تستمع أندريا فورجاكس بمشهد خلاب من نافذة غرفتها في الطابق السابع في أحد مباني مدينة زيوريخ السويسرية، حيث تتمدد المدينة أمامها وخلفها بحيرتها العملاقة وفي أفق تبدو قمم جبال الألب التي يكسوها الجليد.
ومن الصعب العثور على شقة سكنية تتكون من غرفة واحدة (استوديو) في هذه المدينة بإيجار يقل عن 1600 يورو (1973 دولاراً) شهرياً. لكن فورجاكس حصلت على شقتها ذات الغرفتين في فندق «دولدر فالدهاوس» ذي الأربع نجوم بنصف هذا المبلغ، مع استفادتها من خدمة الإنترنت فائق السرعة.
وتقول فورجاكس التي تبلغ من العمر 32 عاماً وتعمل مديرة لمعرض فني، إن «ممارسة اليوغا أمام النوافذ الكبيرة تعطي استرخاء مضاعفاً».
وهذه السيدة واحدة من شريحة متنامية من السكان المؤقتين الذين كيفوا أنفسهم مع نموذج الإيجار الجديد في زيوريخ.
يذكر أن فندق «دولدر فالدهاوس» الذي يضم 70 غرفة وشقة فندقية أقيم في سبعينات القرن 20 وتقرر هدمه، لكن الهدم لن يتم قبل نهاية 2019، وحتى هذا الوقت، فإن نحو 100 شخص تتراوح أعمارهم بين 18 و75 عاماً يعيشون في غرف الفندق حالياً، لكن ليس وفقاً لعقود تأجير عادية، وإنما وفقاً لاتفاقات «إعارة بغرض الاستخدام».
ففي مدينة يعد الحصول فيها على مسكن أمراً بالغ الصعوبة وبإيجار مرتفع، يزدهر مثل هذا النوع من النشاط، بحسب مؤسسة «فويست» للخدمات العقارية في مدينة زيوريخ. وقادت هذا التوجه شركة ناشئة تعرف باسم «بروجيكت إنتريم»، حيث تدير عدداً متزايداً من العقارات بهذا الأسلوب.
وقد أصبح موقع فندق «دولدر فالدهاوس» مكاناً للأنشطة المجتمعية، حيث توجد طاولات رياضة تنس الطاولة وموائد البلياردو في البهو السابق للفندق، كما تم تحويل حمام السباحة الداخلي إلى حلبة ملاكمة لهواة الرياضات العنيفة من السكان.
أما المناطق المفتوحة من الفندق، ففيها كثير من الزوايا المخصصة للقراءة والمزودة بوسائد سميكة مريحة، ويوجد مطبخ مشترك بجوار منطقة تناول العشاء المزودة بموائد طويلة تغطي عليها حوارات الحضور.
تقول فورجاكس التي يعرض عملاء معرضها لوحاتهم على الجدران، إن «مكاناً للتجمع وأوقات تناول الوجبات الجماعية تفرز كثيراً من الأفكار». وعلى عكس الشقق في المجمعات السكنية التقليدية، فإن سكان مبنى الفندق يمارسون نمط حياة اجتماعياً، حيث تقوم بينهم علاقات إنسانية قوية تسمح لهم بالدردشة وتبادل الأفكار حول مشروعاتهم الشخصية والموضة، وهذا هو روح «بروجيكت إنتريم».
يقول لوكاس أماتشير مؤسس مشروع «بروجيكت إنتريم»: «نبحث دائماً عن تحقيق مزيج جيد من البشر، لدينا طلبة ومتقاعدون وسويسريون وأجانب وأصحاب مشروعات خاصة وعمال... هذا يمكن أن يؤدي إلى علاقات جيدة للغاية وشبكة علاقات مهنية جديدة».
وكان أماتشير نفسه قد لجأ إلى نموذج التأجير المؤقت منذ سنوات قليلة عندما كان يبحث عن استوديو للموسيقى. وفي هذا الوقت التقى بشركائه وبدأ العمل في مشروع شركة «بروجيكت إنتريم» عام 2013. ويؤكد أماتشير أن التأجير الرخيص والأماكن الشعبية مهمة جداً للمبدعين، «ونحن لا نقدم خدمات فاخرة». وتطبق الشركة حالياً هذا النموذج للتأجير في نحو 100 مشروع تتراوح بين فيلات وعمارات سكنية ومكاتب ومساحات فضاء ومجمعات صناعية.
تقول ميلاني هومان أستاذة التنمية الحضرية المستدامة في درسدن بألمانيا: «إنها فكرة مستدامة... دائماً يوجد في المدن العملاء الذين لا يحتاجون إلى سكن طويل الأجل».
لكن هومان تحذر من أن هذه الفكرة التي تنطلق من النيات الحسنة يمكن أن تتعرض للاختطاف من جانب المتربحين والمحتالين، «الفكرة الأساسية جيدة لكن يمكن بسهولة استغلالها لتحقيق مكاسب» غير مقبولة من جانب البعض.
في الوقت نفسه، أسست المهندسة المعمارية باربرا بوسر الرائدة في الاستخدام المؤقت للمباني، منظمة «دينكشتات» التي تستهدف حماية المباني والمناطق كلها من التخريب.
وقالت بوسر إن مشروعها «بدأ حلماً»، مشيرة إلى عام 2000 عندما تقرر هدم مجموعة من مباني المصانع القديمة في قلب مدينة بازل السويسرية. وقد حصل مشروع بوسر ورفاقها للمحافظة على المباني وتنميتها على عقد لتنفيذه.
والآن أصبح موقع «جانديل دينجر فيلد» الذي يشغل 12 ألف متر مربع، حياً نابضاً بالحياة مملوءاً بالمتاجر والمطاعم وغيرها من المحال الأخرى إلى جانب قائمة انتظار طويلة بالأشخاص الراغبين في الاستئجار.
وتقول بوسر إنه «كما كان الحال في الماضي، يعمل حالياً 250 شخصاً في المصنع ويزوره نحو 1000 شخص يومياً». وترغب بوسر في المحافظة على المباني القديمة بعيداً عن يد المضاربين، وتشجيع توفير المساكن بإيجار معقول وتجديد المواقع القديمة مع المحافظة على البيئة أقصى ما يمكن، وهو ما يعني الاستغناء عن وسائل الرفاهية والفخامة مثل العزل الحراري ووحدات التدفئة المشعة للحرارة.
وتؤكد المهندسة السويسرية أن «ورشة إنتاج الأقفال لا تحتاج إلى درجة حرارة تزيد على 18 درجة مئوية»، وقد تحتاج بعض المباني الأخرى إلى درجة تدفئة تصل إلى 20 درجة مئوية وفقاً لطبيعة نشاطها. أما إذا اشتكى أحد المستأجرين للورش من برودة الجو، فإن الإدارة يمكن أن تقترح عليه ارتداء سترة شتوية.
ونفذت بوسر كثيراً من المشروعات المماثلة، وهي تعمل حالياً على مشروع للمحافظة على مستشفى قديم وحمايته من الهدم. ونعود إلى زيوريخ حيث تقوم فورجاكس وزوجها بتجربتهما الاجتماعية في مسكن مؤقت كان فندقاً في الماضي.
وقد تخلى الزوجان عن شقتهما السابقة التي تبلغ مساحتها 80 متراً، لأنهما أرادا تقليل حجمها وتقليل معدل استهلاكهما بشكل عام. وعندما تنتهي فترة إيجار مسكنهما الحالي، فإنهما يعتزمان تقليص المساحة بصورة أكبر.
الإيجار المؤقت... مساكن فاخرة بأسعار رخيصة في سويسرا
يزدهر في المدن ذات العرض المنخفض والإيجارات المرتفعة
الإيجار المؤقت... مساكن فاخرة بأسعار رخيصة في سويسرا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة