بقلق شديد، يتفحص سوريون فروا من بلادهم بسبب موقفهم المعارض للنظام، لائحة مسربة للمطلوبين من الجهات الأمنية في سوريا؛ لمعرفة ما إذا كانوا سيتمكنون يوماً من العودة إلى منازلهم، بحسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية من بيروت.
ونشرت صحيفة «زمان الوصل» الإلكترونية المعارضة، الشهر الماضي، لائحة طويلة من 1.5 مليون اسم قالت، إنها لمطلوبين من الأجهزة الأمنية السورية التي تثير الرعب بين المعارضين بسبب التقارير عن سوء المعاملة والتعذيب المنسوبة لها.
ويقبع عشرات آلاف الأشخاص في معتقلات النظام منذ اندلاع حركة الاحتجاجات في البلاد في عام 2011، التي سرعان ما تحولت إلى نزاع مسلح أودى بحياة أكثر من 350 ألف شخص، بينما نزح الملايين من السوريين داخل البلاد وإلى خارجها. وبين هؤلاء من هو فار إما خوفاً من الخدمة العسكرية، وإما من الاعتقال بسبب مواقفه السياسية.
على موقع «زمان الوصل»، للتأكد مما إذا كان اسمهم موجوداً على اللائحة، يكتب معارضون أسماءهم الكاملة في زاوية البحث لتظهر أمامهم لائحة تتضمن بالإضافة إلى أسمائهم (إذا كانوا من المطلوبين)، اسم الأم وتاريخ ومكان الولادة، والجهة المطلوبين لديها والإجراء المطلوب اتخاذه بحقهم، وهو يتراوح بين المراجعة لدى الجهاز المعني أو الاعتقال أو منع السفر.
حين كتب الأستاذ في تاريخ الشرق الأوسط في جامعة في أوهايو الأميركية، عمر العظم، اسمه، جاءه الرد «الجهة: مديرية المخابرات العامة. الإجراء: الاعتقال».
ويقول العظم (54 عاماً) لوكالة الصحافة الفرنسية عبر الهاتف: «لم أتوقع شيئاً آخر»، خصوصاً أنه لم يتردد يوماً في التصريح بمعارضته النظام ودعمه الاحتجاجات ضده، وهو الذي زار سوريا للمرة الأخيرة قبل عام من تلك المظاهرات.
ويضيف: «من جهة أشعر بالفخر على اعتبار أنني قمت بما هو كاف كمعارض للفت نظر السلطات. لكن في الوقت ذاته، يحزنني كثيراً لأن الحقيقة هي أنني لن أرى سوريا مجدداً».
وحصلت صحيفة «زمان الوصل» على اللائحة، وفق قولها، من مصادر في دمشق في عام 2015 جزءاً من 1.7 مليون وثيقة من أرشيف الحكومة السورية. ونشرت الصحيفة اللائحة على ثلاث دفعات منذ منتصف الشهر الماضي، وتتضمن كل منها 500 ألف اسم. وتحدثت الصحيفة عن «أكثر من عشرة ملايين عملية بحث خلال 16 يوماً في محرك المطلوبين».
ويعلم الكثير من السوريين المعارضين في الخارج أنهم ممنوعون من العودة إلى بلادهم، لكنهم أرادوا الحصول على تفاصيل إضافية: أي جهة أمنية تطالب بهم، هل تريد أن تحقق معهم فقط أو اعتقالهم مباشرة؟ ويقول العظم: «كأنه مرض مميت، تعرف أنك تعاني منه، لكنك تنتظر نتائج التحليلات لتتأكد أكثر».
ولا تتضمن اللائحة التهمة الموجهة للمطلوبين.
وتسارعت نبضات قلب زينة فور معرفتها بأمر اللائحة. وسارعت الشابة التي فضلت استخدام اسم مستعار، لتفقد اسمها، هي التي غادرت سوريا في عام 2012 بعدما تعرضت للاعتقال مرتين لمشاركتها في الاحتجاجات. وتقول زينة «لم أفكر لحظة بعدم البحث عن اسمي؛ لأنني أفضل أن أعرف الحقيقة».
ومع كل دفعة نشرتها «زمان الوصل»، كانت زينة تبحث عن اسمها من دون أن تجده. وتضيف «أريدها (اللائحة) أن تكون حقيقية؛ لأنني لست عليها وأريد العودة» إلى سوريا.
وتشتاق زينة لرسائل شخصية تركتها في سوريا وكتب وممتلكات أجدادها.
وكونها لم تجد اسمها، شككت زينة في صحة اللائحة، وطلبت من معارف لديها في دمشق الاستفسار عن لوائح من الممكن أن تكون حديثة أكثر. وتقول: «ليس لدي جواب حتى الآن». ولذلك؛ لم تتجرأ على العودة.
وتبدو زينة مشوشة وغير قادرة على اتخاذ القرار الأنسب. وتتساءل «هل الأسوأ أن أعود وأخاطر بأن يتم اعتقالي؟ أو عدم الذهاب بتاتاً، ليظهر لاحقاً أني لم أكن مطلوبة أصلاً؟».
ولا يقتصر الأمر على المهاجرين، بل يبحث آخرون يعيشون في مناطق خارجة عن سيطرة النظام داخل سوريا عن أسمائهم.
بالنسبة لدلبرين محمد (37 عاماً) من مدينة القامشلي التي يسيطر عليها الأكراد، فالأمر سيان بوجود اسمه على اللائحة أو عدمه؛ فهو لا يتوقع أن يرى دمشق قريباً.
وكان دلبرين بحث في لوائح مسربة عدة في السابق عن اسمه، وكلف أشخاصاً أو موظفين حكوميين في دمشق البحث. وتكلّف عملية من هذا النوع عادة مبالغ تصل إلى مائة ألف ليرة سوريا (200 دولار)، لدفع الرشى إجمالاً.
وغادر دلبرين دمشق في 2011 ولا يزال يحلم بالمشي في شوارعها. لكنه يقول: «لا أتوقع العودة من دون عفو عام (...) بت أشعر أن مناطق النظام بلد آخر تماماً، وكأنك في حاجة إلى تأشيرة لدخولها. هم كوريا الشمالية ونحن الجنوب».
أما محمد خضر (32 عاماً) الذي استقر منذ عامين في ألمانيا مع زوجته وأطفاله الثلاثة، فيرفض حتى الآن شراء أثاث للمنزل. ويقول: «لا أريد أن أتأقلم؛ لأننا سنعود إلى سوريا».
ولا ينسى الشاب المتحدر من مدينة البوكمال (شرق) الفرح الذي كان يعتريه خلال الاحتجاجات ضد النظام بعدما لحق السوريون حينها بـ«الربيع العربي»، ولا يندم على المشاركة فيها حتى وإن كلفه ذلك الملاحقة الأمنية. ويقول خضر «لم أفتح لائحة (زمان الوصل)؛ لأنني أعرف الحقيقة أصلاً، لكن أصدقائي أرسلوا لي لقطات لاسمي على اللائحة».
بعدها، بحث خضر عن أسماء أشقائه وأصدقائه، وحتى نشطاء يعرف أنهم قتلوا خلال سنوات النزاع. يضيف «ورود اسمي على اللائحة بمثابة وثيقة شرف جعلتني أكثر إصراراً على العودة، لكن ليس أثناء وجود الأسد في السلطة». ويخلص إلى القول: «أنا مطلوب من الأسد؟ لا بأس، فهو مطلوب لديّ».
«لائحة المطلوبين» من النظام تثير مشاعر متضاربة لدى السوريين
ضمت 1.5 مليون شخص
«لائحة المطلوبين» من النظام تثير مشاعر متضاربة لدى السوريين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة