازدياد العمليات الفدائية، شنت إسرائيل هجومها الواسع على مدينة الكرامة، يوم 21 مارس (آذار) 1968. وفي هذه المعركة، انتصر رجال فتح إلى جانب الجيش الأردني.
لقد كان انتصارا معنويا لفتح وعرفات. وبعد عامين سيطرت فتح على اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وانتخب عرفات رئيساً لها؛ وصدر بيان عن الحركة، يَعُدّ منظمة التحرير الفلسطينية إطاراً، يجمع في داخله كافة التنظيمات الفلسطينية العاملة،
بدأت فتح تتوسع مؤسساتياً، وأنشأت الكثير من المؤسسات الاجتماعية، في بداية عام 1961. مثل مؤسسة الشؤون الاجتماعية، ومؤسسة رعاية أُسَر الشهداء، وجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني.
وفي العام 1974. اعترف مؤتمر القمة العربي السابع في الرباط، بالمنظمة التي تقودها فتح ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني.
وفي العام نفسه، اعترفت بها، كذلك، الجمعية العامة للأمم المتحدة، بصفة عضو مراقب، وسمحت لها بالاشتراك في كل دوراتها، وكلِّ دورات المؤتمرات الدولية وأعمالها، والتي تعقد برعاية الجمعية العامة، فضلاً عن تلك التي تعقد برعاية هيئات الأمم المتحدة.
- حركة حماس
> أسست حماس (حركة المقاومة الإسلامية) عام 1987 بعد اندلاع الانتفاضة الأولى. وأعلنت عن نفسها آنذاك جناحاً من أجنحة الإخوان المسلمين في فلسطين، قبل أن تعدل الميثاق بوثيقة جديدة العام الماضي وتتنصل من الإخوان في ظل تقارب مع النظام المصري.
تعرّف الحركة نفسها على أنها حركة مقاومة شعبية وطنية تعمل على توفير الظروف الملائمة لتحقيق تحرر الشعب الفلسطيني وخلاصه من الظلم وتحرير أرضه من الاحتلال.
أعلنت الحركة عن تأسيس جناحها العسكري «كتائب الشهيد عز الدين القسام» بنهاية عام 1991، وأخذت نشاطات القسام تتسع وتتصاعد. وعام 1994 أعلنت الحركة «حربا شاملة» ضد إسرائيل، تلتها عدة عمليات تفجيرية قادها المهندس يحيى عياش، الذي اعتبر لعامين بعد ذلك، حتى اغتياله في غزة، بطلاً أقلق أجهزة الأمن الإسرائيلية.
وواجهت الحركة، سلطة الحكم الذاتي، التي جاء بها الرئيس الراحل ياسر عرفات، لكنه كان أكثر جماهيرية ورمزية. وبانطلاق «الانتفاضة الثانية» عام 2000. دخلت حماس مواجهة «كسر العظم» مع الإسرائيليين، بعد تنفيذها عدة عمليات كبيرة في العمق الإسرائيلي، وتميزت عمليات الحركة بإسقاط أكبر عدد من القتلى، فردت إسرائيل بسلسلة اغتيالات طالت قادة ورموز حماس وبينهم الشيخ أحمد ياسين مؤسس الحركة ود. عبد العزيز الرنتيسي الذي قاد حماس بعد ياسين، وصلاح شحادة القائد العام لكتائب القسام. تركز الطرح، السياسي والآيديولوجي لحركة حماس، على فكرة التحرير «من البحر إلى النهر» (أي كلّ فلسطين).


مقالات ذات صلة

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

اختارت مجلة تايم الأميركية دونالد ترمب الذي انتخب لولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة شخصية العام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
حصاد الأسبوع شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت

فاضل النشمي (بغداد)
حصاد الأسبوع ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة

راغدة بهنام ( برلين)
حصاد الأسبوع شيل

ألمانيا... الحزب الديمقراطي الحر «شريك الحكم» شبه الدائم

مع أن «الحزب الديمقراطي الحر»، الذي يعرف في ألمانيا بـ«الحزب الليبرالي»، حزب صغير نسبياً، مقارنةً بالقطبين الكبيرين «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (المحافظ)

«الشرق الأوسط» (برلين)
حصاد الأسبوع لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

لم تُخفِ موسكو ارتياحها للهزيمة القاسية التي مُنيت بها الإدارة الديمقراطية في الولايات المتحدة. إذ في عهد الرئيس جو بايدن تدهورت العلاقات بين البلدين إلى أسوأ

رائد جبر (موسكو)

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».