نجاح غير متوقع للبنان في مؤتمر باريس... وماكرون يعتبره «نقطة بداية»

الحريري عرض رؤية شاملة لحكومته من أجل النمو والاستقرار

الرئيس الفرنسي ماكرون والحريري يتوسطان المشاركين في المؤتمر (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي ماكرون والحريري يتوسطان المشاركين في المؤتمر (أ.ف.ب)
TT

نجاح غير متوقع للبنان في مؤتمر باريس... وماكرون يعتبره «نقطة بداية»

الرئيس الفرنسي ماكرون والحريري يتوسطان المشاركين في المؤتمر (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي ماكرون والحريري يتوسطان المشاركين في المؤتمر (أ.ف.ب)

حصد لبنان نجاحاً تخطى ما كان يتوقعه في مؤتمر دعم التنمية والاستثمارات «سيدر» الذي التأم أمس، في باريس بحضور 37 دولة و14 مؤسسة مالية إقليمية ودولية كانت على موعد في العاصمة الفرنسية. المؤتمر نظمته فرنسا وأدار أعماله تباعاً وزيرا الخارجية والدفاع الفرنسيان، وكانت الكلمة النهائية للرئيس إيمانويل ماكرون الذي لعب دوراً محورياً من أجل إنجازه. وعُقد اجتماع في مقر وزارة الخارجية ضم ماكرون ورئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، بحضور وزراء الخارجية والمال من الطرفين.
وفي الكلمة الختامية للمؤتمر شدد الرئيس الفرنسي على الدوافع الكامنة وراء التعبئة الفرنسية والمرتبطة بالوضع الإقليمي وحاجة لبنان إلى الدعم على المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية والإنسانية وعلى الحاجة إلى التضامن مع لبنان، كما أنه يتعين على كل الأطراف الإقليمية والدولية أن تساعد لبنان الذي اعتبره نموذجاً من الواجب المحافظة عليه. لكن ماكرون أكد ضرورة «المتابعة الدقيقة» لنتائج المؤتمر الذي سيكون فاقد المعنى «إن لم تحصل تحولات جذرية» في لبنان، في إشارة إلى الإصلاحات التي تم التركيز عليها طيلة أمس، ومن كل الجهات. وقال ماكرون: «إذا ساعدنا لبنان فسنساعد المنطقة وبالتالي نكون بصدد مساعدة أنفسنا». ولذا «يجب ألا يكون المؤتمر نقطة نهائية بل نقطة بداية وانطلاقة جديدة» في مواكبة لبنان.
المؤتمر الذي أُعلن عنه للمرة الأولى في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، قام على معادلة واضحة عاد المشاركون إلى التذكير بها بدءاً بوزير الخارجية جان إيف لو دريان، ثم زميله وزير الاقتصاد، وقوامها أن المساعدات للبنان يجب أن تقابلها رزمة إصلاحات واسعة حقيقية وجدية. وقال لو دريان إن الأعمال التحضيرية للمؤتمر بيّنت أمرين: الأول، أن لبنان بحاجة إلى استثمارات مهمة لإعادة تأهيل بناه التحتية الأساسية من أجل توفير الخدمات الضرورية لجميع مواطنيه. وفي المقابل «حاجة لبنان الملحة إلى القيام بمروحة إصلاحات واسعة لاقتصاده بنيوياً وقطاعياً». وخلاصة لو دريان أن «استقرار لبنان من الناحية الاقتصادية يستند إذن إلى عمل مزدوج: فمن جهة، المطلوب من لبنان الإصلاحات، ومن جهة ثانية يتعين على الأسرة الدولية توفير الدعم للبنان».
يضاف إلى ذلك أن المجتمعين لم يمنحوا لبنان «صكاً على بياض» بل برز تمسك بإنشاء «آلية متابعة» يكون غرضها التأكد من تنفيذ البلدان والمؤسسات المالية «المانحة» وعودها خصوصاً «مواكبة» الإصلاحات اللبنانية والاستثمارات والمشاريع التي يتعين تنفيذها. وخلاصة المؤتمر، الذي اختُتم عصر أمس، أن لبنان حصل على وعود قروض وهبات تصل إلى 11,5 مليار دولار وهو ما يحقق الطموحات اللبنانية لتمويل المرحلة الأولى من خطته. وجاءت أهم المساهمات من البنك الدولي (4 مليارات دولار لخمس سنوات)، والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية (1.1 مليار يورو لست سنوات)، والصندوق العربي للتنمية (500 مليون دولار يمكن أن تصل إلى مليار دولار إذا كانت الإصلاحات جدية). وقدمت الكويت (الدولة وصندوق التنمية) 680 مليون دولار على شكل قروض. وقد غلبت القروض الميّسرة على الهبات التي وصلت إلى 800 مليون دولار وشكّلت الأساسي من الالتزامات والوعود التي حصل عليها لبنان. وسيكون من مهمات «آلية المتابعة» إدامة التواصل مع الهيئات «المانحة» للتأكد من تنفيذ التزاماتها.
وفي كلمته الافتتاحية، لاحقاً بعد الظهر، قرع الحريري ناقوس الخطر عارضاً للتحديات الكبرى التي يواجهها لبنان، وما أصاب اقتصاده في السنوات السبع الماضية التي انقضت على الحرب في سوريا. ومن الأرقام التي ذكرها الحريري أن النمو الاقتصادي هبط إلى 1% (مقابل 8% قبل الحرب)، بينما خسائر لبنان وصلت إلى 15 مليار دولار حتى عام 2015. وانخفضت الصادرات بنسبة الثلث وزادت الديون والبطالة ومعهما الفقر. وكل ذلك معطوف على الضغوط على البنية التحتية. وخلاصة الحريري أن لبنان لن يكون قادراً بإمكاناته الذاتية على مواجهة جميع التحديات مع وجود أكثر من مليون نازح سوري. وبعد أن عرض الحريري الخطوات «الإيجابية» التي قطعها لبنان منذ انتخاب الرئيس ميشال عون، رأى أن التدابير التي اتخذتها حكومته في الأشهر الأخيرة «ضرورية وليست كافية» عارضاً ما تنوي الحكومة القيام به في إطار «رؤية شاملة من أجل الاستقرار والنمو، التي تدور على 4 محاور: زيادة الاستثمارات في البنى التحتية والعمل على تنفيذ البرنامج الاستثماري، وخفض عجز الميزانية قياساً بالناتج الإجمالي بنسبة 5% خلال 5 سنوات، وتنفيذ إصلاحات هيكلية يفترض أن تشمل محاربة الفساد وتحسين جباية الضرائب وإعادة هيكلة القطاع العام وترشيد الجمارك والتحول الرقمي وتوفير بيئة اقتصادية أفضل من غير إهمال العدالة الاجتماعية، وأخيراً تطوير استراتيجية لتنويع القطاعات الإنتاجية وزيادة الصادرات». وخلاصة الحريري أن لبنان «لا يستطيع أن ينجح في هذه الجهود منفرداً، وهو بحاجة إلى دعم المجتمع الدولي لأنه تحمل الكثير عنه، وعلى الأخير مسؤوليات تجاه لبنان». وختم متوجهاً إلى الوفود بقوله: «أطلب منكم الاعتماد على التطورات الإيجابية الأخيرة لتعزيز استقرار لبنان»، مضيفاً: «أقول لكم بصراحة إن الأمر لا يتعلق باستقرار لبنان وحده بل باستقرار المنطقة وبالتالي استقرار عالمنا جميعاً».
بيد أن لو دريان لم يحصر اهتمامه بالجوانب الاقتصادية وحدها بل حرص على التذكير بـ«واجبات» لبنان الأخرى، مشيراً إلى الخلاصات التي توصل إليها مؤتمر «مجموعة الدعم الدولية للبنان» الذي التأم في باريس في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وأولاها مطالبة اللبنانيين بـ«احترام سياسة النأي بالنفس» عن النزاعات الإقليمية، وأيضا تأكيد مبدأ أن الدولة اللبنانية «لها وحدها حق امتلاك السلاح وفقاً للقرار الدولي رقم 1701». كذلك أشار لو دريان إلى «دعوة» المؤتمر كل الدول المؤثرة على الوضع في لبنان لـ«احترام سيادة لبنان والابتعاد عن كل ما يُضعف مؤسساته الوطنية». وقارن الوزير الفرنسي القول بالفعل مستبقاً الجميع بالإعلان عن أن فرنسا ستقدم مساعدات للبنان قيمتها 550 مليون يورو تنقسم إلى 400 مليون قروضاً و150 مليون يورو هبات. وكانت اللبنة الأولى من مبلغ الـ10 مليارات دولار التي ينشدها لبنان لتمويل المرحلة الأولى من مشاريعه الاستثمارية الطموحة. ولإبراز «معنى» الدعم الفرنسي قال لو دريان إن لبنان «يبقى مثلاً للتعددية والتسامح والانفتاح الذي نحتاج إليه في شرق أوسط تهزه الأزمات وتدميه الحروب الأهلية». وفي باب «التحديات» اللبنانية، أشار لو دريان إلى محاربة الإرهاب وأزمة النازحين. وما قاله وزير الخارجية الفرنسي عاد وأكده بعد الظهر وزير الاقتصاد برونو لومير الذي شدد على أن «الاستراتيجية الجديدة تقوم على الإصلاحات والاستثمارات بالتوازي». وإذ أثنى الوزير الفرنسي على «الإشارات الإيجابية» التي أرسلتها الحكومة اللبنانية، حرص على التركيز على «التحديات الهائلة» التي يواجهها لبنان والتي أصبحت معروفة طولاً وعرضاً ليخلص إلى دعوة «كل شركاء لبنان» إلى تحمل مسؤولياتهم. وقناعة لومير أن لبنان بدأ «عهداً جديداً» في تعاطيه مع المؤتمرات الدولية شعاره وجود إرادة دولية إيجابية تجاه لبنان مقابل ممارسات لبنانية جديدة وإصلاحات مطلوبة. ولعل أفضل دليل على ذلك، وفق أطراف حضرت الجلسات المغلقة، أن عدداً من الدول أصر من جهة على رغبته في أن ينضم إلى «آلية المتابعة» بينها هولندا التي وصلت مساعدتها إلى 200 مليون دولار قرضاً لأربع سنوات. و«اختار» البعض الآخر عدداً من القطاعات التي أبدى رغبته في الاستثمار فيها بعد إشباعه المشاريع درساً وتمحيصاً.
وجاء لبنان بوفد موسع برئاسة الحريري وعضوية وزراء الخارجية والمال والأشغال العامة والطاقة والعديد من الخبراء ووفد إعلامي كبير. وعقد الرئيس ماكرون اجتماعاً مغلقاً مع الحريري قبل إلقاء كلمته الختامية. ورغم أن المؤتمر أُعلن وزارياً، فإن الوزراء الذين حضروا هم الفرنسيون واللبنانيون، إضافة إلى وزيرة هولندية، بينما مثّلت غالبية الدول الحاضرة بسفرائها في فرنسا أو بممثلين عن وزارة الخارجية.



الحوثيون يتبنّون هجمات بالمسيّرات ضد أهداف إسرائيلية

صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)
صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)
TT

الحوثيون يتبنّون هجمات بالمسيّرات ضد أهداف إسرائيلية

صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)
صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)

تبنت الجماعة الحوثية المدعومة من إيران هجمات جديدة بالطائرات المسيّرة ضد أهداف إسرائيلية، الجمعة، إلى جانب تبنّى هجمات بالاشتراك مع فصائل عراقية موالية لطهران، دون أن يعلق الجيش الإسرائيلي على الفور بخصوص آثار هذه العمليات.

وتشن الجماعة المدعومة من إيران منذ أكثر من عام هجمات ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، فضلاً عن إطلاق الصواريخ والمسيّرات باتجاه إسرائيل تحت مزاعم نصرة الفلسطينيين في غزة.

صاروخ أطلقه الحوثيون باتجاه إسرائيل من نوع «فلسطين 2» (إعلام حوثي)

وخلال حشد حوثي في ميدان السبعين بصنعاء، الجمعة، ادعى المتحدث العسكري باسم الجماعة يحيى سريع أن قوات جماعته نفذت عمليتين عسكريتين استهدفت الأولى هدفاً عسكرياً في عسقلان، فيما استهدفت الثانية هدفاً في تل أبيب.

وزعم المتحدث الحوثي أن العمليتين تم تنفيذهما بطائرتين مسيّرتين تمكنتا من تجاوز المنظومات الاعتراضية والوصول إلى هدفيهما.

إلى ذلك، قال سريع إن قوات جماعته نفذت بالاشتراك مع ما وصفها بـ«المقاومة الإسلامية في العراق» عمليةً عسكريةً ضد أهداف حيوية جنوب إسرائيل، وذلك بعدد من الطائرات المسيّرة، زاعماً أن العملية حققت أهدافها بنجاح.

وتوعد المتحدث الحوثي بالاستمرار في تنفيذ الهجمات ضد إسرائيل حتى توقف الحرب على غزة ورفع الحصار عنها.

19 صاروخاً ومسيّرة

في أحدث خطبة لزعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، الخميس، قال إن جماعته أطلقت باتجاه إسرائيل خلال أسبوع 19 صاروخاً باليستياً ومجنحاً وطائرة مسيّرة، زاعماً أنها استهدفت تل أبيب وأسدود وعسقلان.

كما ادعى الحوثي استهداف خمس سفن أميركية في خليج عدن، منها: بارجتان حربيتان، وهدد بالاستمرار في الهجمات، وقال إن جماعته نجحت في تدريب وتعبئة أكثر من 600 ألف شخص للقتال خلال أكثر من عام.

من آثار مسيّرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في جنوب تل أبيب الاثنين الماضي (أ.ف.ب)

وتبنّى الحوثيون على امتداد أكثر من عام إطلاق مئات الصواريخ والطائرات المسيّرة باتجاه إسرائيل، لكن لم يكن لها أي تأثير هجومي، باستثناء مسيّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.

واستدعت هذه الهجمات من إسرائيل الرد في 20 يوليو الماضي، مستهدفة مستودعات للوقود في ميناء الحديدة، وهو ما أدى إلى مقتل 6 أشخاص، وإصابة نحو 80 آخرين.

وتكرّرت الضربات الإسرائيلية في 29 سبتمبر (أيلول) الماضي، ضد مستودعات للوقود في كل من الحديدة ورأس عيسى. كما استهدفت محطتي توليد كهرباء في الحديدة، بالإضافة إلى مطار المدينة الخارج عن الخدمة منذ سنوات. وأسفرت هذه الغارات عن مقتل 4 أشخاص، وإصابة نحو 30 شخصاً، وفق ما أقر به الحوثيون.

أحدث الهجمات

أعلن الجيش الإسرائيلي، الاثنين الماضي، أن طائرة مسيّرة، يعتقد أنها انطلقت من اليمن، أصابت مبنى في جنوب تل أبيب، وفق ما نقلته وسائل إعلام غربية.

وقالت القناة «13» الإسرائيلية: «ضربت طائرة مسيّرة الطابق الـ15 من مبنى سكني في يفنه، ولحق دمار كبير بشقتين»، مشيرة إلى وصول قوات كبيرة إلى المكان.

وأفاد الجيش الإسرائيلي بورود «تقارير عن سقوط هدف جوي مشبوه في منطقة مدينة يفنه. ولم يتم تفعيل أي تحذير». وقالت نجمة داود الحمراء إنه لم تقع إصابات.

وأشارت قوات الإطفاء والإنقاذ، التي وصلت إلى مكان الحادث، إلى وقوع أضرار جسيمة في شقتين. كما نقل موقع «0404» الإسرائيلي اليوم عن متحدث باسم الجيش الإسرائيلي قوله: «يبدو أن الطائرة المسيّرة التي أصابت مبنى في يفنه قد انطلقت من اليمن»، مشيراً إلى أنه يجري التحقيق في الحادث.

مدمرة أميركية في البحر الأحمر تطلق صاروخاً ضد أهداف حوثية (رويترز)

وعلى صعيد الهجمات البحرية، كانت القيادة المركزية الأميركية أعلنت في بيان، الثلاثاء، الماضي، أنّ سفينتين عسكريّتين أميركيّتين صدّتا هجوماً شنّه الحوثيون بواسطة طائرات من دون طيّار وصاروخ كروز، وذلك في أثناء حراستهما ثلاث سفن تجارية في خليج عدن.

وقال البيان إن «المدمّرتين أحبطتا هجمات شُنّت بطائرات من دون طيار وبصاروخ كروز مضاد للسفن، لتضمنا بذلك سلامتهما وأفرادهما، وكذلك سلامة السفن المدنية وأطقمها».

وأوضح البيان أنّ «المدمرتين كانتا ترافقان ثلاث سفن تجارية تابعة للولايات المتحدة»، مشيراً إلى عدم وقوع إصابات أو إلحاق أضرار بأيّ سفن.

يشار إلى أن الهجمات الحوثية في البحر الأحمر أدت منذ 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 إلى غرق سفينتين وقرصنة ثالثة، كما أدت إلى مقتل 3 بحارة وإصابة آخرين في هجوم ضد سفينة ليبيرية.

وفي حين تبنى زعيم الحوثيين مهاجمة أكثر من 211 سفينة منذ بدء التصعيد، كانت الولايات المتحدة ومعها بريطانيا في أربع مرات على الأقل، نفذت منذ 12 يناير (كانون الثاني) الماضي أكثر من 800 غارة على أهداف للجماعة أملاً في الحد من قدرتها على تنفيذ الهجمات البحرية.