الهجرة واللجوء السياسي في أعمال كاتب أدب أطفال

مايكل بوند مع {بادنغتن}
مايكل بوند مع {بادنغتن}
TT

الهجرة واللجوء السياسي في أعمال كاتب أدب أطفال

مايكل بوند مع {بادنغتن}
مايكل بوند مع {بادنغتن}

في سلسلة كتب الأطفال «الدب بادنغتن»، للكاتب البريطاني مايكل بوند (1926)، يقف الدب الصغير اليتيم عند محطة بادنغتن مهاجراً غير شرعي هبط على لندن في عام 1958. كان خاوي الوفاض إلا من ثياب على ظهره، وحقيبة مليئة بالمربى، ولافتة تخاطب الداني: «رجاء، اعتنوا بهذا الدب.. شكراً»؛ إنها دعوة إلى أبسط الأفعال الإنسانية: رعاية الضعفاء منا.
خلَّف بوند، الراحل عن عالمنا في العام الماضي، 24 كتاباً من سلسلة «الدب بادنغتن»، ومنها باع 35 مليون نسخة في أرجاء العالم، وتُرجمت إلى ما يربو على 40 لغة. وقد صدر منها باللغة العربية كتابا «بادنغتن: قصة الدب الصغير القادم من بيرو» و«بادنغتن في الحديقة»، عن مؤسسة «نوفل» ببيروت، وكتابا «بادنغتن في المهرجان» و«بادنغتن ومفاجأة عيد الميلاد»، عن دار «هاشيت أنطوان» اللبنانية الفرنسية؛ وكلها ترجمتها كاتبة الأطفال اللبنانية فاطمة شرف الدين.
استلهم بوند شخصية الدب من ذكريات صباه، حين كان يشاهد الأطفال المرحَّلين عبر إحدى محطات لندن، خلال القصف الألماني على بريطانيا في الحرب العالمية الثانية، وحول أعناقهم بطاقة تحمل أسماءهم، وحقيبة صغيرة تضم كل ما يمتلكونه من حطام الدنيا. في العام نفسه، استهدف اليمينُ البريطاني المتطرف المهاجرين من جزر الكاريبي بحي نوتينغ هيل، وهو محل مغامرات الدب، إلا أن بوند لم يثقل على الأطفال بأحداث الشغب والدماء. وفي المقابل، صوَّر لندن بمرجعية ثقافية متعددة عابقة بالفكاهة اللماحة؛ تقول إحدى الشخصيات: «الدببة من أمثال بادنغتن غاية في الندرة، وهو أمر جيد في الحقيقة وإلا ستكلفنا المربى ثروة صغيرة!». كذلك كان السيد جروبر، وهو صديق للدب، لاجئاً مجرياً قصد المدينة فراراً من الحكم النازي. ينبس الدب بنبرة العليم: «الكل مختلف في لندن، ولندن تتسع للكل».
تسأله السيدة براون، ليبرالية المبادئ: «أنت دب صغير جداً.. مِن أين أنت؟». وعلى ما نلمح من براءة في قسماته، لا ينْقصه خوفٌ من السلطات التي قد لا ترأف بحاله؛ يتلفت حوله قبل أن يرد: «من أعماق بيرو.. لا ينبغي أن أكون هنا أصلاً.. أنا تخفيت في سفينة». وما لبثت السيدة أن تبنته قائلة: «لا يهم إن أتى بادنغتن من الجانب الآخر من العالم، أو أنه حيوان مختلف». وبوند يؤكد أن بعض المشكلات التي لاقاها مهاجرو اليوم لاقاها أيضاً مهاجرو الأمس البعيد. فالدب في حاجة إلى الاندماج في مجتمع جديد، يتساءل: «كيف أشغل الحنفية؟»، أو «ماذا تقصد موظفة المسرح حين تسألني إن كنت أريد برنامجاً؟». وقد خاطب أحد رجال الشرطة الدبَ قائلاً: «إنه أسبوع التلطف مع الأجانب!»، ولكن الحوار انقلب مشؤوماً حين أفرط الدب في صراحته، معترفاً بأنه يقود على الرصيف لعدم امتلاكه رخصة قيادة!
ورغم تحديه للقانون، لا أحد ينكر شخصية الدب المهذبة التي تباري الآخرين في أخلاقها الحميدة. مشكلتُه أنه عُرْضه للمصائب، مِن مكتب الهجرة أو من أولئك الذين «لا يحبون الآخرين»، حسب وصفه. ولو أن هناك مبدأً واحداً ود الدب أن يغرسه في نفوس الأطفال، فهو أن تجسيده للمختلف، لكونه دباً أو لاجئاً، ليس مدعاة للخجل أو العار: «لن أصبح أبداً كالآخرين، ولكن لا بأس، لأني دب». نلمح بالأحرى فخراً لانتماء الدب للثقافة اللاتينية: «أنا من هنا، وكذا من هناك»؛ يصوره بوند بإنجليزية سليمة تعلَّمها على يد عمته، التي تعلمتها بدورها من مستكشف إنجليزي أخبرها بأن لندن سوف ترحب دائماً بهم.
لقد جسَّدت أيقونةُ المحبة الخالصة في صورة أشهر الدببة في تاريخ الأدب إرثَ بوند الخالد. لم يعبأ الكاتب بالنقد الموجَّه إليه بأنه يروج لشخصية تنتهك القانون؛ ما كان يهمه الجانب الإنساني المحض من العلاقة بين الوافد والمستقر، المتقلقل والآمن من البشر. يدافع ابن الأسرة عن الدب: «لم يرتكب جرماً، ولم يؤذ أحداً في سفره بقارب نجاة». وفي معرض تجربة هذا الحيوان ذي الفرو الخشن، علَّم بوند الأطفال قيمة الإخلاص والتعاطف. وجاء غرام الحيوان بالتجريب وطرح التساؤلات (ماذا لو؟ ماذا لو؟) مثالاً لرحَّالة لم تردعه الحدود السياسية. ومع مُثُله التقدمية، يقرر قرارات الكبار الشجاعة، ولا يكترث للملمات متشبثاً بعاداته وقيمته: «الدب الحكيم يحْمل دائماً شطيرة مربى تحت قبعته في حال الطوارئ».
وفي حين شكَّلت الهجرة رافداً سردياً أساسياً برحلات الدب في مطلع القرن الحادي والعشرين، تفشت نبرة كراهية الأجانب في المجتمع البريطاني، وتصاعد الجدل حول الخروج من الاتحاد الأوروبي، وبدا مفهوم العولمة على المحك. فجاءت قصص بوند وكأنما تعادي بروباغندا النقاء القومي الداعي له حزب الاستقلال البريطاني. وفي أغلب مغامرات الدب، نتأثر بخطر عنصري قد يلم به في أي لحظة، أو فوضى محببة تدل على إصراره وقوة شخصيته، مما نجده في المناخ الطارد الحالي باعثاً على الحسرة.
كان بوند قد تحسر على قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي، كمن يتوق إلى انفتاح البريطانيين في الأيام الخوالي، مشيراً إلى أن مكانة المهاجرين صارت في مهب الريح.
كذلك تعكس القصص جميعها انشغالاً ملحاً بالمهمشين. ولا مراء، فقد فطن الكاتب إلى أن الخمسينات والستينات كانت فترة تحول كبرى في تاريخ بلاده الديموغرافي، بعد استقبال المهاجرين من جزر الهند الغربية والهند وباكستان وبقية الإمبراطورية البريطانية التي أخفق فيها الحكم الوطني في احتواء أبنائها. واليوم، يتكون لدى قارئ بوند وعي جديد بروح الدب الكوزموبوليتانية وبصيرته العولمية. ومن خلاله، تستضيء طريقنا برسالة محددة: لقد طلب الدب في ورطته الوجودية طلباً وهو شريد وحيد بلا نصير، ثم لبى طلبه القادر الكريم دون أي اعتبارات أخرى. ومثل تلك الحكاية الرمزية الأخلاقية لا تكف عن التأكيد على أن أي ثقافة سوف تنقطع مسيرتها الحضارية إن لم تناصر شتى الألوان والأعراق والأديان.



الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
TT

الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)

دعا الشاعر السوري أدونيس من منفاه في فرنسا الأربعاء إلى "تغيير المجتمع" في بلده وعدم الاكتفاء بتغيير النظام السياسي فيه بعد سقوط الرئيس بشار الأسد.

وقال أدونيس (94 عاما) خلال مؤتمر صحافي في باريس قبيل تسلّمه جائزة أدبية "أودّ أولا أن أبدي تحفّظات: لقد غادرتُ سوريا منذ العام 1956. لذلك أنا لا أعرف سوريا إذا ما تحدّثنا بعمق". وأضاف "لقد كنت ضدّ، كنت دوما ضدّ هذا النظام" الذي سقط فجر الأحد عندما دخلت الفصائل المسلّحة المعارضة إلى دمشق بعد فرار الأسد إلى موسكو وانتهاء سنوات حكمه التي استمرت 24 عاما تخلّلتها منذ 2011 حرب أهلية طاحنة.

لكنّ أدونيس الذي يقيم قرب باريس تساءل خلال المؤتمر الصحافي عن حقيقة التغيير الذي سيحدث في سوريا الآن. وقال "أولئك الذين حلّوا محلّه (الأسد)، ماذا سيفعلون؟ المسألة ليست تغيير النظام، بل تغيير المجتمع". وأوضح أنّ التغيير المطلوب هو "تحرير المرأة. تأسيس المجتمع على الحقوق والحريات، وعلى الانفتاح، وعلى الاستقلال الداخلي".

واعتبر أدونيس أنّ "العرب - ليس العرب فحسب، لكنّني هنا أتحدّث عن العرب - لا يغيّرون المجتمع. إنّهم يغيّرون النظام والسلطة. إذا لم نغيّر المجتمع، فلن نحقّق شيئا. استبدال نظام بآخر هو مجرد أمر سطحي". وأدلى الشاعر السوري بتصريحه هذا على هامش تسلّمه جائزة عن مجمل أعماله المكتوبة باللغتين العربية والفرنسية.

ونال أدونيس جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس وتحمل اسم شاعر كتب باللغتين الكتالونية والإسبانية.