عن فلاسفة الأندلس، وغربتهم في التراث الفلسفي العربي، يدور كتاب «فلاسفة الأندلس... سنوات المحنة والنفي والتكفير» للباحث الدكتور عبد الرشيد محمودي، مشيراً في تقديمه له إلى أن فكرته تبلورت لديه من خلال قصة «حي بني يقظان»، الأكثر انتشاراً في هذا التراث، خاصة «من زاوية أردت لها أن تكون جديدة، زاوية كنت أتلمس الطريق إليها حتى تكشفت شيئا فشيئا من ثنايا القصة الخرافية، فالطفل الرضيع الذي نشأ بين الحيوانات البرية وتحت النجوم ولكن بلغ أعلى مراتب الحكمة في وحدته، بدا لي نموذجاً متطرفاً لغربة الفيلسوف».
ويضيف في كتابه الصادر حديثاً بالقاهرة، عن الدار المصرية اللبنانية، قائلاً إن «الفلسفة الإسلامية لم تنل في بلادنا حقها من البحث والدراسة، وأن هناك فجوة مهمة في معرفتنا بتاريخها، وأعني بذلك المرحلة الخاصة بفلاسفة الأندلس ابن باجة، وابن طفيل، وابن رشد».
وفي إطار ذلك، يقول المؤلف في مقدمة كتابه: «بدا لي أن الفلاسفة الأندلسيين الثلاثة شخصيات متميزة في قصة واحدة شيقة حافلة بالدراما والمفاجآت - قصة عن وضع الفلسفة المهدد في بلاد الإسلام - لأنهم رأوا ثلاثتهم كيف أفلت شمسها في المشرق بعد تكفير الفلاسفة على يدي حجة الإسلام الإمام الغزالي».
وبحسب المؤلف؛ فإن زاوية الغربة ليست الزاوية الوحيدة الممكنة لدراسة الفلسفة الأندلسية، ولكنها وجهة نظر لم تجرب من قبل، وطبيعية لأنها تعبر عن الترابط بين الفلاسفة الثلاثة.
وبرأيه أن دراسة الفلاسفة الثلاثة من هذه الزاوية أدت إلى تحقيق فوائد لا شك فيها، وكان من بينها تسليط الضوء على دفاعهم عن الفلسفة، لافتاً إلى أنه من الملاحظ أن الفلاسفة الثلاثة متقاربون زمنياً ومقترنون فكرياً، بحيث يؤلفون معاً سلسلة من حلقات تستحق قراءة متصلة، كأنها فصول في قصة واحدة عنوانها غربة الفلاسفة في المجتمع المسلم.
وهو يرى أن هذه الغربة برزت بوضوح في الفلسفة الأندلسية، وانتهت إلى أزمة كانت لها عواقب وخيمة أصبحت تسمى محنة ابن رشد، بعد أن أحرقت مؤلفاته، وجرى نفيه، وغربت بذلك شمس الفلسفة الإسلامية.
وفيما يخص ابن رشد تحديداً؛ يتناول الكتاب انتقال فلسفته إلى أوروبا في القرن الثالث عشر، حيث يقول «محمودي»: «هناك صفحة في تاريخ الفلسفة الإسلامية ينبغي أن تُدرس بعناية لأنها تتعلق بمصيرها عندما انتقلت إلى أوروبا المسيحية عن طريق الترجمة، وكانت لها عندئذٍ حياة خصبة جديدة، يصدق هذا بصفة خاصة على فلسفة ابن رشد. فقد كان له في أوروبا تلامذة وأتباع هم الرشديون اللاتينيون، كما كان له خصوم لا يُستهان بهم، وعلى رأسهم القديس توماس الأكويني الممثل الأكبر للكنيسة الكاثوليكية».
ويتابع: «ظل الفيلسوف العربي لفترة طويلة يشغل الأذهان ويثير العداء ما لم يثره أي فيلسوف آخر، وما زال الباحثون يتساءلون عن مدى تأثيره - إن كان له تأثير - على الثقافة المسيحية في العصور الوسطى، وعلى نشأة الفلسفة الحديثة، وحركة التنوير الأوروبية. ومن ثم كانت أهمية تلك الصفحة، فدراستها تعني في الواقع دراسة فصل آخر من تاريخها ومكانها من الثقافة الإنسانية».
«فلاسفة الأندلس»... غُربة النفي والمحنة والتكفير
«فلاسفة الأندلس»... غُربة النفي والمحنة والتكفير
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة