رحيل فؤاد عجمي

رحيل فؤاد عجمي
TT

رحيل فؤاد عجمي

رحيل فؤاد عجمي

في أول مرة أتعرف فيها على البروفسور فؤاد عجمي كنت طالبا للدراسات العليا، وذلك عندما قرأت كتابه «المحنة العربية»، الذي ترك لدي انطباعا عميقا، إنه يجيد وصف العذابات الفكرية والسياسية والثقافية في العالم العربي التي حلت في أعقاب هزيمة عام 1967، ولا يزال دون منافس في هذا المضمار. في فترة لاحقة، عندما كنت أسعى إلى التعرف على شيعة لبنان، قرأت كتابه «الإمام المُغيّب»، الذي يدور حول الإمام الراحل موسى الصدر بقدر ما يتعلق بتاريخ عائلة البروفسور عجمي ذاته. يتميز الكتاب، مثل كثير من كتابات عجمي، بالحميمية والاطلاع العميق والأسلوب الجميل. دائما ما أنصح بقراءة هذا الكتاب وكتاباته الأخرى لطلابي. الأمر الجدير بالذكر على وجه خاص في علم البروفسور عجمي كيفية جمعه بين التاريخ السياسي والتقدير العميق للثقافة والأدب والتاريخ. كان راويا بالفطرة، إذ كان يكتب ويقدم سردا أساسيا، ولم يكن شخصا متزلفا أو متملقا في نخبة القوة الأميركية، كما وصفه البعض.

* برنارد هيكل: البروفسور عجمي.. كان رجلا رقيق المشاعر ذا علم.... تحدث كثير عن «أمراض» العرب وكل أمله أن يراهم يوما يخرجون من الأزمات السياسية التي غرقوا فيها
* قابلت البروفسور عجمي منذ خمس سنوات وسارت الأمور بيننا على ما يرام، وقد أرجع ذلك إلى أساليبنا «البلدي» القديمة. نشأت صداقتنا بفضل حقيقة أن أصولنا نحن الاثنين ترجع إلى الأقاليم اللبنانية ولا نشعر بالارتياح لأهل العاصمة المتصنعين في بيروت. كان البروفسور عجمي شيعيا من أرنون في الجنوب، وأنا ماروني من نيحا في الشمال. كنا نحن الاثنان نعتز بالولايات المتحدة التي قدمت لنا وطنا جديدا، وحررتنا من أغلال العالم القديم، ومنحتنا فرصا مذهلة.
في أول انطباع، بدا البروفسور عجمي محللا متشككا ومتشائما تجاه العالم العربي، حيث كان يتحدث عن الأمراض التي يعاني منها العرب. ولكنه انطباع خاطئ. لقد كان رجلا عطوفا يهتم كثيرا بشأن العرب – كل العرب – ويريد أن يراهم وهم يخرجون من الأزمات السياسية التي غرقوا فيها. وعلى النقيض من كثير من أبناء عصره، رفض عجمي القبول بأن المخرج هو الاشتراكية، أو، في مرحلة لاحقة، الإسلام السياسي. بالنسبة له كانت كلتا الآيديولوجيتين تمثلان جانبين مختلفين من عملة الاستبداد ذاتها، ويمثلان وعودا كاذبة وطرقا سياسية مسدودة. كان الأمل الوحيد من وجهة نظره هو الديمقراطية الليبرالية. يمكن أن يساعد ذلك تفسير حماسه الخاطئ وتأييده للغزو الأميركي في العراق. كان يجب أن يعرف على نحو أفضل، وعلى وجه التحديد أن المجتمع العراقي تعرض لتدمير بالغ جراء حكم صدام، ونظام العقوبات، وأن الغزو وما حدث في أعقابه سوف يجعل من المستحيل بناء أي كيان مترابط. كما أخطأ البروفسور عجمي أيضا في ثقته في قدرة الولايات المتحدة على حسن إدارة الأمور.
وفي الفترة الأخيرة، ألف كتابا مؤثرا عن الحرب في سوريا، دافع فيه عن التدخل العسكري الغربي للمساعدة على هزيمة نظام الأسد. يجب مرة أخرى قراءة هذا باعتباره دليلا على مشاعره الثابتة تجاه العرب، بغض النظر عن انتماءاتهم الطائفية أو انتمائه الشخصي، بالإضافة إلى إيمانه المستمر بقدرة الولايات المتحدة على تحقيق التوازن لصالح من تعرضوا لمعاناة طويلة.
الأمر الوحيد الذي لا يستطيع العديد من أعضاء السلك الأكاديمي أن يتسامحوا فيه مع البروفسور عجمي هو ما بدا منه من عدم اكتراث تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ولا يخفى أن البروفسور عجمي كان يحظى بإعجاب الكثيرين في إسرائيل والمناصرين لها، ولم تكن لديه مشكلة في وجود إسرائيل. كان يرى أن إسرائيل واقع سياسي لا يمكن إلغاؤه، لذلك يجب على العرب القبول به، بل وحتى مصادقتها من أجل تحقيق تنميتهم. في الواقع، كان عجمي يرى أن انشغال العرب بإسرائيل حارة سياسية أخرى مسدودة تحول بينهم وبين التقدم، بينما يسمح ذلك ببقاء أنظمة استبدادية للبقاء في السلطة باسم الصراع مع الكيان الصهيوني. أشك أيضا، ولكني لا أملك دليلا على ذلك، في أن آراءه تجاه إسرائيل والفلسطينيين تأثرت بالتجربة العصيبة التي مر بها الشيعة في جنوب لبنان في السبعينات، عندما خضعوا وقتها لسيطرة منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت توصم بالفساد والوحشية في ذلك الوقت. قد يرى المرء في موقف البروفسور عجمي خيانة لفلسطين، ولكن على الأرجح أن جذور هذا الموقف ترجع إلى فهم واضح لوجوب تكيف العرب مع الواقع، في هذه القضية وغيرها من القضايا. ومن المثير للاهتمام الإشارة إلى أن كتب البروفسور فؤاد عجمي، ما زالت محل إعجاب بالغ وتحظى بقراءة واسعة في العالم العربي.
على الرغم من كل ما يحمله من تعقيدات وما قد يشوبه من تناقضات، فإن ما تركه البروفسور فؤاد عجمي يمثل معلما تركه رجل رقيق المشاعر وذو علم. سوف يجد الدارسون في العالم العربي الكثير الذي يمكنهم الاستفادة منه في أعماله.
* أستاذ دراسات الشرق الأدنى في جامعة برنستون

* أفشين مولافي : فؤاد عجمي والوضع السياسي العربي
* «انتحر مساء يوم 6 يونيو (حزيران) 1982 وعمره 62 سنة في بلكونة منزله غرب بيروت» الشاعر المعروف والأستاذ بالجامعة الأميركية ببيروت خليل الحاوي. وتلقى الحاوي تعليمه بذات الجامعة ثم بجامعة كمبريدج». هكذا بدأت إحدى أفطن المقالات في الوضع السياسي العربي في قصر أحلام العرب: أوديسة جيل التي كتبها الراحل فؤاد عجمي ونشرت عام 1998.
«أين العرب؟» قالها الحاوي حينها في اليوم الذي اجتاحت فيه الدبابات الإسرائيلية لبنان. «من الذي سيمسح وصمة العار عن جبيني؟» وبعدها في عشية ذلك اليوم أزال وصمة العار بإطلاق النار على نفسه. أوحى انتحار الحاوي لفؤاد عجمي قصة أكبر عن الرجال والنساء العرب الذين يحلمون بالحداثة ولكنهم يائسون بسبب ضعفهم وسياسات بلادهم البالية والتقاليد العنيدة والطائفية الخطرة. كانت مقالة مدهشة عنوانها «انتحار خليل الحاوي: قداس جيل» والفصل الأول فيما اعتبره أحد أهم أعمال فؤاد عجمي «قصر أحلام العرب».
لمن عرفوا الأستاذ عجمي مثلنا، عجمي الرجل وليس الكاريكاتير، فهمنا أن مقالة الحاوي كانت شخصية بعمق. وعجمي يئس أيضا من الوضع السياسي العربي وعبر للعالم بوضوح عن رؤيته في «قصر أحلام العرب» الذي نشر عام 1998.
وكتب عجمي: «عندما يتحدث الغربيون والإسرائيليون (الأعداء) وعندما لا يستمع (المستشرقون) يتحدث العرب بالصراحة والرمز».. «لم يحتاجوا للكثير من التفاصيل فكان بإمكانهم الحديث بإيجاز عما حدث بعالمهم فمسار الأحداث لتاريخهم الحديث معروف لديهم».
فما هي القصة التي حكوها عن السقوط؟
من «المد الثقافي والسياسي في الخمسينات»، ذلك المد الذي أتى بالمعرفة المتزايدة للتعلم والثقة السياسية بالقومية الجماعية والانعتاق الأكبر للنساء والأدب والشعر الجديد الذي أعاد صياغة الشكل الموقر للفن، تبددت تلك الثقة بعد عقد من ذلك في حرب الأيام الستة عام 1967 وصُنع عالم جديد.
في ذلك العالم الجديد كتب عجمي «اتجه الشباب إلى السياسة الثيوقراطية (الدينية) وتركوا السياسة العلمانية التي كانت لمن هم أكبر منهم سنا». وعندما رجع فؤاد عجمي إلى تلك اللحظة بذاكرته بعد نحو عقدين من الزمن كتب: «في صميم هذا السرد الممتد يكون المأزق، خط الخطأ الجيلي بين الآباء العلمانيين وأبنائهم الثيوقراطيين».
في ذلك العالم الجديد انتحر خليل الحاوي في شرفة منزله غرب بيروت ثم أصبح الوضع السياسي العربي قاسيا، لا سيما في المدن الرئيسة بغداد والقاهرة ودمشق وبيروت. وربما كان هذا سبب تعلق عجمي بالشعراء والرواة، إذ كانوا يمنحونه الأمل.
عرفت فؤاد عجمي كطالب في مدرسة الدراسات الدولية المتقدمة في جامعة جون هوبكنز. وقبل سفري لمصر لدراسة اللغة العربية خلال إجازة الصيف سألته عما يجب أن أقرأه، فقال لي: «لدي عشرون كتابا لك: جميعها لنجيب محفوظ». وكان أخبرني مرة عن الأيام القلية التي قضاها في صحبة الكاتب نجيب محفوظ.
كان فؤاد عجمي كاتبا غزير الإنتاج لكن كان لكتبه مكانة خاصة في قلبه. فهي تروي القصص التي يريد أن يحكيها وكان يلفها إحساس من الأسف والشفقة.
في كتابه «الإمام المُغيب: موسى الصدر وشيعة لبنان» الذي نشر عام 1987، كتب عجمي: «قاد موسى الصدر أتباعه اللبنانيين في وقت بدأوا يطالبون فيه ببلدهم. واختفى وترك لهم نصا وذاكرة وبعض المؤسسات في وقت كان فيه البلد بأكمله مكانا محطما. الشباب خلف أكياس الرمل مع ملصقات الإمام يدافعون عن حطامهم وطوائفهم. لقد أتى مقياس من المساواة إلى لبنان».
وكتب في كتابه «المحنة العربية» الذي نشر عام 1981 «ليس من تسلية في المادة التي ترد هنا: في تاريخ للأوهام واليأس والسياسات التي تنحدر بصورة متكررة إلى سفك الدماء، وللتحولات المتخيلة التي يعقبها اليأس لأن هناك جوهرا غير قابل للتغيير يشوه كل ذلك ويفترس كل النيات الطيبة ويسخر ممن يحاولون تغيير الأشياء».
وفي كتابه «بيروت: مدينة الندم» الذي نشر عام 1988 رثى حالة الحرب الأهلية في لبنان وكتب «قبل السقوط وقبل الأحداث الفظيعة والدمار السياسي خلال العقد الماضي، كانت هناك حكايات عن لبنان، حكايات عن بلد جبلي صغير على شاطئ البحر المتوسط، عن بيروت المدينة الساحرة حيث تنحدر سلسلة الجبال المثيرة نحو البحر. كانت هناك حكايات عن أناس يتسمون بروح الإقدام والمبادأة عاشوا حسب فطنتهم ولاقحوا بين صرامة الحق العربية الإسلامية في الشرق وأساليب ومفهوم الحق في الغرب».
أما في كتابه «قصر أحلام العرب: أوديسة جيل» الذي نشر عام 1998 فتوقع انتفاضة مصر عام 2011: «ليس هناك قانون للسلام الاجتماعي، ولا سعادة محتومة أو تمدن محتوم في أي أرض. كانت هناك مناحات على شاطئ النيل وأوقات عمّت فيها الاحتفالات. وهناك دور حاسم للإرادة الإنسانية يرقب دورة الحياة وتأتي بالأشياء حسب المواسم، ولا يكفي عزاء الإشادة بالأرض الطيبة والنهر الصبور. وعلى تلك المقاييس على الضفاف أن تقرأ وتراقب بحذر».
* باحث بمعهد السياسة الخارجية بجامعة جون هوبكنز للدراسات الدولية

* دوغلاس مارتن: رحيل الخبير في التاريخ العربي فؤاد عجمي
* توفي الأحد الماضي عن 68 سنة فؤاد عجمي الأكاديمي والمؤلف والإذاعي والمعلق على شؤون الشرق الأوسط. وساعد عجمي على تجميع الدعم لغزو الولايات المتحدة للعراق عام 2003، عن طريق تقديم الاستشارات الشخصية لكبار صناع السياسة. وقالت مؤسسة هوفر في جامعة ستانفورد، حيث كان عجمي من كبار أساتذتها في بيان، إن سبب وفاته مرض السرطان.
فؤاد عجمي عربي يئس من وصول الحكومات الاستبدادية بطريقتها الخاصة للديمقراطية واعتقد أن على الولايات المتحدة مواجهة ما سماه «ثقافة الإرهاب» بعد هجمات عام 2001 الإرهابية على نيويورك وواشنطن. وشبّه ديكتاتور العراق صدام حسين بهتلر.
عمل عجمي جاهدًا على وضع التاريخ العربي في منظور أكبر. وكثيرًا ما أشار إلى غضب المسلمين على فقدانهم السلطة في الغرب عام 1683 عندما فشل حصار الأتراك لفيينا. وقال إن تلك الذكرى أدت إلى نوع من التعاسة الذاتية والخداع الذاتي، حيث إنهم يلومون بقية العالم على مشكلاتهم. ويقول إن الإرهاب هو إحدى النتائج.
تلك وجهة نظر طرحها برنارد لويس المؤرخ البارز لشؤون الشرق الأوسط في برينستون والمفكر الشعبي الذي حث الولايات المتحدة أيضا على غزو العراق ونصح الرئيس جورج بوش.
اعتاد معظم الأميركيين على آراء عجمي على أخبار قناتي «سي بي إس» و«سي إن إن» وبرنامجي «بي بي إس» (شارلي روز) و«ساعة الأخبار»، حيث كانت تضفي لحيته المميزة وأسلوبه المنمق قوة على آرائه التي تبدو موثوقًا بها. وكتب عجمي ما يفوق 400 مقالاً للمجلات والصحف منها «نيويورك تايمز»، إضافة إلى ستة كتب عن الشرق الأوسط اشتمل بعضها على تجاربه الشخصية كمسلم شيعي في مجتمعات ذات أغلبية سنية.
ودعته كوندوليزا رايس عندما كانت مستشارة الأمن القومي إلى البيت الأبيض في عهد الرئيس بوش، ووجه النصح إلى بول وولفويتز عندما كان نائب وزير الدفاع. وفي خطاب عام 2002 أشار نائب الرئيس ديك تشيني إلى تنبؤ عجمي بأن يقابل العراقيون التحرير بواسطة الجيش الأميركي بالفرح.
وواصل عجمي خلال السنوات التي تلت غزو العراق دعم التدخل بوصفه يساعد على الاستقرار. لكنه قال هذا الشهر إن رئيس الوزراء نوري المالكي بدد فرصة لتوحيد البلد بعد التدخل الأميركي وأصبح ديكتاتورًا. وفي وقت قريب فضّل السياسات الأكثر عدوانية تجاه إيران وسوريا. وكان أشد انتقاد عجمي للحكام المستبدين العرب الذين يفتقرون للدعم الشعبي. لكن استخدامه لكلمات مثل «قبلي» و«رجعي» و«عشائري» لوصف الشعوب العربية أوغر صدور البعض، وكذلك اعتقاده أن الأمم الغربية يجب أن تتدخل في المنطقة لتصحيح الأخطاء. واتهمه الناقد الفلسطيني إدوارد سعيد الذي توفي عام 2003 بأن لديه صفات عنصرية جلية». وامتدحه آخرون على توازنه فكتب دانيال بايبس وهو مفكر متخصص في شؤون الشرق الأوسط في مجلة «كومنتري» عام 2006 أن عجمي تجنب «الشعور العربي الراسخ العام عن غدر وخيانة إسرائيل».
ولد فؤاد عجمي في 19 سبتمبر (أيلول) عام 1945 على سفح قلعة بناها الصليبيون في قرية أرنون المغبرة جنوب لبنان. وأتت أسرته من إيران (تعني كلمة عجمي «فارسي» في اللغة العربية) وكانت من مزارعي التباكو الأثرياء. وانتقلت أسرته إلى بيروت عندما كان في الرابعة من عمره.
وعندما كان صبيًا كان يسخر منه أطفال المسلمين السنة لكونه شيعيًا وقصيرًا، وكتب في قصر أحلام العرب: أوديسة الأجيال 1998 «دراسة للمفكرين العرب في الجيلين الأخيرين». وعندما كان عجمي مراهقًا كان متحمسًا للقومية العربية وهي قضية انتقدها فيما بعد. كما وقع في حب الثقافة الأميركية خاصة أفلام هوليوود، ولا سيما أفلام رعاة البقر. وفي عام 1963 وقبل عيد ميلاده الثامن عشر بيوم أو يومين انتقلت أسرته إلى الولايات المتحدة. ودرس عجمي بكلية أوريغون الشرقية (صارت جامعة الآن) ثم حصل على شهادة الدكتوراه من جامعة واشنطن بعد كتابته أطروحة عن العلاقات الدولية وحكومات العالم. ثم درّس العلوم السياسية في برينستون. وفي عام 1980 عينته مدرسة الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جون هوبكنز مديرًا لدراسات الشرق الأوسط. ثم انضم إلى مؤسسة هوفر عام 2011. بحث كتابه الأول «المحنة العربية: الفكر السياسي العربي والممارسات السياسية منذ حرب عام 1967»، (1981) وحالة الفزع والشعور بالهشاشة والضعف في العالم العربي بعد انتصار إسرائيل في حرب عام 1967. وعرض كتابه التالي «الإمام المغيب: موسى الصدر وشيعة لبنان»، (1986) لرجل دين إيراني ساعد على تحول الشيعة اللبنانيين من «أقلية محتقرة» إلى لاعبين سياسيين فاعلين. وقدم عجمي في كتابه «بيروت: مدينة الندم» مقدمة طويلة وبعض النصوص المصاحبة لمقالة مصورة بقلم إيلي ريد.
ويتحدث كتاب «قصر أحلام العرب» عن كيف حاول جيل من المفكرين العرب تجديد ثقافة أوطانهم من خلال قوى الحداثة والعلمانية. ووصفته كريستيان سيانس مونيتور «بالنظرة الصافية لآمال العرب المفقودة».
وأدان البعض ذلك الكتاب من ضمن ما أدين به لتلك النبرة بوصفه سلبيًا للغاية. وقال المفكر أندرو روبن الذي يكتب في صحيفة «ذا نيشن»: «يعبر عن معاداة العروبة التي احتضنتها واشنطن واللوبي الموالي لإسرائيل».
وحصل فؤاد عجمي على الكثير من الجوائز منها زمالة ماك آرثر عام 1982 وميدالية العلوم الإنسانية الوطنية عام 2006. وترك عجمي زوجته ميشيل.
وصف آدم شاتز مظهر عجمي المميز في صحيفة «ذا نيشن» عام 2003 «بلحيته الدراماتيكية وملابسه الساحرة الأنيقة وأخلاقه الغزلية تقريبًا» وواصل: «يتحدث في التلفزيون بسخرية وثقة يحبها الرجال الذين على رأس السلطة، خاصة أولئك القادمين من خلفيات متواضعة، وخلافًا للعرب الآخرين لا يبدو أن له دوافع شخصية، إنه واحد منا، إنه العربي الطيب».
* خدمة «نيويورك تايمز»

* هشام ملحم : قدم أفكارا عظيمة بشأن ما يعاني منه العالم العربي
* «قدم عجمي أفكارا عظيمة بشأن ما يعاني منه العالم العربي. يمكنك أن تتفق أو تختلف معه فيما يتعلق بالحلول أو التحذيرات التي يقدمها، ولكن في رؤيته النافذة لتعقيد العالم العربي، كان شديد الإخلاص في الإشارة إلى التناقضات».
«التقط عجمي مرة بعد أخرى أزمة العرب في العصر الحديث، وحاضرهم المعذب وماضيهم المجيد، وكيف تتعرض أحلامهم في مستقبل أفضل دائما للعراقيل».
«روى عجمي قصة الاشتياق والأسف والإحباط، وعبر عنها بأسلوب شعري جميل. قد يكتب آخرون موضوعا أو مقالا أو كتابا، ولكنهم لا يحملون تلك الموهبة والمشاعر والأسلوب الأدبي الذي يقدمه فؤاد عجمي».
«كانت بيننا اختلافات سياسية، ولكن سواء كنت تتفق معه أو لا، يجب أن تقرأ له».
«دائما ما كنت أحسده على إتقانه للغة الإنجليزية في كتاباته».
«كان شغفه بأدونيس وجوزيف كونراد والشعراء العرب يغذي أسلوبه الجميل. يمكنك الرجوع إلى أعماله لاكتساب الأفكار وتقدير الأسلوب الذي يقدم لك الفكرة من خلاله، فحتى الطريقة التي يكتب بها والكلمات التي يستخدمها تشكل جزءا من الموضوع ذاته».
«امتلك عجمي قدرة على نقل تجربة جيل كامل، وكأنها تراتيل لتأبين جيله من العرب. تمتع عجمي بالجرأة والرؤية الثاقبة التي سمحت له بالحديث عن المحنة المأساوية التي حلت بجيل كامل».
«أحب عجمي الأدباء العرب. أدونيس كان بطلا وكذلك محفوظ كان بطلا».
* صحافي ومعلق سياسي

* إيميل حكيم : ساعدنا على استيعاب المحنة العربية من وجهة نظر أوسع
* «البروفسور عجمي شخصية معقدة، فقد استطاع تقديم أفضل تقييم لانهيار المجتمعات العربية والفكر السياسي العربي، ولكنه جمع مع هذا التقييم توصيات سياسية شديدة التفاؤل، تشوش على التقييم المتشائم السابق».
«في تقييمه للوضع، لا يوجد له منازع، وهو قاسٍ مع العرب بطريقة لا يجرؤ عليها كثيرون منهم. كما امتلك قليلا من الشفقة على الذات. وكانت لديه رؤية قاسية تجاه الأمراض التي تعاني منها المجتمعات العربية. وهذا هو أكبر إنجازاته».
«كان موقفه من حرب العراق خطأ مأساويا، ولكن حتى عندما كان مخطئا، لم يكن من السهل مطلقا رفض آرائه وبراهينه».
«من أكبر إسهاماته أنه ساعدنا على استيعاب المحنة العربية من وجهة نظر أوسع. وكان يتحدث عن المنطقة على نطاق أوسع. ولم يكن الأمر يتعلق بإسرائيل والغرب فقط».
«ليس من العدل تماما قصر إسهامات عجمي على حرب العراق وحدها، فقد قدم ما هو أكبر من هذا بكثير».
«كانت قدرة عجمي على التعبير عن ذاته بأسلوب جميل، على الرغم من أن اللغة الإنجليزية ليست لغته الأم، سمة جديرة بالملاحظة».
* كبير زملاء في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية

* بول وولفويتز: العالم فقد صوتا عربيا وأميركيا متفرد القوة
* حرمت وفاة فؤاد عجمي في عطلة نهاية الأسبوع هذا البلد والعالم من صوت متفرد القوة - صوت عربي وأميركي في الوقت ذاته، كان يمكن أن يساعد في توجيهنا كما فعل في الماضي من خلال مخاطر وتعقيدات الشرق الأوسط الذي ينتمي إليه.
عندما أصبحت عميدا لمدرسة جون هوبكنز للعلاقات الدولية المتقدمة عام 1994 كان الأستاذ عجمي مديرا لدراسات الشرق الأوسط، وكان من جوانب المتعة في تلك الوظيفة إمكانية التفاعل معه بصورة منتظمة.
سيكون من الصعب اليوم العثور على شخص يكتب في السياسة الدولية بتلك البلاغة والقوة وتمكنه الاستثنائي اللافت من اللغة الإنجليزية، من شخص ليست الإنجليزية اللغة الأم بالنسبة له. وتمتع عجمي مع تلك البلاغة بالشجاعة البارزة. كان يتحدث عن الحقيقة كما يراها دون مواراة حول الزوايا، وأكسبه ذلك الكثير من الأعداء. ولد عجمي في لبنان وتقبل قيم وطنه المختار الولايات المتحدة، لكنه لم يفقد أبدا نظرته إلى المنطقة التي أتى منها وتعقيداتها ومآسيها التي ستقلقل ذلك الجزء من العالم لفترة طويلة مقبلة. تشبعت كتاباته بشعور عميق من المأساة، النابعة من الصدام بين القوة الأميركية بـ«جيوشها وآلياتها وجديتها» و«منطقة كبيرة غامضة»، حيث يمكن أن يرعب الأميركان شعب العالمين العربي والإسلامي، وحيث يمكن أن تفوق المنطقة قوة الأميركان ذكاء وصبرا على الانتظار. بإمكان أميركا أن تمني العراقيين بآمال الثقافة السياسية اللائقة، وبإمكان أعداء هذا المشروع أن يتراجعوا إلى التعصب الحاد للقتال وعدم التسامح.
* نائب وزير الدفاع الأميركي بول وولفوفيتز



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».