حي «الكويتي» في القدس... بلا كويتيين!

مسجد «الكويتي» بالقدس («الشرق الأوسط»)
مسجد «الكويتي» بالقدس («الشرق الأوسط»)
TT

حي «الكويتي» في القدس... بلا كويتيين!

مسجد «الكويتي» بالقدس («الشرق الأوسط»)
مسجد «الكويتي» بالقدس («الشرق الأوسط»)

لم يتوقع المحسِن الكويتي محمد الناصر الهاجري وأمثاله من الدول العربية الذين تملكوا واستثمروا في الضفة الغربية، إبان الحكم الأردني بعد نكبة 1948، أن الاحتلال سيسبق خطواتهم. اشتروا وأسسوا في المدينة المقدسة ومحيطها وكانوا يتطلعون إلى مستقبل مزدهر ليحل الاحتلال سريعاً وتتبدد الآمال.
يقول الحاج يوسف عوض الله (80 عاما) وهو يقطن قرب مسجد المطار «المسجد الكويتي» شمال مدينة القدس، وممن عاصروا تأسيسه: «في الستينات من القرن الماضي كان أشقاؤنا العرب يأتون إلى هنا وخصوصا في العطل الصيفية، ويختارون مواقع هادئة غير مكتظة بالسكان للإقامة. بعض الكويتيين اختار هذه المنطقة على أراضي شرق قرية قلنديا بجانب مطار القدس ولم يكن فيها سوى عدة مساكن».
يستذكر عوض الله الذي شغل رئاسة مجلس محلي قلنديا سابقاً، عندما جاء المحسن الكويتي الهاجري ومن معه من الكويت، وتملكوا مساكن على أعتاب مدرج مطار القدس (حوله الاحتلال حالياً إلى منطقة عسكرية مغلقة)، ثم ما لبث أن اشترى قطعة أرض قريبة وقرر بناء مسجد بجانب المطار، مما أسهم في تأسيس الحي وتشجيع الناس على السكن فيه.
ويضيف عوض الله: «بدأت أعمال بناء المسجد نهاية 1966، وجلب الهاجري خيرة المهندسين والمقاولين آنذاك حرصاً منه على أن يخرج المسجد بحلة بهية، خصوصاً أنه كان يخدم المسافرين عبر مطار القدس الدولي المجاور».
وعندما احتلت إسرائيل الضفة الغربية في الخامس من يونيو (حزيران) 1967، كان العمل في المسجد على وشك الانتهاء ولم يكن بناء المئذنة قد اكتمل مع نقص في التشطيبات الداخلية، بينما وصل السجاد الذي استورده الهاجري للمسجد بعد الحرب وصادره الاحتلال.
ويشير عوض الله إلى أن تأسيس المسجد واستثمار بعض الكويتيين شكل نقطة مفصلية في بعث الحياة بالمنطقة ونمو الحي المحيط بالمسجد، وسرعان ما أصبح للمسجد أهمية استراتيجية بعد وقوع الاحتلال، حيث وقف سداً أمام المد الاستيطاني الإسرائيلي في المنطقة.
أما الحاجة بثينة الترهي «أم عبيدة» (76 عاما)، التي تولى زوجها الشيخ كامل القاضي إمامة المسجد لعشرات السنوات، وتقوم حالياً برعاية المسجد منذ وفاة زوجها في عام 2012، فتوضح أن كثيرين يسمون حي المطار الجنوبي بـ«الحي الكويتي»، نسبة لاسم مؤسس المسجد ومن سكنه من الكويتيين، وتمييزاً عن الحي المقابل له شمال مدرج المطار.
وتقول أم عبيدة: «حاول الإسرائيليون أكثر من مرة استهداف المسجد، لكن ورغم كل المضايقات نجحنا العام الماضي بترميمه وإعماره بإشراف دائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس»، وترى في المسجد «أروع المساجد وأجملها»، منوهة إلى أنه لعدم وجود أعمدة داخله، كان يعتبر آن ذاك تحفة هندسية في المدينة.
وتأمل السبعينية أم عبيدة أن تتغير الأحوال وتعود زيارات الكويتيين وكل العرب للقدس وسائر فلسطين، مستذكرة كيف كانوا يأتون للمدينة المقدسة للصلاة والاستجمام حتى أن أولاد عدد منهم كانوا يدرسون في مدارس القدس المتميزة في تلك الحقبة؛ كمدارس الشميدت، والمطران.
ويوضح رئيس الهيئة الإسلامية العليا بالقدس، الشيخ عكرمة صبري: «كان العرب والخليجيون بشكل خاص يأتون إلى فلسطين بشكل أساسي للصلاة في المسجد الأقصى المبارك، وقد أقاموا وتملكوا في محافظتي القدس، ورام الله والبيرة».
ويستذكر الشيخ صبري: «كان المحسن الجابري يعشق القدس والصلاة في المسجد الأقصى المبارك، وقرر تأسيس مسجد قريب، ورأى في المنطقة المجاورة للمطار خير موقع؛ لقربها من المطار وشارع رام الله القدس الرئيسي، ولجمال طبيعة المنطقة في ريف القدس الشمالي».
مع وقوع نكسة 1967، تعرض طموح الهاجري لانتكاسة، لكنه لم يستسلم. وأرسل تغطية مالية كاملة إلى لجنة مساجد القدس واستكمل النواقص التي كانت في مسجده، وجرى احتفال بافتتاح المسجد وشارك الهاجري الفرحة عن بعد قسراً بمشاهدة فيديو وصور هذا الاحتفال. ولاحقاً، زار الشيخ صبري مكتب الهاجري في الكويت وشاهد صوراً كبيرة للمسجد تزين مكتبه.
ورغم انقطاع زيارات العرب للقدس بسبب الاحتلال، يحث الشيخ صبري العرب والمسلمين من الدول التي اعترفت بإسرائيل ومن يستطيع من العرب والمسلمين - دون الاتصال والمرور عبر طريق الاحتلال - زيارة المدينة ودعمها؛ لأهمية ذلك في تعزيز صمود المواطنين الفلسطينيين في المدينة المقدسة.
وفيما صادرت إسرائيل الكثير من ممتلكات العرب في القدس، لم تستطع مصادرة الأملاك الكويتية.
ويؤكد الخبير والباحث المقدسي خليل تفكجي أن أملاك الكويتيين ليست مهددة ولا تعتبرها سلطات الاحتلال «أملاك غائبين» كأملاك العرب من دول أخرى، كاشفا أن سبب ذلك يعود إلى أن إسرائيل لا تعتبر الكويت دولة عدوة، خصوصا أنها استقلت عام 1961؛ أي بعد قيام إسرائيل.
يذكر أن السلطة الفلسطينية شكلت منذ سنوات بطلب من دولة الكويت لجنة قامت بحصر كل أملاك الكويتيين في الضفة الغربية بما فيها القدس، إذ يؤكد تفكجي الذي يعمل مديراً لدائرة الخرائط ونظم المعلومات في جمعية الدراسات العربية أن «هذه الأملاك محفوظة ومحمية بموجب القوانين الفلسطينية إلى أن يأتي الفرج».

* من مبادرة المراسل العربي
للمشاركة ترسل المواد على
[email protected]



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».