دخلت مساء أمس حافلات مناطق سيطرة «فيلق الرحمن» جنوب الغوطة الشرقية تمهيداً لبدء عملية إجلاء نحو سبعة آلاف من المقاتلين والمدنيين بعد تأخير لساعات، في خطوة من شأن إتمامها أن يعزز سيطرة قوات النظام وروسيا على المنطقة بشكل شبه كامل.
وبخروجها من الغوطة الشرقية، ستتعرض الفصائل المعارضة لضربة موجعة مع خسارتها أحد آخر أبرز معاقلها قرب دمشق، بعدما كانت قد احتفظت بوجودها فيه منذ العام 2012. وبعد إجلاء مقاتلي مدينة حرستا في اليومين الماضيين، وبدء العملية في جنوب الغوطة بعد مفاوضات مع وفد روسي، لا يزال مصير مدينة دوما، كبرى مدن المنطقة ومعقل «جيش الإسلام»، غير معروف مع استمرار المفاوضات بشأنها.
وبدأ عند الرابعة عصراً (14.00 ت غ) دخول حافلات من جهة حرستا إلى جيب يسيطر عليه «فيلق الرحمن» في جنوب الغوطة الشرقية تنفيذاً لاتفاق يقضي، وفق التلفزيون السوري الرسمي، «بنقل نحو سبعة آلاف شخص من المسلحين وعائلاتهم من زملكا وعربين وعين ترما»، فضلاً عن أجزاء من حي جوبر الدمشقي المحاذي لها إلى مناطق الشمال السوري.
وتم التوصل إلى هذا الاتفاق إثر «مفاوضات مباشرة مع الروس»، وفق ما أعلن «فيلق الرحمن» الذي يسيطر على هذه البلدات، و«هيئة تحرير الشام» (النصرة سابقاً) التي لها وجود محدود فيها.
وكان من المقرر أن تبدأ العملية عند التاسعة (07.00 ت غ) صباحاً، لكن «أسباباً لوجيستية» فرضت التأخير لساعات عدة جراء العمل على «فتح الطريق ونزع الألغام تمهيداً لدخول الباصات، عدا عن تأخر المسلحين في التجمع وتجهيز قوائم بأسمائهم»، وفق ما أوضح مصدر عسكري سوري لوكالة الصحافة الفرنسية.
ومنذ ساعات الصباح، شهدت شوارع مدينة عربين وفق مراسل وكالة الصحافة الفرنسية حركة كثيفة لمدنيين ومقاتلين استعداداً للخروج. وبادر كثيرون من السكان إلى «توضيب حاجياتهم وأغراضهم» تمهيداً لإجلائهم، تزامناً مع نقل سيارات إسعاف لعدد من الجرحى إلى نقطة تجمع محددة في مدينة زملكا.
وأمام مبنى مدمر بشكل شبه كامل في عربين، شوهد عشرات من السكان، بينهم مقاتلون، وهم ينتظرون صباحاً وبقربهم دراجات نارية. كما خرجت نسوة مع أطفالهن إلى الشوارع. وقال أبو خالد (28 عاماً)، أحد المقاتلين في عربين لوكالة الصحافة الفرنسية: «نحن حزينون لخروجنا من هنا ولكن ليس باليد حيلة (...) هُجّرنا من ديارنا ومن أرضنا».
وبدأ تنفيذ الاتفاق السبت بتسليم الفصائل «ثمانية من المختطفين» لديها إلى قوات النظام كانوا محتجزين في عربين، وفق ما نقل الإعلام الرسمي.
وتجمع أهالي المخطوفين، وبينهم جنود، عند المعبر قبل ساعات. وقالت والدة أحد المخطوفين وتدعى صباح منذر: «ننتظر بفارغ الصبر خروجه»، مضيفة: «لم أتمكن من النوم ليلاً وانتظرت أن يحل الصباح كي آتي إلى حرستا» للقاء ابنها المحتجز لدى الفصائل منذ أربع سنوات.
وتتعرض الغوطة الشرقية منذ 18 من الشهر الماضي لحملة عسكرية عنيفة، تمكنت خلالها قوات النظام من تضييق الخناق بشدة، وبشكل تدريجي على الفصائل، وتقسيم مناطق سيطرتها إلى ثلاثة جيوب منفصلة، ما دفع بمقاتلي المعارضة إلى القبول بالتفاوض.
وقبل التوصل إلى اتفاقات الإجلاء، تدفق عشرات الآلاف من المدنيين إلى مناطق سيطرة قوات النظام مع تقدمها ميدانياً داخل الغوطة. وأورد الإعلام الرسمي السوري، نقلاً عن مصدر عسكري، السبت، أن «أكثر من 105 آلاف مدني من المحتجزين لدى التنظيمات الإرهابية خرجوا من الغوطة الشرقية حتى الآن» خلال نحو أسبوعين.
وتم نقل هؤلاء إلى مراكز إقامة مؤقتة تابعة للحكومة في ريف دمشق، تكتظ بالمدنيين، لا سيما النساء والأطفال والمسنين. ووصفت الأمم المتحدة قبل أيام الوضع فيها بـ«المأساوي».
وتأتي عملية الإجلاء المرتقبة السبت بعد إجلاء أكثر من أربعة آلاف شخص، بينهم أكثر من 1400 مقاتل من «حركة أحرار الشام»، على دفعتين يومي الخميس والجمعة من مدينة حرستا إلى مناطق الشمال السوري بناء على اتفاق مع روسيا.
وأعلن التلفزيون السوري الرسمي مساء الجمعة «حرستا خالية» من الفصائل، ومكنت عملية الإجلاء هذه قوات النظام من توسيع نطاق سيطرتها لتشمل أكثر من 90 في المائة من مساحة المنطقة التي كانت تحت سيطرة الفصائل، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وطوال فترة سيطرتها على الغوطة الشرقية، احتفظت الفصائل المعارضة بقدرتها على تهديد أمن دمشق من خلال إطلاق القذائف التي استهدفت إحداها السبت مدينة رياضية في حي المزرعة، وتسببت بمقتل طفل لاعب كرة قدم عن فئة الأشبال، وإصابة سبعة آخرين من رفاقه بجروح، وفق ما أوردت وكالة «سانا».
وبعد إجلاء مقاتلي «أحرار الشام» و«فيلق الرحمن»، تتوجه الأنظار إلى مدينة دوما، التي تجري مفاوضات بشأنها مع مسؤولين روس، وفق اللجنة المدنية المعنية بالمحادثات التي لم يؤكد «جيش الإسلام» مشاركته فيها.
ويرجح مدير المرصد رامي عبد الرحمن أن تؤدي المفاوضات إلى اتفاق يقضي بتحويلها إلى منطقة «مصالحة»، على أن تعود إليها مؤسسات الدولة مع بقاء مقاتلي «جيش الإسلام» من دون دخول قوات النظام.
وتتواصل منذ أيام عدة حركة النزوح من مدينة دوما عبر معبر الوافدين شمالاً، أحد المعابر الثلاثة التي حددتها القوات الحكومية للراغبين بالخروج من مناطق سيطرة المعارضة. ونقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية عن مصدر عسكري خروج 1700 مدني السبت.
ويرجح «المرصد السوري» بقاء أكثر من 30 ألفاً من سكان الغوطة الشرقية في منازلهم ببلدات في جنوب الغوطة سيطرت عليها قوات النظام. وقتل خلال أكثر من شهر من الهجوم ما يزيد على 1630 مدنياً، بينهم نحو 330 طفلاً على الأقل.
وخلال سنوات النزاع، شهدت مناطق سورية عدة، بينها مدن وبلدات قرب دمشق، عمليات إجلاء لآلاف المقاتلين المعارضين والمدنيين بموجب اتفاقات مع القوات الحكومية إثر حصار وهجوم عنيف، أبرزها الأحياء الشرقية في مدينة حلب نهاية العام 2016.
إلى ذلك، أكد مصدر في قيادة شرطة دمشق أن «التنظيمات الإرهابية» المنتشرة في الغوطة الشرقية اعتدت صباحاً بقذيفة صاروخية على مدينة الفيحاء الرياضية في حي المزرعة، ما تسبب بمقتل طفل وإصابة 7 آخرين بجروح. وأشار المصدر في تصريح لوكالة الأنباء السورية إلى وقوع أضرار مادية كبيرة في المكان.
ونقلت الوكالة عن رئيس نادي الجيش لكرة القدم العميد محسن عباس أن المسلحين في الغوطة الشرقية «استهدفوا الجمعة مدينة الفيحاء الرياضية بقذيفة أودت بحياة طفل وأدت إلى إصابة سبعة آخرين أثناء حصة تدريبية».
90 في المائة من الغوطة في قبضة النظام وروسيا
حافلات تدخل الى القطاع الجنوبي لإجلاء معارضين وعائلاتهم
90 في المائة من الغوطة في قبضة النظام وروسيا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة