التواصل الاجتماعي ينشغل بقضية تبرئة برلماني روسي من تهمة التحرش

الخبر تناقلته المواقع الإخبارية فتفاعل معه مستخدمو «فيسبوك»
الخبر تناقلته المواقع الإخبارية فتفاعل معه مستخدمو «فيسبوك»
TT

التواصل الاجتماعي ينشغل بقضية تبرئة برلماني روسي من تهمة التحرش

الخبر تناقلته المواقع الإخبارية فتفاعل معه مستخدمو «فيسبوك»
الخبر تناقلته المواقع الإخبارية فتفاعل معه مستخدمو «فيسبوك»

تبدو صفحات التواصل الاجتماعي كأنها تشعر بسعادة وارتياح في روسيا هذه الأيام، لأنها «عديمة الإحساس»، وليست مضطرة إلى التفاعل أخلاقياً مع العبارات التي تحملها تعليقات كثيرة تتضمن عبارات تخدش الحياء، يكتبها مواطنون روس في إطار الجدل الذي تفجر على تلك المواقع، على خلفية تبرئة لجنة الأخلاق في البرلمان الروسي برلمانياً تتهمه إعلاميات روسيات بالتحرش. وبدأت فضيحة التحرش في نهاية فبراير (شباط) الماضي، حين نشرت قناة «دوجد» التلفزيونية الروسية اعترافات إعلاميات روسيات، تحدثن عن سلوك غير لائق من جانب البرلماني ليويند إدواردوفيتش سلوتسكي، رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الدوما. وفي وقت لاحق قالت كل من فريدا روستاموفا مراسلة (بي بي سي)، ويكاتيرينا كوتريكادزه، نائبة رئيس تحرير قناة «RTVi»، وداريا جوك المنتجة في قناة «دوجد»، أنهن تعرضن للتحرش من جانب سلوتسكي، وروت كل منهن تفاصيل ما جرى، حتى إن مراسلة (بي بي سي) قدمت تسجيلاً صوتياً دليلاً على واقعة التحرش، وفق ما ذكرت وسائل الإعلام الروسية.
وسارع سلوتسكي إلى نفي تلك الاتهامات، ووصفها بـ«التشهير». أما فياتشيسلاف فالودين، رئيس مجلس الدوما، فذهب إلى التلميح بأن تلك الاتهامات ربما تكون عملاً استفزازياً مخططاً له. وفي تهنئته للصحافيات العاملات في مجلس الدوما بمناسبة يوم المرأة العالمي، اقترح عليهن تغيير عملهن، والتوقف عن العمل في الدوما إذا كان هذا يشكل خطراً عليهن. وفي مطلع مارس (آذار) تم تقديم شكوى رسمية إلى لجنة الأخلاق في مجلس الدوما للنظر في الاتهامات واتخاذ الإجراءات الضرورية. وفي 21 مارس أعلنت لجنة الأخلاق تبرئة سلوتسكي وقالت إنها لم تجد في نشاطه أي مخالفات «ممارساتية». تلقى معظم وسائل الإعلام الروسية غير الرسمية، قرار لجنة الأخلاق بغضب شديد، وأعلنت الواحدة تلو الأخرى عن مقاطعة البرلمان وسحب مراسليها منه. وكانت مؤسسة (آر بي كا) الإعلامية الروسية أول من بادر وأعلن رسمياً عن مقاطعة البرلمان بسبب قرار لجنة الأخلاق، ومن ثم أعلنت وسائل إعلام كبرى، غير رسمية عن المقاطعة، ومنها موقع «لينتا.رو» الشهير، وصحيفة «كوميرسانت» الشهيرة أيضاً، وكذلك محطة راديو «صدى موسكو»، وعدد آخر كبير من وسائل الإعلام الفيدرالية والمحلية.
وفجّرت هذه التطورات جدلاً واسعاً على صفحات التواصل الاجتماعي. كان لافتاً أن هيمن «الترحيب» بالمقاطعة، و«التهنئة»، على لهجة التعليقات التي تركها مواطنون على حساب مؤسسة (آر بي كا) في «فيسبوك». وكتب أليكسي مولوتكوف معلقاً بتهكم: «ربما يجب افتتاح قسم خاص في مجلس الدوما كي يتمكن خدم الشعب من الترفيه عن أنفسهم!». أما نيكولاي كيريلوف فقد كتب في تعليقه: «أحسنتم، لكن لماذا هذا التأخير؟ أم أنّ مجلس دوما آخر كان لدينا قبل ذلك؟». وكتب نيكولاي تيوميانتسيف متهكماً: «كي لا تتكرر حالات رفض العلاقة مع أعضاء مجلس الدوما أقترح العودة إلى منح حق الليلة الأولى». ولم يخلُ الأمر من تعليقات تحمل في طياتها اتهامات للصحيفة الروسية، مثل ما جاء في تعليق كتبه مشترك اسمه إيغ بير، ويقول فيه: «يجب استجواب الصحافيات على جهاز كشف الكذب، (لمعرفة) بطلب مِن مَن ومَن الذي دفع (لهن لتوجيه الاتهامات). لا بد من التحقيق مع وسائل الإعلام الموالية للعدو، والتلويح بسحب التراخيص من وسائل الإعلام (الروسية) الخاضعة لنفوذ الخارجية الأميركية». وكانت مشتركة اسمها سفيتا بوريسوفا أكثر وضوحاً في اتهاماتها، وقالت في تعليقها: «إن (آر بي كا) وسيلة ليبرالية غربية الميول. فما الذي كنتم تأملونه من هذه الوسيلة الإعلامية؟».
واشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بعد أن أعلن برلمانيون وأكاديميون عن دعمهم للبرلماني سلوتسكي، بعبارات أثارت غضب المستمعين من الجنسين. وكان فيتالي تريتياكوف، عميد كلية التلفزيون في جامعة موسكو الحكومية، قد قال في محاضرة ألقاها أمام طلاب وطالبات جامعة «نوفوسيبيرسك»: «إن أي رجل طبيعي، وفي ظروف معينة، قد يضع يده على ركبة امرأة أو أي مكان آخر (من جسدها)». واعترضت الطالبات والطلاب على الفور وأرسلوا رسالة إلى عميد الجامعة يطلبون فيها إقالة تريتياكوف.
وأعلن موقع «لينتا.رو» عبر صفحته على «تويتر» عن مقاطعة البرلماني سلوتسكي، ونشر في «تغريدة» قرار المقاطعة، مرفقاً صورة لسلوتسكي مكتوباً عليها «تحرش جنسي». وفي التعليقات على الصورة كتب أحدهم: «لن يسجنوه، وسينجو. وسيبقى برلمانياً وسيتمكن من وضع يده على صدور الصحافيات». ونظراً إلى الاهتمام الواسع لدى الرأي العام الروسي بهذه القضية، حذر البعض في تعليقاتهم من أن استمرار الجدل حول قضية التحرش قد يشعل موجة احتجاجات في البلاد، وكتب مستخدم باسم (ميخائيل بولغاكوف): «ما هذا؟ هل تريدون ميداناً (في روسيا)؟» في إشارة منه إلى الاحتجاجات في ساحة الميدان في أوكرانيا عام 2014.



شركات التكنولوجيا ووسائل الإعلام الليبرالية تتجه يميناً

إيلون ماسك (رويترز)
إيلون ماسك (رويترز)
TT

شركات التكنولوجيا ووسائل الإعلام الليبرالية تتجه يميناً

إيلون ماسك (رويترز)
إيلون ماسك (رويترز)

استقالت رسامة الكاريكاتير الأميركية -السويدية الأصل- آن تيلنيس، الحائزة على جائزة «بوليتزر»، من عملها في صحيفة «واشنطن بوست» خلال الأسبوع الماضي، بعد رفض قسم الآراء في الصحيفة رسماً كاريكاتيرياً يصوّر مالك الصحيفة، الملياردير جيف بيزوس مع مليارديرات آخرين من عمالقة التكنولوجيا، وهم ينحنون أمام تمثال للرئيس المنتخب دونالد ترمب. وفور إعلان الخبر رأى كثيرون أن الواقعة الجديدة تختصر صورة المرحلة المقبلة في الولايات المتحدة.

مارك زوكربيرغ (آ ب)

إعادة تموضع

خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، بعدما بدا أن ترمب يتجه إلى العودة مجدداً إلى البيت الأبيض، بدأ الكثير من مسؤولي الشركات الكبرى ووسائل الإعلام الأميركية، رحلة «إعادة تموضع» تماشياً مع العهد الثاني لترمب. وهو ما تُرجم بداية بامتناع وسائل إعلام كانت دائماً تُعد رمزاً لليبرالية، مثل: «واشنطن بوست» و«لوس أنجليس تايمز»، عن تأييد أي من المرشحين الرئاسيين، فضلاً عن تغيير غرف التحرير في محطات تلفزيونية عدة، ومراجعة الكثير من سياسات الرقابة والإشراف والمعايير الناظمة لعملها، إلى إعادة النظر في تركيبة مجالس إدارات بعض شركات التكنولوجيا.

وبعيداً عن انحياز الملياردير إيلون ماسك، مالك تطبيق «إكس»، المبكر لترمب، واتجاهه للعب دور كبير في إدارته المقبلة، كانت الاستدارة التي طرأت على باقي المنصات الاجتماعية والإعلامية مفاجئة وأكثر إثارة للجدل.

ان تيلنيس (جائزة بوليتزر)

خضوع سياسي أم تغيير أعمق؟

البعض قال إنه «خضوع» سياسي للرئيس العائد، في حين عدّه آخرون تعبيراً عن تغيير أعمق تشهده سياسات واشنطن، لا يُختصر في ترمب، بل يشمل أيضاً كل الطبقة السياسية في الحزبَيْن الجمهوري والديمقراطي، وحتى المزاج الشعبي الذي أظهرته نتائج الانتخابات.

في بيانها الموجز، قالت تيلنيس التي تعمل في «واشنطن بوست» منذ عام 2008، إن قرار الصحيفة رفض رسمها الكاريكاتيري «مغيّر لقواعد اللعبة» و«خطير على الصحافة الحرة». وكتبت: «طوال ذلك الوقت لم يُمنع رسم كاريكاتيري قط بسبب مَن أو ما اخترت أن أوجّه قلمي إليه حتى الآن». وأدرجت تيلنيس مسوّدة من رسمها الكاريكاتيري في منشور على موقع «سبستاك»، يظهر بيزوس، مؤسس «أمازون» ومالك الصحيفة، مع مؤسس شركة «ميتا» مارك زوكربيرغ، وسام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي»، وباتريك سون شيونغ مالك صحيفة «لوس أنجليس تايمز»، و«ميكي ماوس» التميمة المؤسسية لشركة «والت ديزني»، ينحنون أمام تمثال ترمب.

وطبعاً كان من الطبيعي أن «يختلف» ديفيد شيبلي، محرّر الآراء في الصحيفة، مع تقييم تيلنيس، وبالفعل قال في بيان إنه يحترم كل ما قدمته للصحيفة، «لكن يجب أن يختلف مع تفسيرها للأحداث»، معتبراً قرار منع نشر رسم الكاريكاتير «تفادياً للتكرار»، بعدما نشرت الصحيفة مقالات عن الموضوع.

... وزوكربيرغ يعود إلى أصوله

بيد أن تزامن منع الكاريكاتير مع الخطوة الكبيرة التي اتخذتها شركة «ميتا» يوم الثلاثاء، عندما أعلن مارك زوكربيرغ أن «فيسبوك» و«إنستغرام» و«ثريدز» ستُنهي عملية التدقيق في الحقائق من قِبل أطراف ثالثة، قرأها العالم السياسي بوصفها نوعاً من الاستسلام؛ إذ قال زوكربيرغ في مقطع فيديو نشره على «فيسبوك» إن «(ميتا) ستتخلّص من مدقّقي الحقائق، وستستعيض عنهم بملاحظات مجتمعية مشابهة لمنصة (إكس)»، وهو ما رآه البعض «تضحية بقيم الشركة على (مذبح) دونالد ترمب وسياسة (حرية التعبير)» للحزب الجمهوري الجديد. بالنسبة إلى المحافظين اليمينيين، الذين يعتقدون أن المشرفين ومدققي الحقائق ليبراليون بشكل شبه موحّد، واثقون بأن النهج الأكثر تساهلاً في تعديل المحتوى سيعكس الواقع بشكل أكثر دقة، من خلال السماح بمجموعة أوسع من وجهات النظر. وعدّ هؤلاء، ومنهم بريندان كار الذي اختاره ترمب لإدارة لجنة الاتصالات الفيدرالية، قرار «ميتا» انتصاراً.

في المقابل، أعرب الليبراليون عن «فزعهم»، وعدّوه «هدية لترمب والمتطرّفين في جميع أنحاء العالم». وقال معلقون ليبراليون إن من شأن خفض معايير التأكد من الحقائق من قِبل أكبر منصة في العالم يُنذر بمجال رقمي أكثر غرقاً بالمعلومات الكاذبة أو المضللة عمداً مما هو عليه اليوم.

ابتعاد عن الليبرالية

هذا، ومع أنه من غير المتوقع أن يؤدي قرار زوكربيرغ بالضرورة إلى تحويل الإنترنت إلى «مستنقع للأكاذيب أو الحقائق»؛ لأن الخوارزميات هي التي تتحكم بما يُنشر في نهاية المطاف. فإن قراره يعكس، في الواقع، ابتعاد شركات التكنولوجيا عن الرؤية الليبرالية لمحاربة «المعلومات المضلّلة». وهذه مسيرة بدأت منذ سنوات، حين تراجعت «ميتا» عام 2019 عن التحقق من صحة الإعلانات من السياسيين، وعام 2023 عن تعديل الادعاءات الكاذبة حول انتخابات 2020.

وحقاً، كان إعلان يوم الثلاثاء هو الأحدث في سلسلة من تراجعات الشركة، واتجاهها نحو اليمين منذ إعادة انتخاب ترمب. ففي الأسبوع الماضي، عيّنت الشركة الجمهوري جويل كابلان رئيساً عالمياً للسياسة، وعيّنت، يوم الاثنين، دانا وايت، حليفة ترمب التي لعبت دوراً رئيساً خلال المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، في مجلس إدارة الشركة. وفي السياق نفسه تضمّن إعلان يوم الثلاثاء نقل فريق الثقة والسلامة في الشركة من ولاية كاليفورنيا «الليبرالية»، إلى ولاية تكساس «الجمهورية»؛ مما يعكس دعوات من قادة التكنولوجيا اليمينيين مثل إيلون ماسك إلى تركيز الصناعة في بيئات «أقل ليبرالية» من «وادي السيليكون».

ترمب ممثلاً للأكثرية

في مطلق الأحوال، مع أن كثيرين من النقاد والخبراء يرون أن هذا التغيير يعكس بالفعل حقيقة ابتعاد شركة «ميتا» وغيرها من شركات ومواقع التواصل الاجتماعي عن الرؤية الليبرالية للحوكمة الرقمية، لكنهم يشيرون إلى أنه ابتعاد مدفوع أيضاً بالقيم الأساسية للصناعة التي جرى تبنيها إلى حد كبير، تحت الإكراه، استجابة للحظات سياسية مشحونة.

ومع تحوّل ترمب تدريجياً من كونه متطفلاً دخيلاً على الحياة السياسية الأميركية، إلى الممثل الأبرز للأكثرية التي باتت تخترق كل الأعراق -وليس فقط البيض- فقد بدا أن هذا النهج الذي يشبه نظام المناعة بات أقل ملاءمة، وربما، بالنسبة إلى شركات مثل «ميتا»، أكثر ضرراً سياسياً وأقل ربحية.