تحولات تدريجية في الخطاب الإعلامي الروسي نحو السعودية

«رؤية المملكة 2030» تفرض نفسها على التغطية

جانب من تقرير قناة «روسيا-24» أعدته مراسلتها من السعودية
جانب من تقرير قناة «روسيا-24» أعدته مراسلتها من السعودية
TT

تحولات تدريجية في الخطاب الإعلامي الروسي نحو السعودية

جانب من تقرير قناة «روسيا-24» أعدته مراسلتها من السعودية
جانب من تقرير قناة «روسيا-24» أعدته مراسلتها من السعودية

لم يعد الفضاء الإعلامي الروسي حكراً على وجهات نظر مجموعات النفوذ المناهضة للقضايا العربية والإسلامية، وللمكلة العربية السعودية. ويلمس المتتبع للإعلام الروسي تغيرات تظهر تدريجياً في الخطاب الإعلامي خلال تناول الشأن السعودي.
يشير مراقبون إلى أن التحولات التدريجية في الخطاب الإعلامي الروسي نحو السعودية، جاءت تحت تأثير عاملين رئيسين، لا يقل أحدهما أهمية عن الآخر، الأول الزيارة التاريخية التي أجراها الملك سلمان بن عبد العزيز لروسيا في أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي، والتي شكلت تتويجاً لمرحلة جديدة من العلاقات بين موسكو والرياض.
والعامل الثاني هو استراتيجية «رؤية المملكة العربية السعودية 2030»، التي أعلن عنها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والإصلاحات الشاملة التي تشهدها المملكة في إطار هذه الاستراتيجية، فضلاً عن النشاط السياسي الدولي للأمير محمد، والذي حظي باهتمام لافت في الإعلام الروسي.
وإلى جانب تقارير في الإعلام الروسي ما زالت تصر على تناول جوانب الحياة في السعودية بصورة سلبية، بعيداً عن الموضوعية، أخذت تظهر في الآونة الأخيرة تقارير تتميز بالمهنية، وتحرص على عرض المشهد السعودي بموضوعية وحيادية، وتتجه بهذا الغرض إلى الداخل لتنقل الصورة من هناك على حقيقتها، دون أي «تلميع».
في سياق بوادر التحول في نبرة الخطاب الإعلامي الروسي نحو السعودية، عرضت قناة «روسيا - 24» تقريراً أعدته مراسلتها من المملكة العربية السعودية، يقدم «الواقع كما هو». في تقريرها الذي يحمل عنوان «المملكة العربية السعودية... الإسلام ضد الإرهاب»، تجري الصحافية الروسية زيارة لمنازل عائلات سعودية، وتعرض من الداخل نمط الحياة في الأسرة السعودية، مع التركيز بدايةً على ملف «حقوق المرأة».
وتستهل الصحافية الروسية تقريرها بزيارة لمنزل عائلة سعودية، وهناك تُجري حواراً مع ربة المنزل حول النقاب الذي يغطي الوجه.
توضح ربة المنزل أن الشرع يطالب بتغطية الرأس لكن ليس الوجه، وأن مسألة النقاب أمر شخصي يعود لكل أسرة. وتعقب معدّة التقرير مؤكدةً أنها رأت كثيرات في الشارع دون نقاب. ويكشف الحوار مع ربة المنزل أن نمط حياة المرأة في السعودية مختلف تماماً عن الصورة النمطية التي يعرضها الإعلام، والتي تبدو فيها المرأة هناك كأنها «عبدة» لا أكثر. إذ ينتقل التقرير إلى موقع عملها، ليتضح أنها سيدة أعمال تدير واحدة من شركات استيراد الأدوية. وبعد العمل تذهب غالباً مع صديقاتها إلى صالة الرياضة والتسوق، وغيرها من نشاطات تمارسها النساء عادةً.
ثم يتناول التقرير الإصلاحات التي أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ومن شارع في الرياض تطل الصحافية لتؤكد أنها أصبحت تتمكن من السير في الشارع دون الالتزام بالزي التقليدي، وتشير إلى أن هذا الأمر والكثير غيره أصبح متاحاً للنساء بفضل الإصلاحات، وتصفها بـ«التحولات الثورية في نمط الحياة».
وفي الفقرات اللاحقة يعرض التقرير بالتفصيل نمط الحياة في المملكة، مع تركيز على التطور في مجال العمارة والبنى التحتية لا سيما الخدمات للحجاج وتنظيم الحج. وفي الشق السياسي يتوقف التقرير مطولاً عند الجهود التي تبذلها القيادة السعودية في مكافحة الإرهاب، والتصدي لمحاولات نشر التطرف عبر برامج وقائية خاصة للشباب، وكذلك باستخدام أساليب عصرية مثل مراكز إعادة تأهيل المواطنين الذين تأثروا بالأفكار المتطرفة، والاستفادة من الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي لمواجهة الإرهاب في الفضاء الإلكتروني.
ويعود الاهتمام ببوادر التحول الإيجابي في نبرة الإعلام الروسي نحو المملكة العربية السعودية، إلى الدور المؤثر الذي يلعبه الإعلام في تشكيل موقف الرأي العام المحلي من هذه الدولة أو تلك.
يقول مراقبون إن نظرة وسائل الإعلام الروسية إلى السعودية، كانت محكومة، ولا تزال إلى حد بعيد، بعقلية «الحرب البادرة» حين كان الإعلام أداة في تلك الحرب، مهمته تشويه صورة من تصنفهم السلطات السوفياتية على قائمة الخصوم. إلا أن المشهد لم يتغير حتى بعد سقوط الاتحاد السوفياتي. في هذا الشأن يقول المحلل السياسي الروسي كيريل سيمينوف، مدير مركز الدراسات الإسلامية في معهد التنمية المبتكرة، إن وسائل الإعلام الروسية «تستضيف بنشاط خبراء يتميزون بمزاجية معادية للسعودية، وللإسلام بشكل عام»، وأشار في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى مكانة هؤلاء في وسائل الإعلام الروسية، وقال إن «القنوات التلفزيونية تدعوهم دوماً للمشاركة في برامج حوارية، وتنشر الصحف تقاريرهم ومقالاتهم»، وبهذا فهم ما زالوا مركز تأثير على الرأي العام.
ومن هؤلاء «الخبراء» يشير سيمينوف إلى يفغيني ساتانوفسكي، وهو محلل سياسي يهودي - روسي، مقرب من القيادات الإسرائيلية، ومعروف عنه أنه يتهجم دوماً عبر الشاشات على السعودية ويوجه إليها جملة من الاتهامات.
لم يتراجع في الإعلام الروسي تأثير «الخبراء» ومعهم مجموعة من الإعلاميين المناهضين للقضايا العربية، وللملكة العربية السعودية، إلا أن نشاط ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، فرض نفسه بقوة على الإعلام الروسي، الذي يتابع باهتمام خطوات تنفيذ «رؤية المملكة 2030».
في هذا السياق يولي الجانب الروسي اهتماماً بالخطوات العملية التي يتخذها الأمير محمد في مجال تخليص بلاده من الاعتماد النفطي.
ونشرت صحيفة «نيزافيسمايا غازيتا» الروسية تقريراً موسعاً تحت عنوان «السعودية العربية تقود ثورة الطاقة الشمسية»، عرضت فيه نتائج سلسلة لقاءات أجراها ولي العهد السعودي مع مديري شركات عالمية في مجال الطاقة، وتوقيع اتفاقية حول بناء محطة للطاقة الشمسية في المملكة العربية السعودية.
تقول الصحيفة في تقريرها إن هذه المحطة ستكون قادرة على إنتاج طاقة كهربائية بحجم يزيد على ما ينتجه 200 مفاعل نووي للطاقة الكهروذرية، «فضلاً عن أنها ستوفر في المملكة 100 ألف فرصة عمل جديدة، وستسمح بتوفير 40 مليار دولار، تُنفق على إنتاج الطاقة الكهربائية».
ويعرض التقرير بالتفصيل الاتفاقيات الأخرى التي وقّعها ولي العهد السعودي خلال جولته الخارجية الأخيرة مع شركات يابانية وأميركية، وتقول إن «التقليل من الاعتماد على إنتاج النفط واحدة من النقاط الرئيسية في برنامج التطوير الاقتصادي للبلاد (رؤية المملكة 2030)، التي أطلقها ولي العهد عام 2016».


مقالات ذات صلة

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
رياضة عربية المهندس خالد عبد العزيز رئيس المجلس الأعلى للإعلام في مصر (صفحة المجلس على «فيسبوك»)

مصر: قرارات جديدة لمواجهة «فوضى الإعلام الرياضي»

أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، برئاسة المهندس خالد عبد العزيز مجموعة قرارات، اعتماداً لتوصيات لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي.

محمد الكفراوي (القاهرة)
أوروبا مراسلات يتحدثن أمام الكاميرات خلال تغطية صحافية في البرازيل (رويترز)

ثلثهم على أيدي الجيش الإسرائيلي... مقتل 54 صحافياً في عام 2024

قُتل 54 صحافياً حول العالم أثناء قيامهم بعملهم أو بسبب مهنتهم في عام 2024، ثلثهم على أيدي القوات الإسرائيلية، وفق ما أظهر تقرير سنوي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الصحافي سامح اللبودي والزميلة بيسان الشيخ من «الشرق الأوسط»

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

فازت «الشرق الأوسط» بالجائزة البرونزية للصحافة الاستقصائية العربية التي تمنحها مؤسسة «أريج»، عن تحقيق: قصة الإبحار الأخير لـ«مركب ملح» سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق صورة تذكارية لعدد من أعضاء مجلس الإدارة (الشركة المتحدة)

​مصر: هيكلة جديدة لـ«المتحدة للخدمات الإعلامية»

تسود حالة من الترقب في الأوساط الإعلامية بمصر بعد إعلان «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» إعادة تشكيل مجلس إدارتها بالتزامن مع قرارات دمج جديدة للكيان.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

السعودية تؤكد ضرورة تكاتف الإعلام العربي لدعم فلسطين

الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)
الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)
TT

السعودية تؤكد ضرورة تكاتف الإعلام العربي لدعم فلسطين

الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)
الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)

أكّد سلمان الدوسري وزير الإعلام السعودي، الاثنين، أهمية توظيف العمل الإعلامي العربي لدعم قضية فلسطين، والتكاتف لإبراز مخرجات «القمة العربية والإسلامية غير العادية» التي استضافتها الرياض مؤخراً.

وشددت القمة في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، على مركزية القضية الفلسطينية، والدعم الراسخ للشعب لنيل حقوقه المشروعة، وإيجاد حل عادل وشامل مبني على قرارات الشرعية الدولية.

وقال الدوسري لدى ترؤسه الدورة العادية الـ20 للمكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب في أبوظبي، أن الاجتماع يناقش 12 بنداً ضمن الجهود الرامية لتطوير العمل المشترك، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، بمشاركة رؤساء الوفود والمؤسسات والاتحادات الممارسة لمهام إعلامية ذات صفة مراقب.

الدوسري أكد أهمية توظيف العمل الإعلامي لدعم القضية الفلسطينية (واس)

وأضاف أن الاجتماعات ناقشت سبل الارتقاء بالمحتوى الإعلامي، وأهم القضايا المتعلقة بدور الإعلام في التصدي لظاهرة الإرهاب، وجهود الجامعة العربية في متابعة خطة التحرك الإعلامي بالخارج، فضلاً عن الخريطة الإعلامية العربية للتنمية المستدامة 2030.

وتطرق الدوسري إلى استضافة السعودية مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة للتصحر «كوب 16»، وقمة المياه الواحدة، وضرورة إبراز مخرجاتهما في الإعلام العربي، مؤكداً أهمية الخطة الموحدة للتفاعل الإعلامي مع قضايا البيئة.

وأشار إلى أهمية توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في الإعلام العربي، واستثمار دورها في تعزيز المحتوى وتحليل سلوك الجمهور، داعياً للاستفادة من خبرات «القمة العالمية للذكاء الاصطناعي» في الرياض؛ لتطوير الأداء.