أسبوع على الضربات الثلاثية في سوريا ... توتر دبلوماسي وغموض «التفتيش»

عنصر من قوات النظام في ضاحية برزة يلتقط صوراً لمركز البحوث العلمية المدمر اثر الغارات (أ. ب)
عنصر من قوات النظام في ضاحية برزة يلتقط صوراً لمركز البحوث العلمية المدمر اثر الغارات (أ. ب)
TT

أسبوع على الضربات الثلاثية في سوريا ... توتر دبلوماسي وغموض «التفتيش»

عنصر من قوات النظام في ضاحية برزة يلتقط صوراً لمركز البحوث العلمية المدمر اثر الغارات (أ. ب)
عنصر من قوات النظام في ضاحية برزة يلتقط صوراً لمركز البحوث العلمية المدمر اثر الغارات (أ. ب)

قبل أسبوع شنت ثلاث دول غربية ضربات ضد مواقع سورية رداً على هجوم كيماوي مفترض، في خطوة أثارت توتراً دبلوماسياً ولم تغير مسار النزاع، في وقت تُتهم دمشق بعرقلة مهمة بعثة تقصي الحقائق إلى دوما، بحسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية من بيروت.
واستبقت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا في 14 أبريل (نيسان)، وصول محققي منظمة حظر الأسلحة الكيماوية إلى دمشق، وشنت ضربات ضد ثلاثة مواقع سورية بعدما تحدثت عن «أدلة» لديها ووجهت أصابع الاتهام لدمشق بالوقوف خلف الهجوم.
ووقع الهجوم المفترض في السابع من أبريل في مدينة دوما، التي كانت تشكل وقتها آخر معقل للفصائل المعارضة قرب دمشق قبل سيطرة قوات النظام السوري عليها. وتسبب بحسب مسعفين وأطباء بمقتل أكثر من 40 شخصاً. ونُشرت في ذلك اليوم صور ومقاطع فيديو تظهر جثثاً متكدسة داخل غرفة يخرج من أفواه بعضها زبد أبيض.
نفت دمشق وحليفتها موسكو الاتهامات الغربية، وتحدثت عن «مسرحيات وفبركات» لتبرير العمل العسكري.
وبينما أشادت واشنطن بالضربات معتبرة أنها حققت «أفضل» نتيجة ممكنة وبعثت برسالة واضحة للنظام السوري لردعه عن استخدام الأسلحة الكيماوية مجدداً، قللت السلطات السورية من تداعياتها، خصوصاً أن المواقع المستهدفة كانت خالية بعدما أبلغت الدول الغربية روسيا بأمرها.
وحذرت واشنطن من رد فعل مشابه في حال تكرر استخدام المواد الكيماوية. وقالت سفيرتها إلى الأمم المتحدة نيكي هايلي: «إذا لم يفهمها الأسد، سيكون الأمر موجعاً».
واثر الضربات، بدأت الدول الغربية في التركيز على جهود التوصل إلى حل سياسي.
واعتبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أيضاً أنه سيكون للضربات تداعيات دبلوماسية كبيرة على صعيد المضي قدماً في الحل السياسي، فيما رأى مراقبون فيها محاولة لحجز مقعد على الطاولة السورية بعدما بقيت فرنسا وبريطانيا على الهامش لفترة طويلة. وأقر ماكرون بأن الضربات «لا تحل شيئا» بل تحافظ «على شرف الأسرة الدولية».
ويوضح مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما جوشوا لانديس لوكالة الصحافة الفرنسية أن «هذه الضربات لن تغير مسار الحرب الأهلية في سوريا». ويضيف: «قادة الدول الثلاث قالوا بوضوح إنهم لا يحاولون تغيير مسار الحرب، ولا يريدون تغيير ميزان القوى في سوريا»، مضيفا: «القضية بالنسبة لهم ليست بالأشخاص الذين يُقتلون، وإنما بالطريقة التي يقتلون بها».
وفي شمال سوريا، قال أحمد (25 عاماً) وهو ميكانيكي تم إجلاؤه مع الآلاف من مدينة دوما: «الرد لم يكن مناسباً (...) كلهم خذلونا».
خلال السنوات الماضية، تسلمت روسيا زمام المبادرة العسكرية والسياسية في سوريا. وفي وقت كانت الدول الغربية تحاول مد الجسور معها وتدعو للمضي قدماً في الحل السياسي، وثقت روسيا علاقتها بتركيا الداعمة للمعارضة وإيران حليفة دمشق، اللذّين ترعى معهما منذ أكثر من عام محادثات سورية واتفاق مناطق خفض التوتر.
وعرضت واشنطن وباريس ولندن مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي يتناول للمرة الأولى الجوانب الكيميائية والإنسانية والسياسية للنزاع السوري، ويفرض على دمشق «وضع حد نهائي للبرنامج الكيميائي السوري».
إلا أن روسيا اعتبرت المبادرة «سابقة لأوانها».
وبعد أسبوع من تبادل الاتهامات والتصعيد الكلامي في قاعات مجلس الأمن، سيبحث السفراء إلى الأمم المتحدة عن قاعدة مشتركة حول سوريا خلال خلوة لثلاثة أيام في مزرعة في جنوب السويد بدءاً من الجمعة.
ويرى الكاتب السوري المعارض ياسين حاج صالح أن الدول الغربية تريد «استعادة هيبتها». ويقول تحولت سوريا «رمزاً للظلم فيما يبقى النظام في مأمن من دون احتمال أن يتعرض للمحاسبة».
بعد ساعات من الضربات الغربية وبدعوة من الحكومة السورية، وصل فريق تقصي الحقائق التابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية السبت إلى دمشق، وينتظر منذ ذلك الحين زيارة دوما لبدء عمله الميداني.
وعرضت الحكومة السورية على الفريق مقابلة «22 شاهد عيان يمكن إحضارهم إلى دمشق»، وفق ما أعلنت المنظمة.
ويشدد خبراء على ضرورة وصول الفريق إلى مكان الحادث في أسرع وقت ممكن، خصوصاً أن هناك تأخيراً يتخطى كثيراً ما تحدده قواعد منظمة حظر الأسلحة الكيميائية أي بين 24 إلى 48 ساعة.
وحذرت الدول الغربية من جهتها من التلاعب بالأدلة من قبل القوات السورية والروسية التي تنتشر منذ أسبوع في مدينة دوما.
ويوضح خبراء لوكالة الصحافة الفرنسية أنه إذا كان من الصعب العثور على مادة الكلور بعد فترة قصيرة، فإن آثار غاز السارين تبقى «لأسابيع عدة وحتى أشهر»، سواء في أجسام الضحايا أو في الموقع المستهدف.
وفي حال ذهابهم إلى دوما، سيتحقق الخبراء فيما إذا كان تم التلاعب بالأدلة.
ويهدف عمل البعثة بالدرجة الأولى إلى تحديد ما إذا كان تم استخدام مواد كيميائية، ولا يقع على عاتقها تحديد الجهة المسؤولة عن الهجوم.
وبموجب اتفاق روسي - أميركي جنّب دمشق ضربة عسكرية أميركية في العام 2013 بعد مقتل المئات قرب دمشق جراء هجوم كيميائي، قادت المنظمة مهمة تدمير الترسانة الكيماوية السورية، وخولتها هذه المهمة الفوز بجائزة نوبل للسلام.
وبعدما أعلنت في العام 2014 إزالة الأسلحة الكيماوية السورية المعلن عنها، عادت المنظمة لتؤكد استخدام غاز السارين في العام 2017 في هجوم كيماوي اتهم محققو الأمم المتحدة دمشق بتنفيذه في مدينة خان شيخون في شمال غربي البلاد.
غداة الهجوم الكيماوي، وافق فصيل جيش الإسلام في مدينة دوما على الخروج منها، لتبدأ عملية إجلاء استمرت أياماً.
وبعد ساعات من الضربات الغربية، أعلنت قوات النظام السبت استعادة كامل الغوطة الشرقية إثر خروج آخر المقاتلين المعارضين من مدينة دوما.
وتسعى قوات النظام حالياً إلى ضمان أمن دمشق سواء عبر اتفاقات إجلاء جديدة لمدن وبلدات قليلة في محيطها أو عبر عملية عسكرية ضد تنظيم داعش الذي لا يزال يوجد في أحياء في جنوب العاصمة.
ومن شأن طرد تنظيم داعش من جنوب دمشق، أن يتيح للجيش السوري السيطرة على كامل العاصمة للمرة الأولى منذ العام 2012.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.