تشدد دولي في آلية متابعة الإصلاحات ومحاربة الفساد في لبنان

باريس تنجح في حشد عدد كبير من الدول والمؤسسات المالية لمؤتمر «سيدر»

الحريري زار البطريرك الماروني أمس (دالاتي ونهرا)
الحريري زار البطريرك الماروني أمس (دالاتي ونهرا)
TT

تشدد دولي في آلية متابعة الإصلاحات ومحاربة الفساد في لبنان

الحريري زار البطريرك الماروني أمس (دالاتي ونهرا)
الحريري زار البطريرك الماروني أمس (دالاتي ونهرا)

تستضيف باريس يوم الجمعة المقبل المؤتمر الدولي «سيدر» الخاص بدعم الاستثمارات والتنمية في لبنان والذي عملت فرنسا منذ أشهر على التحضير له والضغط على إنجاحه. ويعد المؤتمر ثاني نشاط دولي كبير تضطلع به باريس بعد المؤتمر الذي استضافته في شهر ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، كما أنه يندرج في سلسلة المؤتمرات المتلاحقة المخصصة للبنان وآخرها مؤتمر روما لدعم الجيش والقوى الأمنية اللبنانية. في حين كشفت المناقشات التي جرت في باريس، عن وجود مطلب رئيسي يبدو أن البلدان والمؤسسات الفاعلة تتمسك به، وهو قيام «آلية متابعة» للتأكد من جدية الحكومة في تنفيذ أمرين متكاملين هما الإصلاحات ومحاربة الفساد.
ونجحت باريس في تحشيد عدد كبير من الدول والمؤسسات المالية للمؤتمر. وبحسب محضر رسمي، فإن المؤتمر سيضم الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن ودول مجلس التعاون الست إضافة إلى مصر و9 دول في الاتحاد الأوروبي ودول رئيسة أخرى مثل الهند والبرازيل وكوريا الجنوبية والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية... والصناديق المالية الرئيسية في العالم، وأهمها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وصندوق النقد العربي والبنك الإسلامي للتنمية.
وكدليل على الأهمية الكبرى التي توليها باريس لإنجاح المؤتمر، يلقي الرئيس ماكرون كلمة الختام فيما سيحضره وزيرا الخارجية والاقتصاد جان إيف لودريان وبرونو لومير إضافة إلى السفير بيار دوكين الذي كلفه ماكرون الإعداد له. وسيرأس الوفد اللبناني رئيس الحكومة سعد الحريري. وطيلة شهور، لم يوفر دوكين أي جهد فجال على عواصم القرار وساعد الطرف اللبناني على الإعداد الجيد للملفات التي ستطرح في السادس من هذا الشهر والتي عرضها وفد لبناني «فني» في اجتماع في العاصمة الفرنسية يوم 26 مارس (آذار) الماضي.
ويأمل لبنان الذي يراهن على الاهتمام الدولي به وعلى إنجاز الحكومة للميزانية العامة للمرة الأولى منذ 11 عاما وعلى برامجه الإصلاحية والمشاريع التفصيلية التي قدمها وفده إلى الاجتماع المشار إليه، الحصول على 22 مليار دولار. لكن السفير دوكين كشف في الاجتماع التمهيدي أن الوعود التي أعطيت لا تتخطى المليارات العشرة، مطالبا البلدان والمؤسسات القادرة، على زيادة مساهماتها. بيد أن الأرقام الأكثر واقعية تدور حول 6 إلى 7 مليارات دولار، وفق هندسات مالية مختلفة بحسب الجهة المانحة. وإذا بقيت الأمور عند هذا الحد، فسيعني عندها أن الحكومة ستعمد إلى «إعادة النظر» في سلم الأولويات والمشاريع المطروحة. وقالت مصادر فرنسية لـ«الشرق الأوسط»، إن المهم «ليس ما سيحصل داخل الاجتماع بل بعده»، بمعنى أن الأطراف «المانحة» ستكون بالغة التشدد في متابعة الأداء اللبناني وكيفية التعامل مع هذه الخطط التمويلية التي ستمتد إلى ست سنوات منها سنتان مخصصتان لدراسة المشاريع المقدمة وهي بالمئات وأربع سنوات للتنفيذ.
وكشفت المناقشات التي جرت في باريس عن وجود مطلب رئيسي يبدو أن البلدان والمؤسسات الفاعلة تتمسك به، وهو قيام «آلية متابعة» للتأكد من جدية الحكومة في تنفيذ أمرين متكاملين هما الإصلاحات ومحاربة الفساد. وهذه الفكرة جديدة ولم تطرح سابقا في مؤتمرات باريس الثلاثة. وثمة أطراف طالبت بأن تكون طرفا في الآلية المذكورة التي يراد لها أن تجتمع بشكل دوري وأن تعتمد «معايير واضحة» في تقويم السير بالإصلاحات وجديتها. وقالت مصادر دبلوماسية رافقت التحضيرات للمؤتمر، إن قيام الآلية يعني أن حصول لبنان على الأموال لن يتم بشكل آلي بل سيكون مربوطا بالمشاريع المفترض تمويلها من جهة وبالتقدم الذي يحرزه لبنان في تحقيق الإصلاحات. وما دار في الاجتماع «الفني» والبيان الختامي الذي تنشر «الشرق الأوسط» أهم بنوده، يبين بوضوح رغبة الأطراف الحاضرة في مساعدة لبنان. لكنها في الوقت عينه، لن تقوم بذلك مغمضة العينين. فضلا عن ذلك يريد «المانحون» تأسيس شراكة بين القطاعين العام والخاص وإدخال المجتمع المدني طرفا.
وتسعى الحكومة إلى تحقيق أربعة أهداف رئيسية، أولها رفع قيمة الاستثمارات العامة بالتركيز على إعادة تأهيل البنى التحتية وإطلاق مشاريع جديدة، ما سيوفر آلاف فرص العمل وفق تقديراتها وذلك بالتعاون مع المجالس المحلية. وهدفها الثاني ضمان الاستقرار الاقتصادي من خلال خفض عجز ميزانية الدولة بنسبة 5 في المائة للسنوات الخمس المقبلة. أما الهدفان الأخيران فهما وضع استراتيجية للقطاع الإنتاجي وتسريع وتيرة الإصلاحات الهيكلية الخاصة بالدولة.
وستنطلق مطالبة لبنان بالدعم يوم الجمعة المقبل من اعتبارات عامة، مثل تحمل لبنان أعباء مئات الآلاف من اللاجئين السوريين واختناق القطاعات الخدمية وتراجع الاقتصاد وازدياد نسب البطالة وانخفاض المداخيل، فضلا عن العجوزات المالية وارتفاع الديون وتكلفتها، وذلك كله في بيئة ملتهبة والحاجة لحماية لبنان منها ليس فقط أمنيا وإنما أيضا اقتصاديا واجتماعيا.
وتبين الفقرة العاشرة من مشروع البيان الختامي المنتظر، من الطرف اللبناني، سلسلة من الالتزامات الإصلاحية التي يفترض المجتمعون من السلطات اللبنانية أن تسير بها للحصول على الأموال الموعودة. أما الفقرة الأخيرة «رقم 12» فإنها «تكملة» للسابقة إذ تشدد على أهمية «آلية المتابعة» التي سيكون دورها التأكد من تنفيذ الالتزامات ما يعني أن الأمور «الجدية» قد بدأت بالنسبة للبنان.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.