مساع برلمانية لمراجعة أحوال «الزوايا» في مصر

خطوات جادة لإغلاق بعضها وتقنين أوضاعها

TT

مساع برلمانية لمراجعة أحوال «الزوايا» في مصر

مساع حثيثة يشهدها مجلس النواب (البرلمان) لتقنين أحوال «الزوايا الصغيرة» التي تنشر أسفل البنايات في ربوع مصر، عقب تلقيه كثيرا من طلبات الإحاطة، التي طالبت بإغلاق بعضها، بعد أن حملتها مسؤولية الترويج «للأفكار الإرهابية».
وسبق أن منعت وزارة الأوقاف، وهي المسؤولة عن المساجد، الصلاة في الزوايا الصغيرة، التي تقل مساحتها عن 80 متراً؛ لكن هذا القرار تم خرقه، وقالت مصادر مصرية: «لا تزال الزوايا المقامة في الحواري والأزقة بالمناطق الشعبية خصوصاً في القاهرة الكبرى والإسكندرية، تقام داخلها الصلاة وتقدم دروساً وخطباً».
ويقول مراقبون، إن «بعض الزوايا بلا رخصة قانونية، وتعمل تحت مظلة تكوين اجتماعي يتسم بالميل إلى التدين، وأصبحت تشكل بؤر خطر، خصوصاً وسط ما تلوّح به التنظيمات الإرهابية من إغراءات مادية وخدمات تقدمها للمترددين عليها».
وقالت النائبة أنيسة حسونة، عضو مجلس النواب، في طلب الإحاطة التي تقدمت به للبرلمان، إن «الزوايا في المناطق العشوائية والشعبية انتشرت في (غفلة) من رقابة وزارة الأوقاف، وتشهد عمليات ترويج للفكر الإرهابي، وغالباً ما يكون القائمون على هذه الزوايا من أنصار جماعة (الإخوان) التي تعتبرها مصر تنظيماً إرهابياً، ويستغلون الظروف الصعبة لشباب هذه المناطق، لإعادة صياغة عقولهم، وزرع بذور العنف والإرهاب داخلهم».
مضيفة أن «الزوايا المنتشرة في المناطق العشوائية والشعبية يؤم الصلاة فيها أنصار (الإخوان) لأنهم يرون أن المناطق العشوائية أرض خصبة لأفكارهم المسمومة»، مطالبة «وزارة الأوقاف بالتحرك وفرض هيمنتها على هذه الزوايا، وتعيين أئمة لها ينشرون الفكر الإسلامي المعتدل القائم على التسامح، بدلا من ترك هذه الزوايا لمن يبثون أفكاراً متطرفة في عقول شبابنا».
وأوضحت حسونة أنه «رغم أن هناك قراراً صادراً من وزير الأوقاف بحظر إقامة صلاة الجمعة في الزوايا؛ فإن هذا القرار غير مُفعل».
وسبق أن قال الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف المصري، إننا «لا نحتاج إلى بناء زوايا جديدة، والزوايا القائمة يتم تأدية الصلاة العادية فيها... أما خطبة الجمعة فتقتصر على المسجد الجامع». وأضاف في تصريحات له، أن «كثرة بناء الزوايا وتعددها ليس من الدين ولا الوطنية، كما أنها تُفرّق ولا تُجمع... وهي أداة للبعض لنشر الأفكار المتطرفة، والرجل العادي يسهُل جذبه وتعليمه قواعد الدين الصحيح والوسطية، أما إذا تم استقطابه وتعليمه الأفكار المتشددة والمغالاة في الدين، يكون رده إلى الوسطية في غاية الصعوبة».
كما تقدم النائب محمد أبو حامد، عضو مجلس النواب، بطلب إحاطة آخر، أكد فيه أن «الزوايا الصغيرة تحتاج إلى مراجعات حقيقية من قبل الأوقاف»، مطالباً أن يتم إغلاقها بشكل تدريجي خاصة الزوايا غير الخاضعة لمتابعة ورقابة الأوقاف، التي تستغلها الجماعات الإرهابية والتيارات الإسلامية في نشر أفكارها من خلال الدروس أو الخطب التي تعقدها هذه الجماعات في الزوايا.
ويشار إلى أنه لا يوجد حصر رسمي بالزوايا الصغيرة، لأنه كل يوم تتم إقامة مسجد أو زاوية أسفل البنايات؛ لكن هناك إحصائيات غير رسمية تُقدرها بنحو 120 ألف مسجد صغير وزاوية، لا تتبع وزارة الأوقاف؛ بل تخضع لإشراف الأهالي وجماعات الإسلام السياسي.
ويرى المراقبون أن «بعض الزوايا تتبع جماعة دينية محددة تتولى الإنفاق على كل شيء بداخلها، بدءاً من النظافة، وانتهاء براتب الخطيب الذي يشبع عقول الشباب والصغار بفكر تلك الجماعة، ليشبوا مؤيدين لها وطيعين للقيام بما يُطلب منهم... وهذه الزوايا تتبع إما (الإخوان)، أو الجماعة الإسلامية، أو جماعات متشددة مثل تنظيم (ولاية سيناء) الذي بايع (داعش) عام 2014 وينشط في شبة جزيرة سيناء».
في غضون ذلك، تقدم النائب محمد فرج عامر، عضو البرلمان، بطلب إحاطة أكد فيه الكلام السابق نفسه، لافتاً إلى أن الترويج للأفكار الإرهابية والتكفيرية وبث الفتن الطائفية والتحريض على العنف تتم عبر بعض الزوايا.
وأكد الدكتور عمر حمروش، أمين سر اللجنة الدينية بمجلس النواب، أن «الزوايا تحتاج إلى خطة سريعة من الأوقاف، ومثلما قامت الوزارة بالسيطرة على المساجد، ومنع الجماعات الدينية على السيطرة عليها، لا بد أن تلقي أعينها بشدة على الزوايا، لأنها أصبحت تمثل خطورة كبرى لاستخدام الجماعات الدينية لها بنشر الفكر المتطرف واستغلال القرى والنجوع في استقطاب عناصر لها». مضيفا لـ«الشرق الأوسط» أن «الجماعات الإرهابية تركز على الزوايا في القرى والنجوع، التي هي بعيدة عن مراقبة المسؤولين لتنشر أفكارها».
في الصدد نفسه، أكد الشيخ جابر طايع، رئيس القطاع الديني بوزارة الأوقاف، أن «الوزارة عملت على غلق الزوايا الموجودة في الأحياء الشعبية التي قد لا تكون تحت السيطرة، وتم إغلاق 20 ألف زاوية». لافتاً إلى أن «الزوايا التي تم إغلاقها كانت بمثابة الجيوب التي يعمل بها أهل الشر من التنظيمات المتطرفة».
لكن في مقابل ذلك، يقول مترددون على الزوايا الصغيرة إنها «لا تنشر الأفكار الإرهابية، وإنها للصلاة، والدروس الدينية التي تنشر الوسطية وتبتعد عن العنف نهائياً، فضلاً عن أنها تقدم مساعدات للأسر الفقيرة التي تحتاج للعون والمساعدة». وأكد رضا أحمد، الذي يقطن في ضاحية عين شمس (شرق القاهرة)، أن «الزاوية التي يصلي بها القريبة من مسكنه بعيدة كل البعد عن نشر الفكر المتطرف، وأن من يؤدي الصلاة بها جيران له، وليس بينهم (إرهابيون) أو أشخاص ينتمون لجماعة متطرفة، والخطبة بعيدة كل البعد عن الفكر المتشدد». لكن أحمد أضاف لـ«الشرق الأوسط»، أنه «للأسف بعض الزوايا التي تُحكم إحدى الجماعات قبضتها عليها وتستغل ظروف البعض الصعبة لترويج أفكارها، أساءت لباقي الزوايا».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.