رغم حظره دستورياً... شبح «البعث» يخيّم على المشهد الانتخابي في العراق

حديث منسوب للسفير الأميركي عن «عودة السنّة إلى الحكم» أجج المخاوف

TT

رغم حظره دستورياً... شبح «البعث» يخيّم على المشهد الانتخابي في العراق

أثارت العبارة التي نسبت للسفير الأميركي في العراق دوغلاس سيليمان، بشأن إمكانية عودة السنة إلى حكم العراق بعد نحو 15 عاماً من إسقاط النظام العراقي السابق، الذي أسس السنة دولته الأولى أوائل عشرينات القرن الماضي، التباساً واسعاً في الأوساط الشيعية التي بدأت تخفي مخاوف متباينة من إمكانية عودة البعثيين بطرق مختلفة، من بينها التحايل على إجراءات «المساءلة والعدالة».
ورغم أن السفارة الأميركية نفت ضمناً ما ورد من تصريحات منسوبة لسيليمان، لكن هذا النفي المبطن، الذي كشفه مكتب رئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري، زاد الأمور غموضاً بسبب عدم صدوره عن السفارة نفسها. وفي وقت لاحق أكدت السفارة الأميركية أن «الولايات المتحدة لا تدعم أي طرف، سواء كان حزباً أم جهة في الانتخابات المقبلة». التطمينات الأميركية لم تبدد المخاوف التي تبديها العديد من القيادات والأوساط الشيعية، وانعكست على الإجراءات التي اتخذتها هيئة «المساءلة والعدالة» لجهة قيامها باستبعاد عدد كبير من المرشحين للانتخابات، بحجة شمولهم بإجراءاتها، ومعظمهم من «ائتلاف الوطنية» الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي، الذي كثيراً ما يتهم بأن غالبية جمهوره السني من البعثيين. وعبر «ائتلاف الوطنية» عن رفضه لهذه الإجراءات، وقال الناطق باسمه حسين الموسوي، في بيان، إن «مسلسل استبعاد عشرات من مرشحي (ائتلاف الوطنية) لانتخابات مجلس النواب في عموم المحافظات يستمر بقرارات مجحفة من قبل هيئة (المساءلة والعدالة)، ما يحرم بعض مرشحي الائتلاف من فرصة التنافس السياسي العادل، ويخل بمبدأ المساواة بين العراقيين المكفول دستورياً». وكرر الموسوي دعوة «الوطنية» إلى أن يحال «ملف الاجتثاث إلى القضاء العراقي تحقيقاً للعدالة، وإبعاداً له عن لعبة التوظيف السياسي والانتقام والابتزاز».
بدوره، يرى السياسي المستقل سامي العسكري، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «لا عودة للبعثيين إلى الحياة السياسية، لا سيما بعد حظر حزب البعث الصدامي، إلا من تم استثناؤه من بعض البعثيين من إجراءات (المساءلة والعدالة)»، مبيناً في الوقت نفسه أنه لا يعلم «فيما إذا كانت قد حصلت استثناءات جديدة».
من جانبها، نفت هيئة «المساءلة والعدالة» تعرضها لضغوط سياسية من أجل تمرير بعض أسماء المرشحين للانتخابات المقبلة، خلال عملية تدقيق ملفاتهم، فيما أعلنت استبعاد نحو 4 في المائة من مجموع الأسماء المرشحة لخوض السباق الانتخابي. وقال الناطق باسم الهيئة فارس البكوع إن «الهيئة من واجبها تدقيق ملفات الجميع بشكل دقيق لاستبعاد من يشمله قانون (المساءلة والعدالة)، سواء كان يعمل في جهاز قمعي سابق أو بدرجة حزبية». وأوضح أن «نسبة المستبعدين لغاية الآن تتراوح ما بين 3 في المائة إلى 4 في المائة من مجموع الأسماء المطروحة أمام الهيئة».
لكن رئيس كتلة «صادقون» حسن سالم، التي هي الجناح السياسي لـ«عصائب أهل الحق»، أعلن، من جانبه، وجود الكثير من المرشحين البعثيين في الانتخابات البرلمانية المقبلة، مبيناً أن بعض المرشحين أيضاً كانوا ضمن قادة ساحات الاعتصام في المحافظات الغربية.
السياسي العراقي المستقل الدكتور شاكر كتاب قال، بدوره، لـ«الشرق الأوسط»، إن «أغلب الذين دعمهم البعثيون في الانتخابات السابقات قد أثبتوا عدم جدارتهم، وأخلوا بمواثيقهم مع (البعث)، وكشفوا عن أنهم غير مؤهلين لأي موقع قيادي أو سياسي، ناهيك عن عدم أمانتهم ونزاهتهم وعزلتهم التامة عن الجمهور»، وأضاف أن «(البعث) ما عادت له مقدرة على تبنيهم مرة أخرى لأنهم عادوا عليه بما لم يكن يرجوه من فشل وسمعة، إضافة إلى ما هو أصلاً مثقل به من صورة سلبية في الأذهان». وقال: «أظن أن حضور (البعث) هذه المرة أضعف من سابقاتها».
غير أن القيادي البارز في حزب «للعراق متحدون» ومحافظ نينوى السابق أثيل النجيفي يرى أن «البعثيين تمكنوا من استغلال حاجة القوائم المقربة من الأحزاب الشيعية لشخصيات في المناطق السنية فانضموا إليها». ويضيف أنهم «استغلوا قدرة تلك القوائم على استثنائهم من (المساءلة والعدالة)».



«هدنة غزة»: غموض يكتنف مصير المفاوضات وترقب لنتائج «جولة القاهرة»

صبي فلسطيني يحمل فانوساً وهو يمشي في حي دمرته الحرب بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
صبي فلسطيني يحمل فانوساً وهو يمشي في حي دمرته الحرب بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

«هدنة غزة»: غموض يكتنف مصير المفاوضات وترقب لنتائج «جولة القاهرة»

صبي فلسطيني يحمل فانوساً وهو يمشي في حي دمرته الحرب بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
صبي فلسطيني يحمل فانوساً وهو يمشي في حي دمرته الحرب بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

غموض يكتنف مصير الهدنة في قطاع غزة مع انتهاء المرحلة الأولى دون أفق واضح للخطوة التالية، وسط تمسك كل طرف بموقفه، ومحاولات من الوسطاء، كان أحدثها جولة مفاوضات في القاهرة لإنقاذ الاتفاق، وحديث عن زيارة مرتقبة للمبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف، إلى إسرائيل ضمن مساعي الحلحلة، وسط مخاوف من عودة الأمور إلى «نقطة الصفر».

تلك التطورات تجعل مصير المفاوضات بحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، في مهب الريح وتنتظر تواصل جهود الوسطاء وخصوصاً ضغوط أميركية حقيقية على رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو؛ للوصول لصيغة مقبولة وتفاهمات بشأن مسار الاتفاق لاستكماله ومنع انهياره، وخصوصاً أن «حماس» لن تخسر ورقتها الرابحة (الرهائن) لتعود إسرائيل بعدها إلى الحرب دون ضمانات حقيقية.

وبعد 15 شهراً من الحرب المدمّرة، بدأت الهدنة في 19 يناير (كانون الثاني) الماضي، وانتهت مرحلتها الأولى (42 يوماً)، السبت، وشملت إفراج «حماس» وفصائل أخرى عن 33 من الرهائن بينهم 8 متوفين، مقابل إطلاق سراح نحو 1700 فلسطيني من سجون إسرائيل، فيما لا يزال 58 محتجزين داخل قطاع غزة، بينهم 34 يؤكد الجيش الإسرائيلي أنهم قد تُوفوا، وسط انتظار لبدء المرحلة الثانية المعنية بانسحاب نهائي ووقف للحرب على مدار 42 يوماً، وأخرى ثالثة معنية بإعمار القطاع.

وأفادت صحيفة «تايمز أوف» إسرائيل، السبت، بأن نتنياهو أجرى، مساء الجمعة، مشاورات مطولة مع كبار الوزراء ومسؤولي الدفاع بشأن الهدنة، على غير العادة، في ظل رفض «حماس» تمديد المرحلة الأولى «ستة أسابيع إضافية» ومطالبتها بالتقدم إلى مرحلة ثانية.

وطرحت المشاورات بحسب ما أفادت به «القناة 12» الإسرائيلية، السبت، فكرة العودة إلى القتال في غزة، في حال انهيار الاتفاق، لافتة إلى أن الولايات المتحدة تضغط لتمديد المرحلة الأولى.

فلسطينيون نزحوا إلى الجنوب بأمر إسرائيل خلال الحرب يشقُّون طريقهم عائدين إلى منازلهم في شمال غزة (رويترز)

بينما نقلت «تايمز أوف إسرائيل»، السبت، عن مصدر دبلوماسي إسرائيلي، أن وفد بلادها عاد من محادثات تستضيفها القاهرة منذ الخميس بشأن المراحل المقبلة وضمان تنفيذ التفاهمات، كما أعلنت الهيئة العامة للاستعلامات المصرية الرسمية، لكن المحادثات «ستستأنف السبت»، وفق الصحيفة.

وأكدت متحدث «حماس»، حازم قاسم، السبت، أنه لا توجد حالياً أي «مفاوضات مع الحركة بشأن المرحلة الثانية»، وأن «تمديد المرحلة الأولى بالصيغة التي تطرحها إسرائيل مرفوض بالنسبة لنا»، وفق ما نقلته وكالة «رويترز»، دون توضيح سبب الرفض.

ويرى الخبير الاستراتيجي والعسكري، اللواء سمير فرج، أن مصير المفاوضات بات غامضاً مع تمسك إسرائيل بطلب تمديد المرحلة الأولى، ورفض «حماس» للتفريط في الرهائن أهم ورقة لديها عبر تمديد لن يحقق وقف الحرب.

ولا يمكن القول إن المفاوضات «فشلت»، وفق المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، الذي لفت إلى أن هناك إصراراً إسرائيلياً، على التمديد والبقاء في 3 بؤر عسكرية على الأقل في شمال وشرق القطاع و«محور فيلادليفيا»، بالمخالفة لبنود الاتفاق ورفض من «حماس».

لكنّ هناك جهوداً تبذل من الوسطاء، والوفد الإسرائيلي سيعود، وبالتالي سنكون أمام تمديد الاتفاق عدة أيام بشكل تلقائي دون صفقات لحين حسم الأزمة، بحسب الرقب.

ونقلت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية عن مصادر، قولها إنه إذا وافقت «حماس» على تمديد المرحلة الأولى من خلال الاستمرار في تحرير دفعات من الرهائن، فإنها بذلك تخسر النفوذ الرئيسي الوحيد الذي تمتلكه حالياً. وذلك غداة حديث دبلوماسي غربي كبير لصحيفة «تايمز أوف إسرائيل»، أشار إلى أن نتنياهو يستعد للعودة إلى الحرب مع «حماس».

طفل يسير في حي دمرته الحرب تم وضع زينة شهر رمضان عليه في خان يونس جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

ووسط تلك الصعوبات، استعرض وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، بالقاهرة، مع رئيس وزراء فلسطين، محمد مصطفى مستجدات الجهود المصرية الهادفة لتثبيت وقف إطلاق النار في غزة وتنفيذ كل بنوده خلال مراحله الثلاث، وخطط إعادة الإعمار في قطاع غزة في وجود الفلسطينيين على أرضهم وترتيبات القمة العربية غير العادية المقرر عقدها يوم 4 مارس (آذار) الحالي بالقاهرة، مؤكداً دعم مصر للسلطة الفلسطينية ودورها في قطاع غزة.

ويعتقد فرج أن حل تلك الأزمة يتوقف على جدية الضغوط الأميركية تجاه إسرائيل للوصول إلى حل، مؤكداً أن التلويح الإسرائيلي بالحرب مجرد ضغوط لنيل مكاسب في ظل حاجة «حماس» لزيادة دخول المواد الإغاثية في شهر رمضان للقطاع.

وبعد تأجيل زيارته للمنطقة، ذكر ويتكوف، الأربعاء، خلال فعالية نظّمتها «اللجنة اليهودية-الأميركية»، إنه «ربّما» ينضمّ إلى المفاوضات يوم الأحد «إذا ما سارت الأمور على ما يرام».

ويرجح الرقب أن الأمور الأقرب ستكون تمديد المرحلة الأولى من الاتفاق مع ضمانات واضحة لأن الوسطاء و«حماس» يدركون أن إسرائيل تريد أخذ باقي الرهائن والعودة للحرب، مشيراً إلى أن «الساعات المقبلة بمحادثات القاهرة ستكون أوضح لمسار المفاوضات وتجاوز الغموض والمخاوف الحالية».