معزوفة بصرية شيقة، ينوع خطوطها وألوانها وعلاماتها الفنان حلمي التوني في معرضه الجديد «ليه يا بنفسج» الذي يستضيفه جاليري «بيكاسو» بالقاهرة.
يحمل التوني (84 عاماً) في تجربته المتجددة مع الفن والحياة، محبة خاصة للمرأة، فهي محور إيقاع اللوحة، ومصدر الجمال والحيوية والحرية في نسيجها. كما تحفز العلاقة بالمرأة عين المشاهد للتساؤل حول المرأة والرجل معاً، ماضيهما وواقعهما الاجتماعي، خصوصاً في محيط البيئة الشعبية المليئة بنوازع الخرافة والأساطير والتمائم، التي تعد إحدى المرجعيات البصرية الأساسية في عالم التوني، حيث ينحاز لفطرتها وبداهتها، وعفوية الخيال في نظرتها لمشاغل الحياة والجسد والروح.
ينعكس كل هذا على أسلوب الفنان، مخلفاً نوعاً من الذبذبة البصرية المرحة على عين المشاهد. فكما أن جوهر العلاقة العاطفية الحميمة بين الرجل والمرأة ينهض على الوضوح والشفافية، تنساب لوحات المعرض ببساطتها وتلقائيتها، في خطوط شفيفة وألوان زاهية صريحة، تمنح الصورة تحديداً مشعاً على مسطحات مستوية مرئية، بعيداً عن أي تكوينات قافزة أو مرتجلة، بلا ضوابط ونواظم فنية. إنه عالم منضبط، مكثف في بساطته وسلاسته، ينهض على المواءمة الموحية الثرية بين مساحات التجريد والتجسيد؛ بينما تبرز الشخوص والأشكال بروائحها البنفسجية الخلابة، وكأنها سارحة في الضوء، معجونة بفضاء الخلفية المشغول بحليات وعلامات، من الوشم والرقش والأيقونات والتوريقات النباتية والورود والهداهد والفراشات، وغيرها من مفردات ورموز الفن الشعبي، يمزجها التوني بتواليفه وانفعالاته البصرية فتصبح جزءاً عضوياً في نسيج اللوحة، وفي الوقت نفسه، تلعب دوراً مهماً في جعل الفكرة أو الموضوع بكل محمولاته التراثية، مذاباً في التكوين ببساطة موحية.
وفي ظني ترجع شهرة التوني في الأوساط الفنية، بخاصة بين محبي وعاشقي الفن، إلى أنه فنان فرجة بامتياز، يبحث عن الفن من خلال الصورة، كما أن لوحاته مشبوبة بكثافة عاطفية باذخة، تمجد صحوة الحياة في الطبيعة والإنسان، ولا تنفصل عن إيقاع الواقع اليومي المصري في كل تبايناته الاجتماعية والسياسية والثقافية. فحقيقة الصورة عنده تتساوى مع حقيقة الإنسان، والوطن والحلم معاً.
كما أنه يختزن مشاعره وانفعالاته بانسجام تام، ويترجمها في اللوحة بتلقائية، كلغة شعبية حارة، لها أسرارها، وفضاؤها البصري والدلالي الخاص، وهو ما يجعل كل مفردات اللوحة في حالة من التضافر الجمالي، فالخطوط مرتبطة باللون، يتبادلان الأدوار في إنضاج التكوين، وربطه بالبيئة المصرية بكل طبقاتها المحلية الخصبة ـ يعزز ذلك أن هذه المفردات في أغلب لوحات المعرض تقف على نسيج حكاية ما، أو أغنية، أو موال وحدوتة، في براحها الشعبي، وخصوصيتها اللافتة الشجية، التي كثيراً ما تبرز في المناسبات العامة والموالد الشعبية.
يهتم التوني بالطبيعة المرحة، ويجذب عناصرها في رسوماته، موحداً برشاقة مخيلة ما بين حيوية اللوحة ومشاهد النباتات والثمار النضرة وأزهار البنفسج، وكذلك الطيور السابحة في الفضاء الخارجي، فنشعر أنها تتقافز في جنبات التكوين، وحنايا الخطوط والألوان، ومساقط الضوء، بحثاً عن عش خاص في حضن اللوحة.
تمتد هذه الحالة المرحة إلى عناصر أخرى من واقع الحياة، فتحضر في بعض اللوحات شخصية «البلياتشو» بسمته الشعبي وملابسه المزخرفة، لصناعة البهجة بالرسم والفرح بالفن، وأيضاً مسامرة المرأة، في مشهد أقرب إلى المنولوج البصري الضاحك، تمتزج فيها نصاعة الألوان والتكوين بإيقاعات نغمية منسابة من أوتار العود والكمان، مظللة بألوان وهاجة تعكس في سكونها المشمس، حركة الحياة في دورتها الجوهرية الخصبة، ما بين المرأة، شجرتها الأم، والرجل ثمرتها دائمة التجدد والنضج.
حلمي التوني يحتفي بالمرأة في معرضه «ليه يا بنفسج»
معزوفة بصرية مفعمة بالحنين والفرح بالفن
حلمي التوني يحتفي بالمرأة في معرضه «ليه يا بنفسج»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة